تنظيم مراجعات لطلاب الثانوية العامة.. اعرف الضوابط والتفاصيل    التوكاتسو والإنجليزية.. تفاصيل النظام التعليمي المطبق في المدارس المصرية اليابانية    ننشر جداول امتحانات آخر العام لجميع المراحل التعليمية بالإسكندرية (تعرف عليها)    التصديري للصناعات الهندسية: 18 شركة بالقطاع تشارك بمعرض كانتون في الصين    ارتفاع مؤشرات البورصة في مستهل تداولات اليوم.. وتنفيذ صفقة ب49.7 مليون جنيه    تطور كبير وزيادة مساحات القمح.. متحدث وزارة الزراعة يوضح جهود الدولة    محافظ أسيوط يتابع جهود ترشيد استهلاك الكهرباء وخطط تخفيف الأحمال المؤقتة    صحة غزة تعلن ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي إلى 33 ألفا و843    كندا تدين الهجمات الإجرامية للمستوطنين الإسرائيليين فى الضفة الغربية    50 ألف جنيه عقوبة سحب وإخفاء الكرات لتعطيل اللعب فى مباريات الدورى    مباراة الهلال والعين مهددة بالتأجيل ل 24 ساعة    حارس «يد الأهلي»: هدفنا الفوز على الزمالك والتتويج بالسوبر الإفريقي    تخطى محمد صلاح.. مهاجم تشيلسي يحقق رقما تاريخيا للنادي في الدوري الإنجليزي    فيديو.. الأرصاد: نشاط رياح مثير للرمال والأتربة غدا.. والرؤية تتدهور على تلك الطرق    73 مليون جنيه.. محاكمة جمال اللبان وآخرين في قضية أموال مجلس الدولة    العملي 24 أبريل والتحريري 13 مايو.. جدول امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي بالقليوبية    تحرير 8 محاضر ضد عدد من البدالين التموينيين في بني سويف    دعاء الرياح والعواصف: «اللهم نسألك خيرها وخير ما أمرت به»    الرقابة الصحية: الجودة مسار إجباري لمنظومة التأمين الشامل والهيئة اعتمدت 350 منشأة    إطلاق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    الرعاية الصحية تعلن خارطة طريق عملها ل2024 في الصيدلة وإدارة الدواء    تسبب الإدمان.. الصحة تكشف خطورة السجائر الإلكترونية    كوريا الجنوبية تحتج على مطالبة اليابان بجزر دوكدو    بعد واقعة إمام عاشور، الأهلي يقرر تغليظ عقوبة "السوشيال ميديا"    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    برنامج مباشر من مصر يستضيف حفيد عالم المصريات سليم حسن في ذكراه    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    «القاهرة الإخبارية»: وزارة الخزانة الأمريكية استهدفت 500 شخصية وكيان على صلة بإيران    خادم الحرمين وولى العهد يعزيان سلطان عمان فى ضحايا السيول والأمطار    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    مصرع منجد بالبيلنا سوهاج فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة ولهو الأطفال    جنايات المنصورة تعقد جلسة النطق على 3 متهمين بقتل سائق توك توك بالدقهلية    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمين ب"داعش قنا"    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    فيلم شقو يتصدر الإيرادات بتحقيق 41 مليون جنيه في 6 أيام    معلومات الوزراء: الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    المراكز التكنولوجية تستقبل طلبات التصالح من المواطنين 5 مايو المقبل    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    أسعار البيض والفراخ في الأقصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    الخشت يشارك باجتماع التعاون بين الجامعات المصرية وساكسونيا الألمانية    الصادرات السلعية المصرية تسجل 9 مليارات و612 مليون دولار بنسبة ارتفاع 5.3%    استعدوا لتغيير الساعة.. بدء التوقيت الصيفي في مصر خلال أيام    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    "مدبوحة في الحمام".. جريمة قتل بشعة بالعمرانية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    تفاصيل حفل تامر حسني في القاهرة الجديدة    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    ميدو: إبراهيم نور الدين كان سيجلس في منزله إذا طرد لاعب الأهلي    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



30 يوما من المأساة.. مسيرة أسرة مصرية فقدت 3 في حريق برج "لندن"
نشر في مصراوي يوم 16 - 07 - 2017

لا فرار من الذكريات. تفتح رشا إبراهيم عيناها يوميا على صورة أختها رانيا. تطاردها ضحكاتها، عشقها للطعام، هزلهما سويا، هداياها المتناثرة في أرجاء المنزل، لهو ابنتيها فتحية وهانيا. يُرهقها التفكير، تدور روحها يمينا ويسارا بحثا عن الشقيقة، فيما يُدرك عقلها أنها تُوفيت. تُعيد تشغيل المقطع الحي الذي بثته رانيا في حريق برج "جرنفل" بلندن، فتدخل في نوبة بكاء، يعتصرها الألم كأن الحادث أمس، رغم مرور أكثر من 30 يوما.
