مجلس جامعة أسيوط يعقد اجتماعه الشهري برئاسة المنشاوي    سعر الذهب اليوم في مصر بنهاية تعاملات الأربعاء    أخبار مصر.. بكين ترحب بطلب مصر استضافة قمة عربية صينية    الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات في 3 بحار    الترسانة يتقدم على المقاولون العرب بهدف كيشو بالشوط الأول بكأس مصر    بسبب زجاجة مياه.. إحالة أوراق سائق متهم بقتل زميله في شبرا الخيمة للمفتي    أعمل بمكة المكرمة ونويت أداء العمرة والحج فمن أين أُحرم؟.. البحوث الإسلامية يوضح    البابا تواضروس يستقبل وفدا وزاريا فلسطينيا في المقر الباباوى    محافظ شمال سيناء يستقبل مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية    السويد تتعهد بأكبر حزمة مساعدات عسكرية تقدمها لأوكرانيا    زعماء المعارضة الإسرائيلية يتفقون على خطوات لتبديل حكومة «نتنياهو»    رئيس جامعة المنيا يوجه بتوفير متطلبات معامل الكليات    انطلاق الدورة ال22 من معرض «صنع في دمياط».. غدًا    حبس المتهم بقتل ابن عمه بسبب خلافات بينهما ببولاق الدكرور    حبس البلوجر هدير عبد الرازق 15 يوما لنشرها فيديوهات مخلة    8 أفلام مصرية وعربية تشارك في اليوبيل الذهبي لمهرجان «جمعية الفيلم»    جامعة عين شمس تحصد 6 جوائز تقديرية وتشجيعية من الأعلى للثقافة    رئيس الوزراء: قيمة الدعم النقدي قد تكون أعلى من العيني    محافظ أسيوط يترأس اجتماع اتخاذ التدابير الوقائية لمنع انتشار الأمراض المعدية    الشرقية.. إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية المنشر ضمن مبادرة حياة كريمة    وزير الصحة يلتقي نظيره التركي لبحث تعزيز سبل التعاون في المجال الطبي    «الصحة» توضح 3 مضاعفات صحية ناتجة عن الولادة القيصرية    تأجيل إعادة محاكمة متهم بقضية اغتيال اللواء نبيل فراج لجلسة 29 يونيه    الصين تصدر تقريرا يدين تزايد انتهاكات حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يحقق إيرادات 57 مليون جنيه بدور العرض    ب«كتب مجانية وخصومات تصل ل50%».. انطلاق فعاليات معرض الشلاتين الأول للكتاب    التضامن تعلن انطلاق أولى رحلات حجاج الجمعيات الأهلية اليوم (فيديو)    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية رشوة آثار إمبابة ل22 سبتمبر المقبل    مساعد وزيرة الهجرة يستعرض جهود الوزارة في ملف دعم المصريين بالخارج    أماكن مراجعات حياة كريمة للثانوية العامة في قنا.. تشمل دعما نفسيا    رئيس قطاع الآثار الإسلامية يعلن اكتشافات أثرية بجامع المادراني    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الثالث ل«الروماتيزم والمناعة» بالمجمع الطبي بالإسكندرية    الصفقة الجديدة وموهبة «عمر» تبخر أحلام «الدبيس» فى الأهلي    مواعيد وأماكن لجان قبول اعتذارات الثانوية العامة 2024 في المنوفية    حمزة نمرة يدعم أهل فلسطين: «ارفع البلاء يارب»    الحكومة توافق على إقامة منطقة استثمارية باسم «الأهلي كابيتال» في الجيزة    "يرمي الكرة في ملعب ريال مدريد".. باريس يحتجز مستحقات مبابي    228 طالبا ب"صيدلة الإسماعيلية الأهلية" يؤدون اختبار "مدخل إلى علم الجودة" إلكترونيا (صور)    اتهام كوريا الشمالية بإرسال بالونات تحتوي على قاذورات وفضلات عبر حدودها مع كوريا الجنوبية    مهدد بالإيقاف 4 سنوات.. محامي رمضان صبحي يكشف مفاجأة    دياب: نحتاج 4 مواسم لضبط مواعيد الدوري المصري مع العالم    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس للعام الدراسى المقبل.. تعرف على الأوراق المطلوبة    ميناء دمياط يستقبل 42610 أطنان بضائع على متن 14 سفينة    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    محافظ قنا يتففد سير العمل بمشروع تطوير كورنيش النيل بمدينة قنا    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    التذاكر ب 12 ألف جنيه، كل ما تريد معرفته عن حفلات شيرين عبد الوهاب المقبلة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    ورش تدريب على ضوابط ترخيص البيوت الصغيرة لرعاية الأطفال في الدقهلية    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    معلومات الوزراء: السيارات الكهربائية تحدث تحولا جذريا بقطاع النقل    موعد مباراة العين والوصل في الدوري الإماراتي والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    المدير التنفيذي للأهلي: الخطيب لم ينفذ البرنامج الطبي الخاصة به بسبب نهائي إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحدة الأمة.. سر قوتها
نشر في مصر الجديدة يوم 07 - 06 - 2012


فضيلة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون"
رسالة من: أ. د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على إمامنا وقدوتنا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
فما تمر به الأمة الآن من تحديات جسام تهدد مكتسباتها بل ومستقبلها ومستقبل أجيالها لعشرات السنين؛ يوجب علينا أن نتوقف لمراجعة أنفسنا جميعًا لتصحيح المسار ومواجهة هذه التحديات والانتصار لإرادة الشعوب وإعلاء قدرها وقيمتها.
تحديات كبرى
ولعل من أهم وأبرز تلك التحديات محاولة زبانية النظم الفاسدة السابقة العودة إلى مسرح الأحداث من جديد، منفقةً الملايين من مالها المكتسب بطرق يعرفها القاصي والداني، من تربُّح بطرق غير شرعية أو نهب منظَّم لمقدَّرات الشعب الكادحة.
إن محاولة البعض إعادة إنتاج النظم السابقة هو محاولة يائسة وحلاوة روح لمن يشعر أنه يدخل معركته الخاسرة الأخيرة، فيدفع بكل ما يملك ليحافظ على ما نهبه أو استولى عليه أو تربَّح منه، وهو يعلم أن الشعب بعمومه يرفضه تمامًا، ولكنه يقاوم ويبذل ليحافظ على وجوده ووجود الجوِّ الفاسد والموبوء الذي تربَّى فيه وترعرع؛ ولم يمارس غيره ولا يعرف حتى كيف يمارس غيره؛ ففي مثل هذه الأجواء يجد نفسه ويحقق مكاسبه.
وفات على هؤلاء أن الشعوب أوعى وأذكى من أن تُخدع أو تُشترى بعرض زائل، فقد عرفت الشعوب طريقها للحرية وذاقت حلاوتها واستردَّت كرامتها بعد عهود من الذل والهوان على يدهم ويد أسيادهم؛ قادة النظم المخلوعة السابقة.
ونحن إذ نرى تكاتف أهل الفساد والظلم والطغيان ومحاولتهم لمّ شملهم لاستعادة أدوارهم السابقة.. يجب علينا جميعًا كمواطنين شرفاء ثُرنا ضد الظلم والطغيان وارتقى منا شهداء أبرار وسالت دماء طاهرة أن نتوحَّد ونتكاتف ونتعاون لمواجهة هذه الطغمة الفاسدة ومجابهتها؛ حيث تحاول بكل قوة وشراسة إعادة استنساخ نُظم سقطت بإرادة الشعوب الحرة الأبية.
إن القضية الآن ليست قضية فصيل أو حزب أو جماعة أو نتيجة انتخابات، ولكنها قضية وطن ومستقبل أمة وأمل ثورة؛ فلن نستطيع مواجهة تلك التهديدات الحثيثة والمتواصلة من المنتفعين من النظم السابقة إلا بوحدتنا وتماسكنا وترابطنا، وليكن اعتصامنا بحبل الله ووحدتنا هو شعار المرحلة لنعبر ببلادنا وأمتنا نحو المستقبل المنشود (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103).
