أبوالمعارف الحفناوي، مي الكناني: في سكون الليل تعلوا أصواتهم تتهادى من بعيد تشق وحشة الظلمة "هااا.. مين هناك"، لتبعث الطمأنينه في قلوب السائرين ليلًا، وتبث الخوف في الأشقياء، ليركنوا إلى مكان ليس فيه "خفير". وبينما بدأ دور الخفير يتراجع بقوة في قرى الصعيد وبخاصة قنا، مع نظرة المجتمع له التي لا تناسب دوره الأمني، فقد احتفظ في قرى الدلتا وبخاصة المنصورة بمكانته، مع أنه تخلى عن لبسه التقليدي إلى لبس القميص والبنطلون أو لبس "الكاجوال". ملابس مميزة في المنصورة اختلفت شخصية الخفير عن ذي قبل، فبعد أن كان يُعرف على بعد أمتار بملابسه المميزة "الجلباب والبالطو والطربوش"، أصبح الآن لا يختلف عن باقي سكان القرية، سواء أكان "خفير كاجول" بنطلون وقميص وسلاحه على كتفه، أو جلباب فلاحي كلبس أهل القرى. أما في قنا فالأمر مختلف، إذ إن الجلباب هو الزي الذي تفضله نسبة ساحقة من المواطنين، ولا مانع أن يكون الخفير واحدًا من تلك النسبة، بالإضافة إلى أنه في كثير من قرى الصعيد، هناك شخصيات لا يحق لهم التخلي عن العمامة والجلباب، ما لم يكونوا من طائفة الموظفين أو الحاصلين على شهادة عالية، في حين أن المستوى التعليمي للخفراء بين أميين وحاملي شهادات متوسطة. موظفون أمنيون وقبل فترة طويلة كان راتب الخفير لا يتجاوز 50 جنيهًا، أما الآن أصبح راتبه يخضع للحد الأدنى للأجور 1200 جنيه، بالإضافة إلى البدلات، بحسب رضا بيومي، عمدة قرية الزهيري ببني عبيد. يتابع بيومي إن وظيفة الخفير حاليًا لم تختلف عن سابق عهدها، إذ إنه مكلف بحراسة الأماكن الحيوية والمنشآت الحكومية داخل القرية أو المركز، رغم ظهور أمناء الشرطة الذي لم يؤثر علي الخفراء، فكل منهم له دور محدد يختلف عن الآخر. ويبلغ عدد قرى محافظة الدقهلية 463 قرية تقريبًا، يوزع عليهم نحو 6 آلاف خفيرًا لحمايتهم، مع اختلاف عدد الخفراء في كل قرية بحسب تعداد ومساحة القرية، ويخضع الخفراء قبل تعيينهم إلى مسابقة يجتازونها، تشترط ألا تقل أعمارهم عن 20 عامًا ولا تزيد عن 35، وأن يكون محمود السيرة، وغير مسجل على ذمة قضايا. أمناء الشرطة في قنا تراجع دور الخفير كثيرًا بعد استحواذ أمناء الشرطة على أدوارهم الأمنية، رغم أن دور الخفير أكبر في ملاحقة العناصر الخطرة والتبليغ عن الغرباء الذين يدخلون القرى، وهو ما جعل القيادات الأمنية تلجأ إليه بعد 30 يونيو لحفظ الأمن. وتتراوح أعمار الخفراء في قنا ما بين 25 وحتى 60 عامًا، وهو السن القانوني لبلوغ المعاش، أكثرهم من الحاصلين على شهادات تبدأ من محو الأمية وحتى الدبلوم، يوزعوا على المنشآت العامة والحكومية ونقاط الشرطة ودوار العمدة. إعادة دور الخفراء يقول مصدر أمني بمديرية أمن قنا، إن هناك آلية واستراتيجية تتبعها وزارة الداخلية، لإعادة تفعيل دور الخفير مرة أخرى، واستعادة الأمن والأمان للمواطنين، موضحًا أن المديرية تعمل على إجراء خطة لتحسين أوضاع الخفراء ماديًا ومعيشيًا، وتنظيم دورات لهم، لتأهيلهم ثقافيًا وأمنيًا. ويشير المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن دور الخفير يكمن في حراسة المنشآت العامة والحكومية، وأبراج الكهرباء، ومكاتب البريد والبنوك، ولهم دور كبير داخل مراكز ونقاط الشرطة والنيابات، فضلًا عن انتشارهم في القرى. سلاح الخفير سلاح الخفير يكاد يكون واحدًا، وهو بندقية خرطوش حديثة، يتسلمها صباحًا من "السلاحليك"، ويسلمها عقب انتهاء عمله، بجانب التدريبات التي تعقدها مديرية الأمن. وعقب تراجع دور الخفير في قرى قنا، فقد أصبح عمله يقتصر على الجلوس أمام المنشآت العامة والحيوية، وينتظر بفارغ الصبر الانتهاء من عمله، ليمارس عملًا آخر يجلب له دخل إضافي لسد احتياجاته اليومية. في دوار العمدة محمد فتحي، موظف من قنا، يرى أن كثيرين اختذلوا دور الخفير في خدمة عمدة القرية فقط، بحكم أنه من الطبقة الأقل من المتوسطة في البلاد، رغم أن هناك خفراء من عائلات كبيرة، التحقوا للعمل في هذا المجال رغبة في الحصول على وظيفة حكومية تضمن لهم راتبًا ومعاشًا شهريًا، فيما بعد. بث الأمان أما سيد عوض، أستاذ ورئيس قسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة جنوب الوادي، يرى أن دور الخفير مهم جدًا، إذ له دور نفسي لبث الطمأنينة لدى المواطنين، عندما يرونه يترجل ذهابًا وإيابًا أمامهم، كما أنه الشخص الأكثر امتلاكًا للمعلومات لضبط المجرمين أو منع حدوث الجريمة قبل ارتكابها. يشير عوض إلى أن وضع الخفير الاجتماعي ربنا يكون سببًا لتقربه من العمدة، من أجل أن ينال رضاه، ورغم نظرة المجتمع الدونية لهم إلا أنه ركيزة أساسية لحفظ وضبط الأمن.