رانيا ورشا ليستا مجرد شقيقتين "كنا صحاب.. انا أكبر منها بأربع سنين لكن شبه بعض في الشكل وطريقة الكلام". لم يمر يوم دون أن تتحدثا، لكن مكالمة الثالث عشر من يونيو الماضي كانت مختلفة؛ اتصلت الأخت الراحلة أكثر من أربع مرات "من الرصيد بتاعها مش الإنترنت وكان وقت المغرب"، في ذلك الحين انشغلت رشا بإعداد طعام الإفطار "بس رانيا فضلت ترغي معايا أكتر من نص ساعة وتوصيني على حاجات كتير". انقبض قلب الشابة المُقيمة في مصر، لكنها ظنّت فقط أن شقيقتها تفتقدها.
8 ساعات بالتمام فصلت تلك المكالمة عن الأحداث المُفزعة التي عايشتها رانيا. بالصدفة فتحت رشا موقع فيسبوك عقب تناول السحور "لقيت رانيا مسجلة فيديو لايف وبتقول إن برج جرنفل بيولّع". ألقت أم الطفلين مُعاذ وسدرة المنتهى هاتفها، هرعت لتتصل بأختها دون رد، وكذلك فعلت مع شقيقتها الأخرى سيدة إبراهيم، والتي تقيم على بُعد عدة شوارع من البرج المُحترق "بس سيدة كانت منهارة ومش عارفة تتكلم معانا.. نزلت تجري في الشوارع تشوف رانيا" حسبما تقول ل"مصراوي".
هرجٌ وحركة سريعة في منزل عائلة الأم المحتجزة بالبرج "عيلتنا كلها في أسوان مكانوش عارفين يتصرفوا.. وانا لوحدي في القاهرة". كررت محاولاتها دون نتيجة، ثم اهتدت لمتابعة ما يحدث على التلفزيون. وقتها رأت ألسنة النيران تتصاعد لمنتصف العقار البالغ ارتفاعه 24 طابقا "حسيت بالنار في جسمي.. قعدت أخبط بإيدي على التليفزيون عشان أخرّج رانيا من جوة"، ولمّا أفاقت من هول المشهد، تقوقعت فوق سجادة الصلاة، انتظارا للفرج.
كان برج "جرنفل" يتكون من 129 شقة. سكنت رانيا في الدور الثالث والعشرين، فيما لم يتوفر بجانبها سُلم مؤدي لسطح العقار. بدأت الشرارة من ثلاجة بإحدى شقق الطابق الرابع ثم انتشرت النيران لأعلى، ورغم إنقاذ أكثر من 74 شخص، إلا أن الثمانين الذين قُتلوا، كانوا قد انصاعوا لمطلب المنقذين بالبقاء داخل البرج، على أمل إغاثتهم.
لم يكن بيد رشا حيلة سوى مشاهدة الحريق، ومع حلول الرابعة والنصف صباح الرابع عشر من يونيو الماضي، التهمت النيران البرج بأكمله، في ذلك الوقت كان حسن زوج رانيا، يستقل طائرة عائدة من مصر إلى لندن "جوزها كان هنا عشان أخوه عيان". وصل الأب الملهوف قبل العصر "مكنش حد عارف حاجة.. بدأ هو وسيدة يدوروا في المستشفيات عليها وعلى فتحية وهانيا".
