جامعة حلوان: خدمات تعليمية وصحية ونفسية متكاملة لتحسين تجربة الطالب الجامعية    جامعة الفيوم تستضيف وفد طلاب الجامعات العربية    اليوم.. "النواب" يستأنف عقد جلساته العامة    بدء التخصيص الإلكتروني لشقق مشروع ديارنا 2025: التفاصيل الكاملة للمستفيدين    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    البرازيل ونيجيريا تبحثان التعاون الاقتصادي وتفعيل آلية الحوار الاستراتيجي    استشهاد 13 فلسطينيا في قصف إسرائيلي استهدف منازل ومراكز إيواء في غزة    معلق مباراة تشيلسي وفلومينينسي في نصف نهائي كأس العالم للأندية    4 وفيات و25 مصابا في حريق سنترال رمسيس    بعد موافقة البرلمان| التعليم تعلن تفاصيل تطبيق نظام البكالوريا الجديد    الأرصاد تحذر: طقس شديد الحرارة واضطراب في الملاحة حتى الأحد المقبل    انسيابية مرورية بالقاهرة والجيزة مع ظهور كثافات متفرقة ببعض المحاور    بيونسيه وذا ويكند في مفاوضات لأغنية كأس العالم 2026 وشاكيرا وريهانا مرشحتان لعرض استعراضي ضخم    "بحبك يا صاحبي".. محمد سامي يوجه رسالة ل أحمد السقا    مسيرة إسرائيلية تقصف فلسطينيين في دير البلح    رغم غيابه عن الجنازة، وعد كريستيانو رونالدو لزوجة ديوجو جوتا    أسماء 39 مصابا في حريق سنترال رمسيس (صور)    احمي نفسك وأنقذ غيرك، هيئة الدواء تطالب بهذا الإجراء فورا حالة ظهور أي آثار جانبية للأدوية    التأمين الصحي ببني سويف يبدأ تنفيذ خطة محكمة لتنظيم الكشف الطبي للطلاب    ماذا قدم تشيلسي أمام الأندية البرازيلية قبل مواجهة فلومينينسي؟    هشام يكن: جون إدوارد و عبد الناصر محمد مش هينجحوا مع الزمالك    وسط صراع ثلاثي.. الأهلي يحدد مهلة لحسم موقف وسام أبوعلي    فرمان حاسم من ريبيرو بشأن رحيل رباعي الأهلي.. سيف زاهر يكشف    سبب تأخر انضمام صفقتي الزمالك للتدريبات.. الغندور يكشف    اتحاد بنوك مصر: البنوك ستعمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء رغم التأثر بحريق سنترال رمسيس    رسميا بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    من البيت.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (الرسوم والأوراق المطلوبة)    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم صناعي 3 سنوات    رئيس شعبة الدواجن: سعر البيض للمستهلك يجب ألا يتجاوز 120 جنيها    فريد البياضي: هل يُعقل أن يشلّ حريقٌ في سنترال واحد الدولة؟ أطالب بمحاسبة المقصرين في تأمين منشآت الاتصالات    آخر تطورات حريق سنترال رمسيس فى تغطية خاصة لليوم السابع (فيديو)    بعد حريق سنترال رمسيس.. «إسعاف المنوفية» ينشر أرقام الهواتف الأرضية والمحمولة البديلة ل 123    ترامب: إيران لن تصبح دولة نووية.. وآمل أن تكون الحرب مع إسرائيل قد انتهت    طلب إحاطة عاجل بسبب توقف خدمات الاتصالات والإنترنت والمصارف عقب حريق سنترال رمسيس    وفاء عامر تتصدر تريند جوجل بعد تعليقها على صور عادل إمام وعبلة كامل: "المحبة الحقيقية لا تُشترى"    «غفران» تكشف التفاصيل.. كيف استعدت سلوى محمد على لدور أم مسعد ب«فات الميعاد»؟    شعبة المخابز تحذر من احتمالية تعطل شبكة صرف الخبز بعد حريق سنترال رمسيس    «معايا هيبقى حاجة تانية».. عبد الواحد السيد: جوميز طلب بيع زيزو والتعاقد مع نجم سيراميكا    نتنياهو: إيران كانت تدير سوريا والآن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام    ترامب: حماس تريد وقف إطلاق النار فى غزة ولا أعتقد وجود عراقيل    5 وظائف جديدة في البنك المركزي .. التفاصيل والشروط وآخر موعد ورابط التقديم    ترامب في لقاء نتنياهو: حماس تريد التفاوض لوقف إطلاق النار والأمور تسير بشكل جيد    التعليم العالي يوافق على إنشاء جامعة العريش التكنولوجية.. التفاصيل الكاملة    انتقاد يمس كبريائك.. حظ برج العقرب اليوم 8 يوليو    انطلاق فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب في دورته ال 20.. المعرض بمشاركة 79 دار نشر مصرية وعربية.. 