شوارع خالية، محال مغلقة، هدوء يسود منطقة صفط اللبن، تعلن مكبرات الصوت قرب موعد أذان الفجر، إلا أن أشخاصا مدججين بأسلحة نارية وبيضاء عقدوا العزم على الانتقام من شاب تسبب في وفاة ابنتهم بعدما أصابها برش خرطوش بالخطأ، واستعانوا بأحداث فيلم "إبراهيم الأبيض" للفنان أحمد السقا لكتابة الفصل الأخير من حياته على مرآى ومسمع الأهالي. في مايو 2014، وقعت مشاجرة بين "زين العابدين" وشاب آخر بسبب خلافات الجيرة، أطلق على إثرها "زين" طلقة من بندقية خرطوش، أصابت شقيقة الأخير أثناء وقوفها بشرفة منزلها، أفقدتها البصر جزئيا بسبب حدوث انفجار في العين، صدر ضده حكما قضايا بالحبس لمدة عام. بعد مرور عام، بينما تلهو "دينا" داخل منزلها بالمروحة، تعرضت لصعق كهربائي أودى بحياتها في الحال، فاستشاط والدها وشقيقها غضبا، وقررا الانتقام من "زين العابدين" كونه من تسبب في فقدها للبصر "لو مكنش أصابها بالخرطوش مكنتش اتكهربت". ما أن وطأت قدما "زين العابدين" الأسفلت عقب انتهاء عقوبة الحبس، ترك منطقة سكنه بصفط اللين، واستأجر شقة في منطقة بعيدة؛ درءا للمشاكل، وقرر طي تلك الصفحة من حياته، وتزوج بفتاة تصغره بأعوام قليلة، رُزق منها بمولود منذ شهر تقريبا. منذ مصرع ابنته صعقا بالكهرباء، كان "صابر" يخطط للانتقام من "زين"، جلس مع نجلي شقيقته؛ بحثا عن سيناريو محكم للإيقاع بالشاب الثلاثيني، خاصة مع قلة تردده على المنطقة، وانقطاع أخباره عن الأهالي. وعلى غرار أحداث فيلم "إبراهيم الأبيض"، اتفق صابر مع أحد أصدقاء "زين" على استدراجه إلى مقهى قريب من المنطقة محل سكنهم، وانتظارهم لحين حضورهم للإجهاز عليه. فجر اليوم الجمعة، جلس "زين" مع صديقه على أحد المقاهي بشارع الرشاح، قبل أن يفاجئ بحضور "صابر" ونجلي شقيقته -يحملان فرد وبندقية خرطوش- وعاطل بحوزته مطواه قرن غزال، اصطحبوه عنوة إلى محل إقامتهم، إلا أنه صعد إلى عقار مكون من 4 طوابق، محاولا الهرب، وقفز من أعلى السطح، إلا أن باقي المتهمين كانوا في انتظاره بالأسفل، وتناوبوا عليه بالضرب، وسددوا له طعنات متفرقة بالجسم. لم يكتف الجناة بفعلتهم، وجردوا "زين" من ملابسه، وسحلوه في الشارع، وسط صراخ وعويل الأهالي الذين تلقوا تهديدات بالقتل حال تدخلهم لنجدة الضحية، ثم لاذوا بالفرار، تاركين الشاب غارفا في دمائه، ونُقل إلى مستشفى قصر العيني في محاولة لإنقاذه، لكنه لفظ أنفاسه الاخيرة في تمام الخامسة صباحا داخل غرفة العناية المركزة متأثرا بإصابته. خلال دقائق معدودة، حضرت قوة بقيادة المقدم محمد الجوهري، رئيس مباحث بولاق الدكرور، ومعاونه الرائد طارق مدحت، وتبين أن العقل المدبر للواقعة يدعى "صابر" بسبب خلافات سابقة بينه والمجني عليه "زين العابدين". جهود البحث والتحري للرائد طارق مدحت توصلت إلى أن "صابر" استعان بأقاربه وآخرين -يقترب عددهم من 10 أشخاص- استدرجوا الضحية إلى شارع الرشاح، وتعدوا عليه بالضرب بأسلحة بيضاء، وسحلوه بالشارع، ولاذوا بالفرار. وتمكن رجال المباحث بقيادة العميد طارق حمزة، مفتش مباحث غرب الجيزة، والرائد طارق مدحت والنقيب أيمن سكوري، معاونا المباحث، من ضبط المتهم الرئيسي واثنين من أقاربه ورابع، بحوزتهم 3 أسلحة نارية ومطواة. ودفع اللواء عصام سعد، مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة، بتعزيزات لمراقبة الحالة الأمنية، ومنع تجدد الاشتباكات، واخطرت النيابة العامة للتحقيق.