عام 2009 ذهبت السيدة ذات الواحد وثلاثين عاما إلى لندن "عشان أختي سيدة كانت بتعمل عملية ولازم معاها حد". مازالت رشا تذكر بكاء الشقيقة الأصغر اعتراضا على السفر "كنت مفروض أروح أنا بس تأشيرتي اترفضت". عزمت رانيا أن تكون إقامتها مؤقتة، غير أنها تزوجت هناك ثم استقرت.
حينما وقّعت رانيا على عقد شقة "جرنفل" منذ عام ونصف "كان من بنود العقد إن المكان ضد النيران"، غير أن السيدة المصرية لم تشغل بالها بتلك التفاصيل "رانيا كانت متصالحة مع الحياة والموت".. تضحك رشا على مضض، راوية عن المرة الأخيرة التي حضرت فيها الأخت إلى مصر، في يناير 2017.
أثناء تلك الزيارة، مكثت الفقيدة وابنتاها شهرين، متنقلين بين القاهرة وأسوان "اتفسحت كتير كأنها عرفت إن دي أخر مرة". طلبت ضحية "جرنفل" من رشا أن تطبخ لها "محشي" وأصناف أخرى من الطعام "وكانت تقولي تعالي ننزل ناكل برة.. أقولها دة تلوث.. تقولي إحنا هنعيش كام مرة؟". كانت رشا تتعجب لشجاعة شقيقتها "رغم إني أكبر منها بأربع سنين بس أنا جبانة عنها"، لذا حين شاهدت المقطع الذي سجّلته رانيا وقت الحريق، لم يُفاجئها ثباتها.
دخان كثيف، أصوات لُهاث يقطعها جملة "لا إله إلا الله"، وهاتف يهتز في يد رانيا التي فتحت باب شقتها لتنادي على العالقين في الخارج، تدعوهم للاحتماء عندها، ثم تتحرك في اتجاه الشُرفة، تصرخ باستماتة لينقذها أحد، تُهدئ ابنتها، تطلب منها الجلوس، يلهج لسانها بالدعاء، وتسأل أصدقاء فيسبوك أن يصلوا من أجلها.
ظلت النيران مشتعلة في أماكن متفرقة من المبنى ل60 ساعة متواصلة. وحين توقفت استحال كل شيء للأسود، أما الزوج المكلوم فذابت قدماه بصحبة الأخت سيدة بحثا عن أي أثر، بينما عانت رشا الأمرّين "لا قادرة أسافر لهم ولا عارفة أساعد من هنا"، لم يكن بيدها حيلة سوى الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي لعل أحدهم يستدل على أختها والصغيرتين فتحية وهانيا.
عقب يوم واحد من الحريق توافدت عدة اتصالات على رشا "واحدة قالتلي إديني اسمها انا جوزي عايش في لندن وهيدور"، وبعد ساعات بلغتها السيدة المجهولة أن رانيا تقبع بأحد المستشفيات القريبة من مكان الحادث ومعها ابنتها الأكبر "أختي سيدة طارت على هناك وملقيناش حاجة"، فيما تلقّت سيدة نفسها روايات متفاوتة "اللي يقولها شفناها في عربية إسعاف واللي يقول شفنا بنتها الصغيرة في الشارع بتبكي". تتبعت الأسرة كل خيط وقع في يدهم، حتى لو كان وهميا.
في الأيام الأولى للحادثة، لم ينفك الزوج يسأل الشرطة "كانوا بيقولوا له لسة ملقيناش حاجة"، لذا قررت الرفيقة المقيمة بمصر عمل هاشتاج لتحريك المياه الراكدة "لولا الدوشة بتاعة النت مكنش الإعلام عرف حاجة عن أختي ولا الرأي العام اتكلم". كانت تلك الأيام عجافا. لم يذق فيها حسن النوم إلا قليلا داخل مسجد قريب من المبنى، بينما رشا تُحادثه يوميا لتخفف عنه "بيقولي انا كنت بحلم إنهم هيسيبوني.. بس كنت فاكر إني انا اللي هموت مش هُمّا".