215 فعالية ثقافية على هامش المهرجان ل 800 محضر.. خصومات تصل إلى 30%.. فيديو وصور    مفاجآت غير سارة في العمل.. حظ برج الدلو اليوم 8 يوليو    جمال عبد الحميد: دخلت السينما وسط تهافت المنتجين.. واعتزلت فجأة بعد خطبة جمعة    على خلفية حريق سنترال رمسيس.. غرفة عمليات ب «صحة قنا» لمتابعة تداعيات انقطاع شبكات الاتصالات    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. الكرملين ردا على ترامب: التعاون داخل البريكس ليس موجها ضد أطراف ثالثة.. إيران: طهران قادرة على إطلاق الصواريخ لعامين بلا توقف.. إسرائيل تجري مناورات بالجولان    أهم طرق علاج دوالي الساقين في المنزل    الدكتورة لمياء عبد القادر مديرًا لمستشفى 6 أكتوبر المركزي (تفاصيل)    لعلاج الألم وتخفيف الالتهاب.. أهم الأطعمة المفيدة لمرضى التهاب المفاصل    عاجل- المصرية للاتصالات تخرج عن صمتها: حريق سنترال رمسيس فصل الخدمة عن الملايين.. وقطع الكهرباء كان ضروريًا    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيم وأخلاق... لنهضة الأمة
نشر في مصر الجديدة يوم 06 - 12 - 2012


رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
الإسلام دين الله ودين جميع الأنبياء والرسل كان وما زال وسيظل هو المنقذ الحقيقي للبشرية مما تعانيه من تحديات عظيمة تتعرض لها عبر السنين، ومن أهم ركائز الإسلام العملية لتحقيق نهضته الواقعية كانت منظومة القيم والأخلاق التي رسَّخها في النفوس، فتحركت الجوارح ونطقت الأعمال وتحققت الآمال العظيمة التي كانت تُعَدُّ دربًا من الخيال.
وتجسَّدت تلك المبادئ بصورة عملية في تربية المصطفى صلى الله عليه وسلم لأصحابه -رضوان الله عليهم جميعًا- على غرس تلك الأخلاق في نفوس أصحابه ففتحوا بها الدنيا، وكانوا مُثلاً عُلْيا تسير على الأرض، وقد عبَّر عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: "إنَّما بُعِثْتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ".
كما نجد أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد أكَّدا مرارًا على ضرورة أن يكون هناك فعل تطبيقي يرافق الإيمان والمعتقد، ويطبق هذا الإيمان في واقع حال الإنسان، وهذا ما عبَّر عنه بوضوح ما ورد في الأثر "الإيمانُ هُوَ مَا وَقَرَ في القلبِ، وصَدَّقَه العَملُ".
وقد عرَّف بعض العلماء الأخلاق بأنَّها: "مجموعةٌ من المكارم والسلوكيات المعبرة عنها تحيا بها الأُمَمُ كما يحيا الجسم بأجهِزَتِه وغُدَدِه". ومن هنا فإن بناء النهضة الحقيقية للأمة لا بد أن تقوم على دعائم أخلاقية حقيقية كما أمرنا الإسلام الحنيف، فبناء النهضة على أسس مادية بحتة يُقوِّضها ولا يقوِّيها ويحمل عوامل الهدم في جنباته، وفي التاريخ القديم والحديث ما يثبت ذلك بالدليل والبرهان .
ولا يخفى علينا أن ما تحياه أمتنا العربية والإسلامية الآن من تحديات وصراعات ومشكلات تحتاج منا لوقفة حقيقية للعودة لجادة الصواب؛ لإعادة بناء ما أفسدته النظم الاستبدادية على مرِّ السنين، وفق المنهج النبوي الكريم.
الحُرِّيَّة
لقد كفل الإسلام الحرية بكل معانيها منذ يومه الأول، فالأحرار هم من يبنون الحضارات ، فلقد حرَّر الإسلام العقول والنفوس قبل تحريره للأبدان، فانطلقت الطاقات الكامنة في النفوس نحو البناء والنهضة الحقيقية.
لقد خلق الله سبحانه الإنسان حرًّا وهذا هو الأصل، وهو ما عبر عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!"، ولقد كان هذا مع خلق الإنسان قبل البلوغ والتكليف ليكون الاختيار بعد الحرية وليس قبلها، كما أعطى الإنسان إرادة ومشيئة واختيارًا ليحاسب عليهم بعد ذلك .
