الأسير المحرر بهاء شبراوي: لا أصدق خروجي من السجن.. قضيت 24 عاما فقدت فيها أبي وأمي    النحاس: زيزو هو الصفقة الأهم ل الأهلي.. ومصطفى محمد الأنسب لتعويض أبو علي    إبراهيم حسن يكشف سبب استبعاد أحمد الشناوي من المنتخب.. ولماذا يبكي في النشيد الوطني    تصفيات كأس العالم - رأسية فولتماده تمنح ألمانيا الفوز على إيرلندا الشمالية وصدارة المجموعة    طقس اليوم الثلاثاء خريفي ممطر على بعض المناطق.. تفاصيل من الأرصاد    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم في مصر مع تحركات الأسواق العالمية    النادي المصري يُثمن جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني    عاكف المصري: قمة شرم الشيخ أكدت أن مصر الحارس الأمين للقضية الفلسطينية وخط الدفاع الأخير    بريطانيا توجه رسالة شكر إلى مصر بعد قمة شرم الشيخ للسلام    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي التوليدي يعيد تشكيل العملية التعليمية    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    عماد النحاس: أصابني حزن كبير بسبب رحيلي عن الأهلي    رئيس مدغشقر يغادر البلاد دون الكشف عن مكانه    جولة داخل متحف الأقصر.. الأكثر إعجابًا بين متاحف الشرق الأوسط    «شرم الشيخ» تتصدر مواقع التواصل ب«2 مليار و800 ألف» مشاهدة عبر 18 ألف منشور    ذاكرة الكتب| «مذكرات الجمسي».. شهادة تاريخية حيَّة على إرادة أمة استطاعت أن تتجاوز الانكسار إلى النصر    «زي النهارده».. استشهاد اللواء أحمد حمدي 14 أكتوبر 1973    توفير أكثر من 16 ألف يومية عمل ضمن اتفاقية تحسين مستوى المعيشة بالإسكندرية    ترامب: لا أعلم شيئًا عن «ريفييرا غزة».. ووقف إطلاق النار «سيصمد»    الأمم المتحدة: تقدم ملموس في توسيع نطاق المساعدات الإنسانية بقطاع غزة    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «بين الأخضر وأسود الرافدين».. حسابات التأهل لكأس العالم في مجموعة العراق والسعودية    مدير منظمة الصحة العالمية يعلن دخول 8 شاحنات إمدادات طبية إلى غزة    «التعليم» توضح موعد بداية ونهاية إجازة نصف العام 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    سحب منخفضة على القاهرة وسقوط رذاذ.. بيان مهم من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    تسجيل دخول منصة الشهادات العامة 2025 عبر موقع وزارة التربية والتعليم لطلاب أولى ثانوي (رابط مباشر)    شاهد سقوط مفاجئ لشجرة ضخمة على سيارة بمنطقة الكيت كات    إسرائيل تتسلم جثث أربعة رهائن كانوا محتجزين فى غزة    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    إسعاد يونس: خايفة من الذكاء الاصطناعي.. والعنصر البشري لا غنى عنه    بعد استبعاد أسماء جلال، هنا الزاهد مفاجأة "شمس الزناتي 2"    أحمد التايب للتليفزيون المصرى: مصر تحشد العالم لدعم القضية الفلسطينية    957 مليون دولار أمريكى إيرادات فيلم A Minecraft Movie    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر    هتشوف فرق كبير.. 6 مشروبات واظب عليها لتقليل الكوليسترول بالدم    التفاح والقرنبيط.. أطعمة فعالة في دعم صحة الكلى    علماء يحذرون: عمر الأب يحدد صحة الجنين وهذا ما يحدث للطفرات الجينية في سن 75 عاما    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    د.حماد عبدالله يكتب: القدرة على الإحتمال "محددة" !!!    موعد صرف معاشات شهر نوفمبر 2025    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    بالتفاصيل| خطوات تحديث بطاقتك التموينية من المنزل إلكترونيًا    ضبط 10 آلاف قطعة باتيه بتاريخ صلاحية مزيف داخل مخزن ببني سويف    مصرع شاب غرقًا في حوض زراعي بقرية القايات في المنيا    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    أردوغان لميلوني في قمة شرم الشيخ: تبدين رائعة (فيديو)    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    بحضور صناع الأعمال.. عرض أفلام مهرجان بردية وندوة نقاشية بالمركز القومي للسينما    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    89.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة الإثنين    جامعة بنها: إعفاء الطلاب ذوي الهمم من مصروفات الإقامة بالمدن الجامعية    وزير الري يشارك فى جلسة "مرفق المياه الإفريقي" المعنية بالترويج للإستثمار فى إفريقيا    دار الإفتاء تؤكد جواز إخراج مال الزكاة لأسر الشهداء في غزة    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم المداومة على ترك الصلوات المسنونة المؤكَّدة؟
نشر في مصراوي يوم 16 - 04 - 2015


تجيب لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
يقسِّم جمهور الأصوليين الأحكام الشرعية إلى خمسة، وهي الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، وعرفوا المندوب بأنه ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ومن مسمياته: المرغوب فيه، والسنة، والنافلة، ومن أمثلة المندوب: صلاة الوتر، والسواك، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتخليل الأصابع في الوضوء، وإفطار الصائم على تمرٍ، وتكرار الحج والعمرة، ومساعدة المحتاجين من الناس، ونحو ذلك.