في لندن التقت رانيا بحسن صاحب الجنسية السودانية "جه خطبها من والدتي واتجوزوا هناك". عاشا حياتهما في سعادة تكللت بولادة فتحية وهانيا، وبعد أن كبرت الفتاتان قليلا عاودت رانيا دراسة الحقوق التي تركتها في مصر بالإضافة للإنجليزية تمهيدا للحصول على الجنسية. كانت الأم تُزجي الغُربة بالأنشطة، بين التطوع، ركوب العجل وتعلم السباحة يومي الاثنين والأربعاء، ورغم اندماجها هُناك، لكنها خططت دائما للعودة، فيما سخرت منها رشا "كنت بقولها حد يسيب لندن؟.. تقولي انا بحب القاهرة وأسوان أكتر".
ما أن اجتاحت الكارثة برج "جرنفل" حتى أعلنت الشرطة عن تعويضات للمتضررين. "شقة وفلوس".. تقولها رشا باستهتار، قبل أن تستطرد "هيرجّعوا رانيا يعني؟.. جوزها مرضيش يروح يستلم حاجة". في المقابل فكّرت الأخت الأكبر في الذهاب إلى سفارة بريطانيا بمصر "بس قالولي مش هتساعدك"، لا سيما وأن السفارة المصرية بإنجلترا اجتمعت بأهالي الضحايا لاطلاعهم على الوضع، دون الإدلاء بكثير من التفاصيل.
مازالت تحقيقات الشرطة الإنجليزية جارية. لن يتم حصد عدد الضحايا بشكل كامل إلا خلال أشهر. عقب الحادث بأسبوع ماتت آمال الزوج ورشا وسيدة في رؤية رانيا والطفلتين "الشرطة قالت لحسن إن درجة الحرارة كانت 1400.. محدش نجي غير اللي خرجوا في بداية الحريق"، بينما سقطت شقة المصرية الراحلة على الطابق الثاني والعشرين من الحرارة، وتحول كل أثر فيها لرماد.
منذ أيام أقُيم عزاء الأم وفتاتيها بأسوان. اجتمع شمل الأسرة وعادت سيدة إلى مصر تُجرجر أهوال ما رأته. أما حسن "قال هيصفّي شغله في لندن ويسافر ويسيبها.. ومش هيرجع هناك تاني". في بيت العائلة يحاول أخوة رانيا الستة التماسك، تحتضن السيدات بعضهن البعض، ويبلع الرجال دموعهم، بينما ذاكرة رشا تُعيد عليها تفاصيل الوصايا الأخيرة.
حين أنجبت رشا ابنتها ذات ال6 أشهر، كانت رانيا أول من حملها بين ذراعيه، واقترحت اسم سدرة المنتهى "لكن أنا كنت عايزة أسمّيها رانيا". أصرت الأخت الأصغر على رأيها، فانصاعت الأم "لكن في المكالمة الأخيرة قالتلي اسم سدرة بينطقوه وحش عندنا في مصر.. غيريه أحسن"، ضحكت رشا وقتها من الطلب، مذكرةً رانيا أنها من رفضت تسمية الطفلة باسمها "فقالتلي انا كنت بتدلع عليكي.. كنتي اتحايلتي عليا شوية"، والآن وبعد أن أفاقت رشا من صدمة فقدان رفيقتها، فقد بدأت إجراءات تغيير الاسم، حتى أن العائلة صارت تُنادي الصغيرة باسم خالتها.
مرّ 32 يوما على انزواء جسد رانيا وطفلتيها. عانت رشا من انهيار تام لم تخف وطأته إلا "لما اكتشفت إن في ناس كتير بتحبها". تُعاودها الغُصّة كلما تتذكر أن أختها كانت تفيض بالحياة؛ فأصبح جسدها دون قبر يحتويه، وتبتسم رُغما عنها حين تستعيد كلمات فتحية ذات الخمس سنوات: "أنا بحبك أوي يا خلتو"، يختلط صوت الصغيرة في أذنها بجملة رانيا الدائمة "أنا وانتي روح واحدة يا رشا"، فيما تنجرف دمعة من عينيها إذ تُدرك أن جزءً من روحها ما عاد موجودا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.