جاء الإسلام فأقرَّ أهم الحريات التي يبحث عنها البشر في زمن كان الناس فيه مستعبدين: فكريًّا، وسياسيًّا، واجتماعيًّا، ودينيًّا، واقتصاديًّا، جاء فأقر الحرية: حرية الاعتقاد، وحرية الفكر، وحرية القول، والنقد. فأقرَّ حرية الاعتقاد، فلم يكن أبدًا يُكْرِهَ الناس على اعتناقه، أو اعتناق سواه من الأديان، وأعلن في ذلك قول الله عز وجل: (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99).
وكفل الإسلام حرية التفكير، وحرية العلم، وحرية الرأي والقول والنقد، حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لأتباع الرسالات السماوية ، فسمحت هذه الحريات بقيام النهضات الحقيقية. كما أقرَّ الإسلام حرية التصرف بما لا يؤذي أحدًا، وفق القاعدة العامة في الإسلام: (لا ضَرَر ولا ضِرَار)، فأي حرية ترتَّب عليها ضرر لنفسك، أو ضرار لغيرك، يجب أن تُمنع، ويجب أن تقيد في هذه الحالة فإن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية غيرك ، ليسود الوئام لنتفرغ لبناء الأمجاد الحقيقية.
الوحدة
فقوتنا في وحدتنا وتماسكنا وضعفنا في تفرقنا وتشرذمنا (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا). وإن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله عز وجل: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَ0تَّقُونِ).
ولله در القائل :
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
فعلينا بالاتحاد والتماسك لبناء أوطاننا ولنغلب المصالح العليا على المصالح الشخصية لإعادة بناء ما أفسده الطغاة، وهدمناه بفضل الله، فتفرقنا واختلافنا وتشرذمنا لا يخدم سوى أعداء الأمة ولنتمثل قوله تعالى (وَأَطِيعُواْ 0للَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ0صْبِرُواْ إِنَّ 0للَّهَ مَعَ 0لصَّٰبِرِينَ) (الأنفال : 46)
آداب الحوار
إن الغاية من الحوار هي الوصولُ إلى الحق وليس الانتصار للرأي، فالحق هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة, وليس الانتصار للرأي ومغالبة الخصوم. ومن الأقوال المشهورة عن الإمام الشافعي –رحمه الله– قوله: "ما ناظرت أحداً إلا لم أُبالِ: بيَّن الله الحق على لساني, أو لسانه".
فإساءة الحوار وعدم المجادلة بالتي هي أحسن تُوغِر الصدور وتفرِّق القلوب وتشتت الطاقات والجهود، فمتى ظهر للمحاور صحةُ قول خصمه, وقوةُ دليله, فيجبُ عليه أن ينقاد للحقِّ ويقبلَ به, ويُقرّ لخصمه بذلك, بل ويشكره على ما بيَّن له من الحق الذي يجب اتباعه, والباطل الذي يجب اجتنابه، لا أن يتعصب لرأيه ويتعصب برأيه وينتصر له وإن كان خطأ، والله عز وجل يحذرنا (وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء : 53) أي أننا إن لم نقل التي هي أحسن فإن الشيطان سينزغ بيننا حتما .
فقه الاختلاف
يُقرِّر القرآن مشروعية الاختلاف وكذلك جدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود: 118)، فالآية تقرِّر أن مشيئة الله تعالى اقتضت أن يخلق الناس مختلفين، فيجب علينا أن نجعل من الاختلاف نقطة بناء لا مِعْوَل هدم، وأن نجعله اختلاف تنوُّع يُثْرِي الرؤى والأطروحات لا اختلاف تضادَّ يُشتِّت الجهود والطاقات.
وعلينا احترام الآخر وعدم إساءة الظن به وعدم غيبته وعدم تصيُّد أخطائه، والتعامل معه بموضوعية وإنصاف، وضرورة قبوله والتعامل الجاد والحقيقي معه، فبلادنا تحتاج منا لكل الجهود لبناء ما تهدَّم منها، فكيف سنَبْنِيها وجهودنا مشتَّتة وقلوبنا متفرقة وكل منا يبحث لأخيه عن مزلَّة أو عيب لينْقَضَّ عليه، وليضع كل منا نفسه مكان أخيه لأنه لا يكمل إيمانه إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه .
العدل
يُعَدُّ العدل من أهم المبادئ الإسلامية التي تقوم عليها النهضة وتتقدم بها الأمم وتحقق بها سعادة الفرد والجماعة (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ وإيتَاءِ ذِي القُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90). يقول ابن قيم الجوزية: (إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثَمَّ شرعُ الله ودينه) والعدل مع المؤيدين والمعارضين (ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة : 8)
والأمة مكلفة بتحقيق العدل في الأرض وأن تبني حياتها كلها على أصول وقواعد العدل حتى تستطيع أن تحيا حياة حرة كريمة، ويحظى كل فرد في ظِلِّها بحريته؛ ليبدع وينتج وينشر الخير بين الناس.