إن المرحلة الحالية التي تحياها أمتنا لا تحتاج الترف الفكري والسجالات العقيمة ولا إلى اجترار الماضي واستحضار أخطاء كل فصيل للتشفِّي والانتصار للرؤى الشخصية، ولكنها تحتاج للدراسة واستخراج العبر والدروس المستفادة والانطلاق نحو المستقبل بأطروحات عملية توحد ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تشحذ الهمم ولا تثبط، تعلي الصالح العام لا المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.. (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال).
إن مساحة التوافق بين كل القوى والتيارات السياسية والفكرية كبيرة وكبيرة جدًّا، ولا ينبغي في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ أمتنا أن نترك المتفق عليه ونبحث عن المختلف فيه ونعظِّمه ونعطِّل به المسيرة.. لِنعِ جميعًا أننا أمام مخاطر حقيقية لسرقة ثورتنا وإضاعة مكتسباتنا وتهديد حقيقي لمستقبل أبنائنا؛ فإن لم نتوحد الآن فمتى نتوحد، وإن لم نتكاتف الآن فمتى إذن؟!
إن الثورة مهددة ومصر الحرة مهددة والذي يتهددها عدوٌّ للجميع ولا بد أن نتكاتف ضده فهو يريد سرقة كل سكان واتحاد ملاك مصر، بل وحرق المبنى بمن فيه، فهل نفيق وندرك الخطر.
فالفشل قرين التنازع، والتنازع يصنع الإخفاق، وتكاتف القوى الثورية واتحادها يقطع الطريق على أتباع النظم الفاسدة التي تترنَّح من استرداد قوتها مرةً أخرى أو محاولة الإجهاز على البقية الباقية في الثورة.
فالعلاقة الطبيعية بين من يحملون مسئولية نهضة الأمة هي المشاركة الجادَّة في بناء صرح جديد من التفاهم والتشاور والوفاق والتعاون، لا يعرف الشقاق أو الافتراق أو التخاصم، ومن ثمَّ فهو بعيد عن الفشل والوهن والاستكانة والضعف في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والرياضية والفنية، وغيرها من مجالات نهضة الأمة.
الوحدة في الإسلام
لقد اهتمَّ الإسلام بالوحدة وجعلها من أهم مقاصده ومن أولى الأسس التي تقام عليها نهضات الأمم ورقيها وقيامها بدورها الرسالي، ونحن في أمسِّ الحاجة إليها الآن، لا سيما في واقعنا المعاصر؛ لانتشال الأمة من وهدتها، وإنقاذها من أزمتها، في محاولة للمِّ الشمل، ورأب الصدع، وإعادة الأمة إلى وحدتها وقوتها، ولقد ورد موضوع الوحدة كثيرًا في القرآن الكريم، سواء كان ذلك نصًّا بالاسم أم بالمعنى.
فقد شرع لها الإسلام ما يوجدها ويوجبها ويزكِّيها، وحدَّد لها ما يقويها، وبيَّن لها ما يتعهَّدها وينمِّيها، كما حرَّم كل شيء يأتي عليها أو ينقضها أو يوهنها أو يضعفها، أو يعمل على أن تتنكَّب الأمة صراط القوة، وطريق العزة، وسبيل الوحدة.
فقد أمرنا الله في القرآن أمرًا صريحًا أن نتحد، وكما يقول الأصوليون فالأمر يفيد الوجوب: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، كما نهانا عن الفرقة بوضوح وجلاء كما في قوله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46)، وقال: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ)، بل جعل القرآن الوحدة صنو الإيمان، والفرقة أخت الكفر في قوله تعالى (يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) قال المفسرون: بعد وحدتكم متفرقين.
من أسباب الخلاف
ولقد وردت في القرآن الكريم آيات عديدة توضح أسباب التنكُّب عن طريق الوحدة، والوقوع في براثن الفرقة والخلاف لنحذرها ونتجنبها، ومنها:
· نزغ الشيطان واتباعه.. (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (الإسراء: 53).