وقد بيَّن الفقهاء أن هذه السنن ليست على درجة واحدة في مطلوبيتها، فبعضها أقوى من بعض مع اشتراك كلها في أفضلية الفعل مع عدم المعاقبة على الترك، يقول الزركشي في البحر: «ويجوز أن يكون بعض المندوب آكد من بعض، ولهذا يقولون: سنة مؤكدة.
وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: لا خفاء أن مراتب السنن متفاوتة في التأكيد، وانقسام ذلك إلى درجة عالية ومتوسطة ونازلة وذلك بحسب الدلائل الدالة على الطلب». [1/ 376، 387، ط. دار الكتبي].
وقد قسَّم الفقهاء السُّنة من حيث مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها إلى مؤكَّدة وغير مؤكَّدة، يقول ابن نجيم الحنفي رحمه الله بعدما نقل عدة أقوال لعلماء الحنفية في تعريف السنة ثم زيَّفها، قال: «والذي ظهر للعبد الضعيف أن السنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إن كانت لا مع الترك فهي دليل السنة المؤكَّدة، وإن كانت مع الترك أحيانًا فهي دليل غير المؤكِّدة». [البحر الرائق 1/ 18، ط. دار الكتاب الإسلامي].
فالمواظبة على فعل الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون واجبًا معيار التأكيد على سنيته، وتقسيم السُّنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة مجرد اصطلاح لا مشاحة فيه، وهذا الاصطلاح ناشئ عن تتبع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في المناسبات المختلفة، فما واظب عليه -كركعتي الفجر مثلًا- خصوه بهذا الاسم، لكن البحث يأتي في كيفية إثبات المواظبة، والظاهر أن تصريح الصحابة هو المعوَّل عليه في إثباتها، ومثاله ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر)). [متفق عليه]، بخلاف ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم الترغيب فيه ولم تنقل مواظبته، كالمتابعة بين الحج والعمرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)) [رواه أحمد الترمذي والنسائي].
ومما ينبغي الإشارة إليه أن السنة المؤكَّدة يسميها الحنفية سنة الهُدى، يقول ابن عابدين: «والسنة نوعان: سنة الهُدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة ونحوها. وسنة الزوائد، وتركها لا يوجب ذلك كسِيَر النبي عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده».
وقال: «سنة الهُدى وهي من السنن المؤكدة القريبة من الواجب». [رد المحتار 1/ 103، ط. دار الكتب العلمية]. والمستقرئ لنصوص فقهاء المذهب الحنفي -لا سيما المتأخرين- يجد أنهم يسوُّون بين مصطلح (السنة المؤكدة) ومصطلح (الواجب) في جانب توكيد الفعل والتحذير من الترك، أي في لحاق الإثم تاركهما، وإثابة فاعلهما، وهو واضح من كلامهم على صلاة الجماعة.
يقول الكاساني بعد أن ذكر أن قول العامة وجوب صلاة الجماعة، قال:«وجه قول العامة الكتاب والسنة وتوارث الأمة... أما توارث الأمة فلأن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا واظبت عليها وعلى النكير على تاركها، والمواظبة على هذا الوجه دليل الوجوب، وليس هذا اختلافًا في الحقيقة، بل من حيث العبارة؛ لأن السنة المؤكدة والواجب سواء، خصوصا ما كان من شعائر الإسلام، ألا ترى أن الكرخي سماها سنة ثم فسَّرها بالواجب، فقال: الجماعة سنة لا يرخص لأحد التأخر عنها إلا لعذر. وهو تفسير الواجب عند العامة» [بدائع الصنائع 1/ 155، ط. دار الكتب العلمية].
وقال البابرتي: «(الجماعة سنة مؤكدة) أي قوية تشبه الواجب في القوة حتى استدل بمعاهدتها على وجود الإيمان، بخلاف سائر المشروعات وهي التي يسميها الفقهاء سنة الهدى، أي أخذها هدى وتركها ضلالة، وأشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق)). [العناية 1/ 345، ط. دار الفكر].