احترام الإرادة الشعبية
لقد أنهت ثورات الربيع العربي عهود الاستعباد والاستبداد للبلاد والعباد، ونهب ثرواتها، وتزييف إرادتها وانتهى عصر (مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى ومَا أَهْدِيكُمْ إلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 29)، وأصبحت الكلمة العليا للشعوب، التي أصبحت سيدة قرارها.
ولقد رسم إمامنا الشهيد حسَن البَنَّا – يرحمه الله - حدود لمكونات النهضة ورفعة الشعوب؛ حيث يقول: "إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ.. تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ولا خور، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلوُّن ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يَحُول دونها طمع ولا بُخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره".
لقد رَوَت دماء الشهداء بذور الإرادة الشعبية، فنَمَت شجرة الحرية، وأصبحت عصيةً على الاقتلاع أو الالتفاف عليها أو محاولة الخداع بغيرها، فعلينا جميعًا ألا نستهين بإرادة شعوبنا، وأن ننصاع لها، وأن نتحرك في إطارها، وألا يحاول أي فصيل -مهما اعتقد في نفسه القدرة على مجابهة الشعوب- أن يسبَحَ عكس التيار بمحاولة الالتفاف عليها.
ولنتنافس جميعًا في كيفية النهوض ببلادنا وتقديم البرامج النافعة، ونتعاون جميعًا في تقدُّمها ورُقيِّها تنافسًا شريفًا، بعيدًا عن التناحر المذموم الذي يوغر الصدور ويعيق التقدم، ولنُري الله تعالى ثم شعوبنا من أنفسنا خيرًا في بيان حُبِّنا العملي لها من خلال الخطوات العملية نحو نهضة حقيقية تُعِيدُنا لمكانتنا المستحقَّة بين الأمم، وقد توافقت جميع الشعوب في كل أنحاء العالم أن تبادل السلطة في الديمقراطية لابد أن يكون عبر الصناديق فمن يدعي غير ذلك يناقض نفسه .
إن إرادة الشعوب هي الغالبة، وهي الأبقى والأقوى بإذن الله عز وجل، فوق كل قوة أو سلطة، فعلى الجميع احترامها وعدم الاستهانة بها لنتقدم ببلادنا نحو الأمام، ولنزيل عنها عناء عشرات السنين من القهر والذلِّ والحرمان.
الحذر من الشائعات
الحذر الحذر من الشائعات، فهي سلاح فتَّاك يستخدمه الأعداء للنيل من خصومهم، وكان يستخدم قديمًا في الحروب، وبكل أسف يُسْتخدم الآن من بعض المتنافسين سياسيًّا من بعضهم البعض دون إدراك لخطورة الأمر ومردوده السيئ على مسيرة الوطن والمواطن. وتناسى هؤلاء قول ربِّ العزة عز وجل: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق: 18)، وقوله "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" (الإسراء: 36).
إن بعض وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، قد جانبها الصواب، فساعدت على إثارة البلبلة والتشكيك والنيل من بعض الشخصيات والهيئات، فنشرت الإشاعات والأخبار المكذوبة، والتحاليل المغلوطة، وتعاملت معها على أنها حقيقة مطلقة؛ مما ساعد على تزكية حالة الاحتقان الشديد الذي تحياه أمتنا الآن.
إن الشائعات تهدم ولا تبني ولا يمكن لأمة ناهضة أن تبني قواعد مجدها على دعائم وأسس الشائعات، وليكن منهجنا قول الله عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات: 6)، فلنحذر من الشائعات وخطورة نشرها أو المساهمة في نشرها (كفى بالمرءِ كَذِبًا أن يُحدِّثَ بكل ما سَمِع).
أيها المسلمون.. أيها الناس أجمعون..
إن أمتنا الآن في مرحلة نهضة وتحتاج منا جميعًا لتضافر الجهود وتوحيد القوى؛ فلنتحرك جميعًا في اتجاه واحد نحو بناء بلادنا ونهضتها ووحدتها، ولنحرص عليها وعلى أهلها، ولنتسابق في الخيرات لتتحقيق التقدم الحقيقي لها، وهذا لن يتحقق إلا بالتحلي بمنظومة الأخلاق والقيم التي أرساها الإسلام في النفوس والتي تُعتبر المنقذ للبشرية كلها حال تطبيقها ذوات نفوسنا وفي واقع حياتنا.
(وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
والله أكبر ولله الحمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.