أبو المعارف الحفناوي، بسام عبد الحميد، إسلام نبيل، أيمن الوكيل، بسمة الخطيب: "ها.. مين هناك".. عبارة ما تزال عالقة في أذهان العديد من المواطنين، خاصة في القرى، فدائمًا ما يتذكرون الخفير الذي كان يجوب الطرق والشوارع ويحرس مداخل القرى، ممسكًا ببندقيته على ظهره، وصافرته التي كانت تدق جرس الخطر والإنذار في حالة وجود غرباء أو بلطجية أو قطاع طرق، ليجمع باقي زملائه ويشاركهم الأهالي في القبض عليهم. دائمًا ما كان دورهم فعال وقوي حتى أطلق عليهم البعض بأنهم "مفتاح الحكومة وعينها الساهرة"، إذ كان للخفير دورًا كبيرًا في ملاحقة العناصر الخطيرة والغريبة والتنسيق مع عمدة القرية أو شيخ الخفر، لإبلاغ مركز الشرطة بما يحدث، وفي حالة قيام حملة أمنية فيكون هو المرشد الوحيد لهم. ووفقًا لخبراء فإن دور الخفر تقلص بشكل كبير في الأعوام السابقة، بسبب سيطرة أمناء الشرطة على دورهم، واقتصر دورهم فقط على الجلوس أمام المنشئات العامة والحيوية، حتى دوار العمدة أصبح بلا فائدة كبيرة كما كان سابقًا. وبحسب إحصائيات رسمية، فإن عدد الخفراء التابعين لدائرة مركز شرطة نجع حمادي، يبلغ قرابة 110 خفيرًا تتراوح أعمارهم ما بين 25 وحتى 60 عامًا وهو السن القانوني لبلوغ المعاش، أكثرهم من الحاصلين على شهادات تبدأ من محو الأمية وحتى الدبلوم، موزعين على المنشئات العامة والحكومية ونقاط الشرطة ودوار العمدة، ومنهم 200 خفير في قرية "هو"، وهي القرية التي تتمتع بأكبر عدد من الخفراء، بينما يبلغ عدد الخفراء في قرية أولاد نجم الحفناوية 10 خفراء وهى الأقل في العدد. حفظ الأمن وقال مصدر أمني مسؤول بمركز شرطة نجع حمادي، إن دور الخفير هو حراسة المنشئات العامة والحكومة بالقرى، مثل مكاتب البريد والبنوك الفرعية، ودور العبادة المسيحية، والوحدات الصحية والمستشفيات. وتابع أن من دورهم أيضًا الانتشار الواسع بالقرى، من أجل رصد الغرباء الذين يحاولون الدخول للقرية، فدور الخفير يتمثل في كونه "الحارس الخاص" والوحيد للقرية، على عكس المدينة، ونظرتها للخفير، وقد اقتصر دور الخفراء على القرى فقط مع توزيع بعضهم على بعض الخدمات بالمدينة، بشكل قليل جدا. سلاح الخفير وأضاف أن الخفراء يتم تسليحهم بالأسلحة العادية والتي تتمثل في البندقية الخرطوش، من أجل استخدامها في أعمال الحراسات على الخدمات المعين عليها، أما شيخ الخفر فيتم تسليحه بسلاح نصف آلي، وهو الشخص المسؤول عن مجموعة من الخفراء بالقرية. رواتب الخفراء ورواتب الخفراء تكون في حدود الحد الأدنى للأجور، وتبدأ من 650 جنيهًا إلى أن تصل إلى أكثر من 1200 جنيه، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى الاتجاه إلى مصادر دخل أخرى، أو الاقتصار على زراعة أرضه والتي تعود بالنفع عليه أيضًا. تطوير المنظومة أما عن آليات تطوير الوضع الحالي لمنظومة الخفراء، قال اللواء عادل عبد العظيم، مساعد وزير الداخلية لقطاع الجنوب، إن وزارة الداخلية نبهت لاتخاذ إجراءات جادة بالفعل، لهذا الجزء المهم من ممثلي ومسؤولي الأمن من الخفراء، وفي سبيل ذلك شكلت لجنة مختصة بقطاع الأفراد بالوزارة تعكف منذ ما يقرب من عام علي وضع آليات ومقومات تحسين