وسطية الأمة: قال الله تعالي: »وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا« (سورة البقرة 341). والوسط: الخيار والأجود، ولما أنعم الله علي هذه الأمة بنعمة الوسطية فكانت خير الأمم، خصها سبحانه وتعالي بأكمل الشرائع وأوضح المناهج وأيسر التكاليف وأوضحها، كما قال سبحانه: »هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس«. وفيما رواه الإمام أحمد -بسنده- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »يدعي نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعي قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، قال: فذلك قوله: »وكذلك جعلناكم أمة وسطا« قال: والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم«. وفيما رواه الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعي قومه فيقال: هل بلغكم هذا، فيقولون: لا فيقال له هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فقال من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فيدعي محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا ان الرسل قد بلغوا فذلك قوله عز وجل: »وكذلك جعلناكم أمة وسطا«. والآية الكريمة تشير إلي ان الله تعالي حين حول القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة المشرفة قبلة إبراهيم عليه السلام واختارها لهم ليجعلهم خيار الأمم، ليكونوا يوم القيامة شهداء علي الأمم، لان الجميع معترفون لهذه الأمة بالفضل. وواضح ان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« لما هاجر إلي المدينة، وكان أكثر أهل المدينة اليهود، فأمره الله ان يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله »صلي الله عليه وسلم« بضعة عشر شهرا، وكان يحب قبلة ابراهيم، فكان يتوجه بالدعاء إلي ربه سبحانه وتعالي وينظر إلي السماء فانزل الله تعالي قوله: »قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين أوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون« (سورة البقرة 441). وكان عليه الصلاة والسلام قبل هجرته قد أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلي المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره الله بالتوجه إلي بيت المقدس. وكان الأمر باتجاهه إلي بيت المقدس من الله تعالي، وكان التحويل الي الكعبة من الله ووافق رغبة رسول الله »صلي الله عليه وسلم«، فقد شرع الله التوجه إلي بيت المقدس ثم شرع التحول إلي الكعبة، ليظهر من يتبع الرسول »صلي الله عليه وسلم« ممن ينقلب علي عقبيه، قال تعالي: »وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه وان كانت لكبيرة إلا علي الذين هدي الله« (سورة البقرة 341). عن البراء رضي الله عنه ان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« صلي إلي بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه ان تكون قبلته قبل البيت وانه صلي أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلي معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلي معه، فمر علي أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي »صلي الله عليه وسلم« قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي قد مات علي القبلة قبل ان تحول قبل البيت رجالا قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: »وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرءوف رحيم«. وسطية المكان والكعبة المشرفة التي هي قبلة المسلمين، هي في البقعة المباركة والمكان الوسط، فهي في وسط الكوكب الأرضي، تتوسط دنيا الناس شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. وهكذا اختار الله تعالي مكان رسالته، وموقع قبلة الصلاة، ومهبط الوحي، هذا المكان الوسط، الذي يتسق مع وسطية الدعوة السمحة ويتناسب مع الرسالة العامة الخالدة، لترسل أشعة النور والهداية الي من حولها من جميع بقاع العالم. وهكذا اقتضت الحكمة الربانية، ان يكون المكان وسطا في جغرافية الارض، لتتمكن الدعوة ان تنتشر في ربوع الأرض، وتؤدي أمة الاسلام أمانة التبليغ التي حملها الله تعالي اياها، حيث نزل الوحي -قرآنا وسنة- بلسان عربي مبين، وفي أمة عربية، وفي مكان وسط من العالم، كل هذا يؤكد وجوب تبليغ الامانة التي كلف الله تعالي هذه الأمة بها، وشرفها بانزال الوحي علي أرضها وارسال رسول من أنفسهم، وقيام القبلة -الكعبة المشرفة- في هذا المكان الطاهر والحرم الآمن في قلب العالم.. وهكذا تتكشف حقيقة نزول الوحي الالهي في البلد الحرام، والقبلة المشرفة داخل المسجد الحرام، فمكةالمكرمة هي مركز الكرة الأرضية ووسط العالم بأسره.