القاهرة - رغم ترحيب المواطنين بقرار الحكومة المصرية تجميد العمل بقانون الضريبة العقارية، إلا أن القرار خلق حالة من الجدل الكبير، حيث رأى البعض أن إعفاء أصحاب العقارات الفاخرة من الضرائب في وقت تحتاج مصر فيه لسيولة أمر غير مقبول. ولم تعلن الحكومة البدائل التي ستطبقها عقب إلغاء قانون الضريبة ما أثار حالة من الريبة لدى المواطنين حول الآلية الجديدة التي سيتم تطبيقها، فيما يرى خبراء عدم قانونية تجميد العمل بالقانون من قبل مجلس الوزراء. ولفت الخبراء أن هذا التجميد لا يعني إلغاء الضريبة العقارية، وإنما سيتم التحصيل طبقا للقانون القديم رقم 56 لسنة 1954 مؤقتا, موضحين في الوقت ذاته أن الفترة الحالية تشهد ضبابية داخل مصلحة الضرائب؛ مما يستوجب معه تدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر؛ لتوضيح الموقف المعلق بعد تجميد القانون الضريبي العقاري. ورئيس النقابة المستقلة للضرائب العقارية، كمال أبوعيطة يؤكد أن القانون الجديد مجمد بالفعل منذ صدوره ولم يتم تحصيل أموال على أساسه أبدا، وكل ما تم هو أعمال الحصر والتقدير، وهي أعمال لا تزال مستمرة في المدن الجديدة لتكوين قاعدة بيانات عقارية، مؤكدا أن الأزمة الحقيقية تتمثل في أن قرار التجميد كان يجب أن يقترن بتفعيل التحصيل على أساس القوانين القديمة، مشيرا إلى وجود متأخرات قديمة كان يجب أن تحصل، ولكن تجميد القانون الجديد وعدم تفعيل القانون القديم أهدر حق الدولة على حد قوله. وأشار أبوعيطة إلى أن مأموري الضرائب العقارية سيعملون بشكل مؤقت وفقاً لمواد قانون الضريبة العقارية الحالي؛ لحين صدور قانون جديد يعالج أخطاء القانون السابق ويحقق العدالة الاجتماعية. ومن جانبه أكد الدكتور محمود ناجي، أستاذ المحاسبة والمراجعة بجامعة القاهرة، أن قرار تجميد قانون الضرائب العقارية الجديد سيضطر الحكومة المصرية إلى استئناف العمل بالقانون القديم بصفة مؤقتة إلى أن تنتهي الحكومة المصرية من إعداد مشروع قانون جديد. ولفت "ناجي" إلى أن القانون القديم الذي ستعمل به مصر مؤقتا لحين إشعار آخر يفتقد العدالة في تطبيقه؛ لأن هذا القانون تخضع له العقارات داخل كردون المدن القديمة، وهذا يعني إعفاء جميع المنتجعات السياحية في شرم الشيخ والساحل الشمالي والعين السخنة من أي ضريبة عقارية. إلا أن ناجي قال إن قانون الضريبة العقارية ولد مشوهًا وجاء من رحم النظام السابق، مؤكدا أن ما يحدث حاليا من تخبط تشريعي يعد تطوراً طبيعياً في ظل الثورة التي شهدتها مصر أخيرا، مشيرا إلى الغموض الذي يحيط بمصير عمليات التقييم والفحص التي جرت للعقارات خلال الفترة الماضية، وأكد أهمية الحاجة إلى نظام ضريبي شامل وجديد يصاغ وفقا للظروف الحالية وبما يحقق مصلحة الأفراد والمجتمع. أما أحمد منصور -المحاسب قانوني وعضو الجمعية المصرية لخبراء الضرائب العقارية، فأكد أن قرار تجميد الضريبة العقارية غير قانوني؛ لأنه وفقا للترتيبات الدستورية الصادرة في مصر عقب ثورة 25 يناير يجب أن يتم هذا التجميد بموجب قانون جديد يصدر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر، معتبراً أن قرار التجميد مجرد توصية من مجلس الوزراء. وأشار "منصور" إلى أن هناك بعض المواد التي ألغيت وغيرها تم تعديلها في ضريبة الدخل كما تم وقف التعامل بقانون العوائد، عقب صدور قانون الضريبة العقارية، وقال إنه في حالة العمل بالقانون القديم فلابد من وضع بنود ولوائح لحصر الوحدات السكنية وتقييمها بشكل سليم، حتى يمكن للجان فرض قيمة عادلة للعوائد لا تبخس حق المواطن أو الدولة. وتوقع أن يتم الإعلان قريبًا عن لجنة متخصصة لدراسة القانون القديم تمهيدا لتطبيقه أو لإعادة النظر في بعض بنوده، مؤكدا أن تفعيل تطبيق قانون الضرائب العقارية بعدالة يحقق العدالة الضريبية ويوفر حصيلة نقدية تحتاجها الحكومة المصرية في الوقت الحالي. ويذكر أن قانون الضرائب العقارية -الذي أصدر رئيس الوزراء المصري د. عصام شرف قرارًا بتجميده- كان يفرض ضرائب على جميع العقارات المبنية على أرض مصر، سواء كانت عمارة أو فيلا أو شاليها أو عوامة أو شقة سكنية، كما كان يفرض ضرائب أيضاً على الأراضي الفضاء المستغلة مثل الجراجات أو المشاتل، بل ويشمل التركيبات المقامة على أسطح المنازل أو المعلقة على واجهتها مثل شبكة تقوية المحمول أو لافتات الدعاية. وتخضع العقارات لضريبة نسبية يبلغ سعرها 10% من القيمة الإيجارية للعقار بعد خصم 30% للوحدات السكنية و32% للوحدات غير السكنية مقابل تكاليف الصيانة. وكان استطلاع قد أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري قد كشف عن موافقة 22% فقط من المواطنين على الضريبة العقارية، فيما رفضها 59% منهم من عينة شملت 1227 أسرة، وأظهر الاستطلاع أن المواطنين برروا عدم موافقتهم على مبدأ تطبيق الضريبة العقارية بعدة أسباب، وقد جاء في مقدمتها أن السكن الخاص لا يعود عليهم بعائد مادي، في المقابل برر الذين وافقوا على تطبيق قانون الضرائب العقارية موافقتهم على فرض ضرائب عقارية بأن حصيلة الضرائب توظف في خدمة المجتمع وتساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية. محمد سليمان، أحد المواطنين المصريين الذين قدموا إقرارًا لمصلحة الضرائب العقارية العام الماضي، قال إن إلغاء الضرائب العقارية دليل على أن الحكومة المصرية الجديدة عقب ثورة 25 يناير لم تعد تتبنى نفس سياسات الجباية التي كانت تتبناها الحكومات المصرية السابقة قبل الثورة، مشيرا إلى أنه قدم الإقرار عن الوحدة السكنية التي يمتلكها العام الماضي ولم يعلم حتى الآن موقفه الضريبي، حيث لم تخطره مصلحة الضرائب بإعفائه من الضرائب العقارية أو فرض ضريبة عليه، مشيرا إلى أن ما علمه عن قانون الضرائب العقارية أنه استثنى العقارات التي يقل ثمنها عن 500 ألف جنيه من دفع أي ضريبة عقارية، بالرغم من اللبس الذي يمكن أن يشوب عمل لجان حصر وتقدير قيمة العقارات.