الأداء، ورفع الكفاءة لتأدية الدور الأمني المنوط بهم على الوجه الأكمل. وتابع أن ذلك يأتي عن طريق تحسين أحوالهم المادية والمعيشية والوظيفية، وتنظيم دورات تدريبية، لرفع مستواهم العلمي والثقافي والأمني، ومستوى تسليحهم، حتي يتسني لهم مواجهه التغيرات المتسارعة، وتطور الجريمة والتحديات المعاصره ليكونوا سدًا منيعًا وجدارًا قويا لتحقيق الأمن في قراهم وأماكن خدماتهم. حماية العمدة وتباينت آراء المواطنين عن الخفراء بداخل القري والنجوع ودورهم الذين يؤدونه، واتفق الأهالي أن الخفير دوره الأوحد هو حماية عمدة القرية. وقال إسلام العمدة، 19 عامًا، إن ما يعرفه عن الخفير أنه يعمل لدى عمدة القرية في القري والنجوع، لحراسة مندرة العمدة وحراسة مكتب بريد القرية وحراسة المزلقانات، وأن الخفير يشرف على عمله شيخ الخفر، ولا بد أن يوقع حضور وانصراف وتسليم السلاح الخاص به في مندرة عمدة القرية. وقال على محمد هاشم، 47 عامًا، إن ما يعرفه عن الخفير أن القرى الخالية من الخفراء لا يوجد بها عمدة أو شيخ قرية، مضيفًا أن من أهم أدوار الخفير أنه عين الأجهزة الأمنية في المحافظة داخل القري والنجوع، وعين المظاليم داخل السجون، بينما في الواقع فهو ليس له أي دور سوى أن يظل في الشارع أو في منزل عمدة القرية لاستدعاء المواطنين المطلوبين للعمدة أو لشيخ القرية. وقال محمد جهلان، 21 عامًا، إن كل ما يعرف عن الخفراء في القرى والنجوع بمركز نجع حمادي أنهم دائمًا بمندرة ومنزل عمدة القرية وعائلته ويخدمون العمدة وعائلته سواء بشراء المنتجات من الأسواق لمنزل العمدة أو توصيل أبنائه إلى مدارسهم فضلًا على حماية عمدة القرية لأنه صاحب السلطة الأكبر بالقرية. شرقاوي شيخ "الدرك" في ثمانينيات القرن الماضي، كان الخفير النظامي "حارس الدرك" هو المنوط به حفظ الأمن في القري والنجوع، يحظى باحترام الجميع، يخترق صوته الجهوري جدار الصمت في ظلمة الليل البهيم حين ينادي "ها.. مين هناك". شرقاوي محمد برعي، شيخ خفراء الرحمانية في هذه الفترة، ذاع صيته بين أهل قريته، رغم رحيله في مطلع القرن الحالي، وحسب ما يرويه عنه أهل قريته، فقد كان حازما في عمله، منظما إلى أبعد الحدود، يصر على أن يقوم بنفسه، بتوزيع الخفراء النظاميين على مناطق الخدمة بالشوارع دون أن مساعدة أي من وكلائه. تميز شرقاوي عن باقي أفراد مهنته، بتصميمه وعزمه على فرض الأمن، دون محاباة أحد على حساب أحد، لدرجة أنه أودع نجله في الحجز بنفسه، بعد أن تعدى علي أحد أقرانه من أبناء قريته. ما يذكره له أهل قريته أنه على مدار 35 عامًا قضاها في الخدمة، لم يتجرأ لص على دخول عرينه أو اختراق قريته، فضلًا عن أنه وأد فتنة طائفية في مهدها في فترة الثمانينات بعلاقاته الطيبة والمتشعبة. يذكر أهالي الرحمانية قبلي أن الشيخ شرقاوي كان يضع الخفراء النظاميين في شوارعهم، حتى يتمكنوا من ضبط المطلوبين أمنيا دون حرج بين العائلات، وكان يذهب بنفسه إلى أهل المطلوب ليطمئنهم عليه ويشد من أزرهم دون الإخلال بواجباته الوظيفية. توفى شرقاوي عن عمر ناهز ال75 عامًا، وهو يتوضأ للصلاة، تاركا خلفه ميراثا من محبة الجميع واحتراما من رؤسائه في العمل آنذاك.