وفي حاشية الشِّلبي على تبيين الحقائق: «(قوله: قال عامة مشايخنا: إنها واجبة... إلى آخره) وفي مختصر البحر المحيط: الأكثر على أنها سنة مؤكدة ولو تركها أهل ناحية أثموا ووجب قتالهم بالسلاح؛ لأنها من شعائر الإسلام. وفي شرح خواهر زاده: سنة مؤكدة غاية التأكيد. اه. غاية. قال الكمال: وقيل: الجماعة سنة مؤكدة في قوة الواجب. وممن قال بأنها سنة مؤكدة الكرخي والقدوري ويدل على أن المراد أنها في قوة الواجب قول صاحب التحفة فيما ذكر محمد في غير رواية الأصول أنها واجبة، وقد سمَّاها بعض أصحابنا سنة مؤكدة، وهما سواء» [ 1/ 133، ط. المطبعة الأميرية].
قال برهان الدين البخاري الحنفي: «الجماعة سنة لا يجوز لأحد التأخر عنها إلا بعذر، والأصل فيه قوله عليه السلام: ((لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس وأنظر إلى أقوام تخلفوا عن الجماعة فأحرق بيوتهم))، ومثل هذا الوعيد إنما يلحق تارك الواجب أو تارك السنّة المؤكدة» [المحيط البرهاني 1/ 428، ط. دار الكتب العلمية].
بل إن من الحنفية من أثبت لبعض السنن المؤكدة ما للواجب، ففي شرح الأشباه للحموي عند كلام ابن نجيم على الرواتب وأن منها ركعتي الفجر، قال الحموي: «قوله: «ركعتان قبل الفجر»، قال في الخلاصة: أجمعوا أن ركعتي الفجر قاعدًا من غير عذر لا يجوز، وغيره من السنن يجوز أداؤها قاعدًا من غير عذر حتى التراويح على الصحيح المختار. قيل: إنما كان كذلك مراعاة للقول بوجوبها ولم يقل في غيرها؛ وقد فهم بعضهم من قول علمائنا أن سنة الفجر لا يجوز قاعدًا، أي لا يحل أداؤها قاعدًا وهذا خطأ لما قلنا من مراعاة للقول بوجوبها، كما في شرح الطحاوي من أن هذه سنة مؤكدة اختصت بزيادة تأكيد وترغيب وترهيب ووعيد، فالتحقت بالواجبات. فهذا تصريح بأن معنى لا يجوز: لا يصح». [1/ 120، ط. دار الكتب العلمية].
وبعيدًا عن اصطلاح الحنفية فإن الصلوات المسنونة المؤكَّدة منها ما لا يتبع فرائض ومنه ما يتبع، فالتابع للفرائض أو له وقت معين غير الفرائض تسمى رواتب.
وقد ورد تحديد الرواتب والترغيب في فعلها والمحافظة عليها في عدة أحاديث، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح)). [رواه البخاري].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ)). [رواه البخاري].
وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ))، قالت أم حبيبة: فما تَرَكْتُهُنَّ منذ سمعتُهُنَّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. [رواه مسلم]. وزاد الترمذي: ((أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ)).
والسنن الرواتب ليست على درجة واحدة من التأكيد -وضابطه كما قلنا مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها- فبعضها آكد من بعض، فالعشر ركعات الواردة في حديث ابن عمر من الرواتب المؤكَّدة، لا سيما ركعتا الفجر فهي آكد الرواتب؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ((لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَد مِنْه تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ)) [متفق عليه]، وفي لفظٍ: ((لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا)). وعنها -أيضًا- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) [رواه مسلم]؛ ولذلك نقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يدع ركعتي الفجر أبدًا، ففي المصنف لابن أبي شيبة من حديث عائشة، قالت: ((أما ما لم يدع صحيحًا ولا مريضًا في سفر ولا حضر غائبًا ولا شاهدًا -تعني النبي صلى الله عليه وسلم- فركعتان قبل الفجر)).
قال ابن القيم: «... ولذلك لم يكن يدعُها -أي النبي صلى الله عليه وسلم- هي والوتر سفرًا ولا حضرًا، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنةً راتبةً غيرهما» [زاد المعاد 1/ 305، ط. مؤسسة الرسالة].
هذا بالإضافة إلى أن سائر النوافل ومنها الرواتب إنما شرعت لجبر الخلل وتكميل النقصان الواقع في الفرائض، وفي الحديث: ((إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك)) [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه]، كما أن المحافظة على النوافل والمواظبة على فعلها فيه من العناية بدين الله والاهتمام بشرعه والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم عملًا بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.. [الأحزاب: 21]، والمداومة على الإخلال بها بلا عذر يعكس مدى عدم الاكتراث بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نصَّ العلماء على أن تارك الرواتب مطلقًا ترد شهادته لسقوط عدالته بنقصان دينه، يقول الإمام النووي: «من واظب على ترك الراتبة أو تسبيحات الركوع والسجود رُدَّت شهادته لتهاونه بالدين» [المجموع 4/ 30، ط. دار الفكر].
