تحتل سياسة إعمار قطاع غزة اهتمامًا من العديد من الأطراف المعنية والمرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، خاصة بعد حرب السابع من أكتوبر 2023. وقد ساهم الإعلام المجتمعي ومنصاته في خلق حالة من الاعتناء بموضوع وقضية إعمار القطاع وطبيعتها وتمويل جهودها. إن وظيفة إعادة إعمار القطاع لا تنحصر في مجرد خرائط لإنشاء منازل جميلة أو تحويل القطاع إلى "ريفييرا" كما يتخيل بعض الأطراف المنغمسة في اتفاق وقف إطلاق النار، وإنما يتطلب الأمر اقترابًا آخر يُعنى بالحفاظ على حياة وأمن وكرامة ورغبة فلسطينيي القطاع. كما يتطلب الأمر أن تتوقف عقيدة كيان الاحتلال عن الظن بامتلاكها الحق في التدمير الكامل "على طريقة دريسدن" كما أشار الباحث الفلسطيني خلدون بشارة. وبالنظر إلى طبيعة وخطط مشاريع إعادة الإعمار المقترحة والمقدمة من العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، يتضح لنا أن البعض منها – وليس جميعها – يحمل أجندات سياسية واقتصادية تخدم كيان الاحتلال والطرف المتقدم بتلك المشاريع بعيدًا عن طموحات وآمال ورغبات فلسطينيي قطاع غزة. وأن بعض تلك المشاريع قد تؤدي إلى تشويه النسيج الاجتماعي والعمراني للمناطق القديمة والحديثة ومناطق المخيمات في قطاع غزة قبل حرب السابع من أكتوبر 2023. وللإضاءة على تلك الخطط والمشاريع، فقد أعدت السلطة الوطنية الفلسطينية خطة رسمية تعرف باسم خطة "فينيق غزة". وقد ساهمت فيها المجتمعات المحلية الفلسطينية وتهدف إلى حوكمة إعادة الإعمار، بالإضافة إلى وجود دراسة عن النموذج التنموي لقطاع غزة، وتصوّرات الهيئة العربية الدولية لإعادة الإعمار في فلسطين ونقابة المهندسين الأردنيين. جدير بالذكر أن خطة السلطة الفلسطينية والدراسات المقدمة من قبل الباحثين والمختصين ومنظمات المجتمع المدني في فلسطين أو من الأردن قد اعتمدت بشكل كبير على البيانات والمعلومات والمسوحات التي قامت بها جهات دولية، بالإضافة إلى بيانات وزارة التخطيط الفلسطينية حول تقييم الخسائر والأضرار والاحتياجات، التي تراوحت في تقديرها بين 52 و70 مليار دولار كإجمالي نفقات إعادة إعمار القطاع. وتشمل إصلاح البنية التحتية واستعادة الخدمات الرئيسية وإعادة توطين السكان، بالإضافة إلى تهيئة الظروف للتعافي طويل الأمد. وعلى الرغم من أهمية تلك الخطة – باعتبارها خطة فلسطينية رسمية وصادرة عن المجتمع المحلي الفلسطيني – فإن التصريحات اليومية التي تخرج من الحكومة اليمينية المتطرفة في كيان الاحتلال، وتلك التي يدلي بها أعضاء الكنيست في الكيان، تنبئنا بالحاجة إلى وضع "إطار حقيقي للمخاطر" يجنب دولة فلسطين وبداخلها قطاع غزة أية تداعيات في حال تم البدء في تنفيذ خطة "فينيق غزة". في الجزء الرابع سيتم تناول وتحليل الخطط الأخرى سواء تلك المقدمة من الجانب الفلسطيني أو الأطراف العربية والدولية.