ونستكمل معا مقال الوسطية في الاسلام بقول الله تعالي: »وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس« يحدد لهذه الأمة دورها في النهوض بالبشرية ورسالتها في قيادة القافلة الإنسانية، فبذلك تتبوأ مكانتها كخير أمة اخرجت للناس، شاء الله لها ان تكون أمينة علي رسالة السماء وشاهدة علي الناس. وحين تتخلي عن هذه الرسالة، أو تخل بواجبها تكون قد حرمت نفسها من خيريتها، ومن كونها الأمة الوسط، وفقدت كيانها المعنوي ودورها الريادي بين الأمم. ويستوجب القرآن علي هذه الأمة عبادة الله، والجهاد في سبيل الله حق جهاده، لانه اختارهم واصطفاهم علي سائر الأمم، وكلفهم بشريعة لا حرج فيها ولا مشقة، ولا ضيق ولا عسر، انها الحنيفية السمحة ملة إبراهيم عليه السلام، وقد سماهم الله المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة، وفي هذا أي القرآن قال تعالي: »يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير« (سورة الحج 77، 87). أي ان الله تعالي جعل هذه الأمة وسطا عدولا وخيارا، ليكونوا شهداء علي الناس وعلي جميع الأمم، لان جميع الأمم معترفة بفضل هذه الأمة علي كل أمة سواها، ولذلك تقبل شهادتهم عليهم القيامة في ان كل رسول بلغ قومه، ويشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي هذه الأمة انه بلغها ذلك. وفي مقابل هذه المنزلة التي بوأها الله تعالي لهذه الأمة، وفي مقابل النعمة علي الأمة ان تقوم بشكر ربها سبحانه وتعالي، وما أوجبه الله عليها من عبادة وطاعة ومن أهمها الصلاة والزكاة، وعليهم ان يعتصموا بالله وان يعتصموا به ويتوكلوا عليه.. »فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير«. وسطية الزمان: لم تأت رسالة الإسلام الخاتمة في أول تاريخ البشرية ولا في آخره بل جاءت في الوسط لتكون مصدقة ومهيمنة وحارسة لما جاءت به الرسالات السماوية السالفة. وسطية العقيدة: ووسطية العقيدة تعني انها عقيدة عادلة خيرة، يؤمن العباد فيها بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا ايمانا لا تمثيل فيه ولا تعطيل، لان الله تعالي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ويؤمن العباد بالرسول صلوات الله وسلامه عليه وسلم بانه رسول الله وانه بلغ الرسالة وأدي الأمانة وهدي الأمة وأخرج الناس من الظلمات إلي النور ويؤمنون بانه ليس في درجة فوق النبوة والرسالة كما يزعم بعض الضالين في أنبيائهم أنهم وصلوا إلي درجة الالوهية وليس في درجة سائر البشر فهو بشر ولكنه يوحي إليه ومرسل من ربه ولذا ورد عنه صلوات الله وسلامه النهي عن الغلو في اطرائه حيث قال: »لا تطروني كما أطرت النصاري ابن مريم انما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله« ويؤمنون انه خاتم الانبياء والمرسلين. وكما تتجلي وسطية العقيدة في عدم التمثيل والتعطيل في الصفات فانها تتجلي ايضا في الايمان بالقدر، فنري أهل السُنة يرفضون رأي الجبرية، الذين يقولون ان الإنسان مجبور علي عمله، كما يرفضون رأي القدرية الذين يقولون بانكار القدر، ووقف أهل السنة والجماعة موقفا وسطا، فيثبتون ان الله خالق كل شيء، وانه ما يشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ويؤمنون أيضا بان للعباد قدرة واختيارا، أي انهم يقفون موقفا وسطا بين الذين ينفون اختيار العبد والذين ينفون القدر، فيؤمنون بان الله علي كل شيء قدير، وانه لا يكون في ملكه الا ما يريد، ويؤمنون بان للعبد قدرة واختيارا. وسطية العبادة: وجاءت عبادات الاسلام ميسرة ووسطا فلا هي صعبة يشق علي العباد ان يأتوا بها، ولا هي بسيطة جدا بحيث لا تترك في النفس كبير اثر، وانما جاءت وسطا »لا يكلف الله نفسا إلا وسعها« (سورة البقرة 682). فما كلف الله تعالي عباده الا بما كان في استطاعتهم ان يفعلوه، قال تعالي: »فاتقوا الله ما استطعتم« (سورة التغابن 61). فالصلاة لم يفرضها الله في كل ساعة، ولم تكن ركعاتها كثيرة وشاقة ولم تكن أيضا قليلة أو في وقت واحد أو اثنين فحسب، بل كانت وسطا تجمع بين الليل والنهار وهي خمس صلوات في اليوم والليلة. والصوم لم يكن للعام ولا لعدة شهور، ولكن فرض الله تعالي صيام شهر واحد في السنة كلها وهو شهر رمضان ولم يكن صوم اليوم شاملا لليلته بل كان الصوم من الفجر إلي غروب الشمس.