وقد نقل عن الإمام أحمد أن تارك الوتر متعمدًا رجل سوء، وذلك لتأكد سنية الوتر. [راجع على سبيل المثال: المبدع لابن مفلح 2/ 21، ط. دار الكتب العلمية].
ويقول الإمام البهوتي عند بيان شروط من تقبل شهادته: «(السادس: العدالة وهي استواء أحواله) أي الشخص (في دينه، واعتدال أقواله وأفعاله، ويعتبر لها) أي العدالة (شيئان) أحدهما (الصلاح في الدين، وهو) نوعان (أداء الفرائض) أي الصلوات الخمس والجمعة. قلت: وما وجب من صوم وحج وزكاة وغيرهم (برواتبها) أي سنن الصلاة الراتبة، نقل أبو طالب: الوتر سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ترك سنة -أي دائما- من سننه صلى الله عليه وسلم فهو رجل سوء (فلا تقبل ممن داوم على تركها) أي الرواتب، فإن تهاونه بها يدل على عدم محافظته على أسباب دينه، وربما جره التهاون بها إلى التهاون بالفرائض، وتقبل ممن تركها في بعض الأيام». [شرح المنتهى 3/ 589، ط. عالم الكتب].
فلا ملامة ولا إثم على مَن ترك سنة من السنن الرواتب المؤكَّدة ما لم يداوم أو يواظب على الترك مطلقًا، فإن واظب على الترك مطلقًا فإنه مُلامٌ لاستهانته بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وأن المواظبة والمداومة على الشيء فيها نوع قصد وحرص، ومن قصد ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم المؤكَّدة وداوم عليها فلا شك في أنه يتهاون في دينه، ومع ذلك فإن الإمام الشاطبي ينحى منحًى آخر في مسألة ترك السنن، فيفرق بين ترك السنة في النظر الكلي والنظر الجزئي، يقول الشاطبي في موضع: «وكما أن من حقيقة استقرار المندوب أن لا يسوَّى بينه وبين الواجب في الفعل، كذلك من حقيقة استقراره أن لا يسوَّى بينه وبين بعض المباحات في الترك المطلق من غير بيان؛ فإنه لو وقعت التسوية بينهما لفهم من ذلك مشروعية الترك، ولم يفهم كون المندوب مندوبًا، هذا وجه. ووجه آخر: وهو أن في ترك المندوب إخلالًا بأمر كلي فيه، ومن المندوبات ما هو واجب بالكل؛ فيؤدي تركه مطلقا إلى الإخلال بالواجب، بل لابد فيه من العمل به ليظهر للناس فيعملوا به، وهذا مطلوب ممن يقتدى به كما كان شأن السلف الصالح» .. [الموافقات 1/ 108، ط. دار ابن عفان].
وقال في موضع آخر: «إذا كان الفعل مندوبًا بالجزء كان واجبًا بالكل؛ كالأذان في المساجد الجوامع أو غيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوع، والنكاح، والوتر، والفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب؛ فإنها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجُرِّح التارك لها، ألا ترى أن في الأذان إظهارًا لشعائر الإسلام، ولذلك يستحق أهل المصر القتال إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة من داوم على تركها يُجرَّح فلا تقبل شهادته؛ لأن في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعَّد الرسول عليه السلام من داوم على ترك الجماعة فهَمَّ أن يحرق عليهم بيوتهم، كما كان عليه السلام لا يُغير على قوم حتى يصبح، فإن سمع أذانًا أمسك، وإلا أغار، والنكاح لا يخفى ما فيه مما هو مقصود للشارع من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك؛ فالترك لها جملةً مؤثرٌ في أوضاع الدين إذا كان دائمًا، أما إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له، فلا محظور في الترك». [1/ 211].
والإمام الشاطبي بنظرته هذه يجعل من المندوب (مندوبًا كفائيًّا) في مقابلة (الواجب الكفائي)، ويرتِّب على ذلك أن المندوب الكفائي يلحق الإثم تاركوه إن هم أجمعوا على تركه، بل إن الشاطبي يذهب بالنظر المقاصدي إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو يرى أن المندوب الكفائي راجع بالنظر الكلي إلى مرتبة الضروري، وهو واضح من الأمثلة التي ذكرها في النص الأخير.
وعليه فإن المداومة على السنة المؤكدة مطلقا تؤثر على عدالة تاركها، ومن تركها في بعض الأيام والأوقات فلا شيء عليه، لكن لا يجوز للمجتمع كله ترك السنن الكفائية التي تعد من شعائر الإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.