· الجدال بغير علم.. لأنه يبثُّ التعصب، ويزرع للكراهية والبغضاء.. (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) (الحج: 8)، (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء: 36).
· التنازع والشقاق.. (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46).
· إثارة الخصم.. لأنها تؤدي إلى الكبر والعناد، وتهدد المجتمع بأمراض اجتماعية خطيرة.. قال تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 108).
من أسباب الوحدة
لقد رسم لنا القرآن الكريم معالم الوحدة وبين الطريق إليها، بصورة واضحة وجلية؛ لتيسر الأمر لنا بحسن اتباعها والسير عليها، ومنها:
· طاعة الله ورسوله: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (النور: 54)، ولا شك أن من معاني الهدايةِ: الهداية إلى طريق الوحدة والتمسك بها، وقال سبحانه: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور: 51).
· التحاكم إلى القرآن والسنة: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59)، وقال: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (الشورى: 10)؛ لأن التحاكم إلى الحكم العدل يعصم من الديل وهو حكم الهوى، أو التحاكم إلى الموازين والأعراف الباطلة الظالمة؛ لذا كان تحذير رب العزة لنبيه داود الذي أعطاه الحكم والنبوة (يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص: 26).
· الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125)، وقال: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) (البقرة: 269)، فمن الدعوة بالحكمة تقدير الأمور تقديرًا حسنًا، فيراعى فقه الأولويات، والموعظة الحسنة لترقيق القلوب، فالحكمة للعقل والموعظة للقلب، وهذا من شأنه أن يحقق الوحدة.
· التحدث بالأحسن وليس الحسن فقط.. فإن كان هناك خياران للكلام: حسن وأحسن، وجب على المسلم أن يتخير الأحسن ويترك الحسن، ولا يخفى ما في هذا من عمل على الوحدة ونبذ للفرقة، وإغلاق الأبواب في وجه الشيطان (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِينًا) (الإسراء: 53).
· الجدال بالتي هي أحسن، خاصةً مع المخالفين، حتى في العقيدة (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت: 46).
· التثبُّت والتحقُّق من الادِّعاءات والأخبار.. فعدم التبين يؤدي إلى اتهام الآخرين بغير حق؛ ما يؤدي إلى حالة من البلبلة والفتنة في المجتمع.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).
· الإصلاح بين المختلفين والمتخاصمين.. لما فيه من تقوية نسيج المجتمع (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 10)،.
· الإعراض عن اللغو.. ففضول الكلام وكثرته تؤدي إلى الوقوع في الأخطاء الأخلاقية والاجتماعية.. (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص: 55).
· العفو والترفع والإعراض عن الجاهلين.. (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199)، وقال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (الفرقان: 63).
· دفع السيئة بالتي هي أحسن في الفعل بعد اخترنا التي هي أحسن في القول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (المؤمنون: 96)، وقال: (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).
هكذا رسم لنا الإسلام طريق تحصين المجتمع من الانشقاقات الداخلية، وبيَّن لنا أن أحد أهم عناصر بناء الجبهة الداخلية وحدتنا وتراصّنا واتباعنا للصالح العام والبعد عن كلِّ ما من شأنه أن يعكِّر صفو العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع؛ فكيف لمجتمع متناحر متنابذ أن يبني مجده ويقيم نهضته ويرتقي بمستقبله.
تأبى العصيّ إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أحادا
فلنتحمَّل جميعًا أفرادًا ومؤسساتٍ، هيئات وأحزابًا، مسلمين ومسيحيين، شبابًا وشيوخًا، مسئوليتنا التاريخية لبناء بلادنا ونهضتها والحفاظ على مكتسبات ثوراتنا، فالتاريخ لن يرحم المقصِّرين منا، وعدالة السماء بالمرصاد للقتلة والمفسدين، وإن هربوا من عدالة الأرض (ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.