أودعت محكمة جنايات شمال القاهرة، برئاسة المستشار محمد فتحي صادق، حيثيات حكمها ببراءة 62 من أنصار جماعة الإخوان، في القضية المتهمين فيها بالشروع في القتل، والبلطجة، واستعمال القوة والعنف مع الشرطة، وحيازة أسلحة نارية، وذخائر بدون ترخيص، وحيازة أسلحة بيضاء بدون ترخيص، وتخريب المنشآت العامة، والتجمهر وقطع الطريق، وتعطيل وسائل النقل، وحيازة مواد معجلة للاشتعال ''مولوتوف'' في أحداث الأزبكية ومحيط ميدان رمسيس. قالت المحكمة في أسباب الحكم، أولًا: أن الحراك السياسي للشعب المصري بدأ في 25 يناير 2011 ومازال حتى هذه اللحظة، فالشارع السياسي يموج باختلاف الآراء السياسية، ما بين مؤيد لاتجاه، ومعارض لاتجاه، وأن من سلسله الحراك السياسي للشعب المصري أحداث يونيو 2013 وبداية يوليو 2013 وكانت من نتيجة لتلك الأحداث أن هناك فريق مؤيد لما حدث في الفترة من نهاية يونيو 2013 وأوائل يوليو 2013، وهناك فريق آخر معارض، وكلا الفريقين يرى صالح الوطن المصري من وجهه نظره. ثانيًا: أن موضوع تلك الدعوى المطروحة أمام المحكمة، الأحداث التي تمت في محيط ميدان رمسيس يوم 15 يوليو 2013 وما ارتبط بها من جرائم نسبت للفريق المعارض لما حدث بتاريخ 3 يوليو 2013. ثالثا: أن هناك جرائم تمثلت في التجمهر المؤلف من أكثر من 5 اشخاص، بغرض ارتكاب جرائم الشروع في القتل العمد، والإصابة والحريق العمد، والاتلاف العمد للأموال العامة والخاصة، وتعطيل المواصلات العامة، وحيازة الأسلحة والذخائر بأنواعها، سواء النارية أو المفرقعات أو الأسلحة البيضاء، ومقاومة السلطات العامة، حسبما ورد تفصيلًا في أمر الإحالة. رابعًا: أن تلك الجرائم قد وقعت بالفعل، فهناك مصابين وأماكن مملوكه ملكية عامة وخاصة، تعرضت للحريق العمد، أو الاتلاف العمد، وهناك تعطيل للمواصلات العامة، بالإضافة إلى جرائم احراز الأسلحة والذخائر، والمفرقعات، وترويع الآمنين، ومقاومة السلطات. خامسا: أن النيابة العامة نسبت للمتهمين الماثلين أمام المحكمة، الوارد اسمائهم تفصيليا بأمر الإحالة بمشاركه مجهولين ارتكاب الجرائم الواردة تفصيليًا في أمر الإحالة. لم يوجه اتهام لشخص معين سادسًا: أن النيابة العامة أقامت اتهامها للمتهمين على الأدلة التي وردت تفصيليًا في قائمة أدلة الثبوت وملاحظات النيابة العامة بأن أقوال شهوت الاثبات التي استندت إليها النيابة، تنقسم تلك الشهادة إلى قسمين، الأول شهادة ضباط الشرطة بقسم الأزبكية وقطاع الأمن الوطني، والمباحث الجنائية، وكل منهم أثبت بشهادته أن تحرياتهم السرية دلت على أن جماعة الإخوان المسلمين وراء الأحداث، وأنها حرضت المتظاهرين البالغ عددهم ألف وخمسمائة شخص، من ضمنهم المتهمين الوارد أسمائهم بأمر الإحالة على ارتكاب الجرائم الواردة بأمر الإحالة، ومن شهود أدلة الاثبات وهم المجني عليهم في جرائم الإصابة العمد والشروع في القتل وجرائم الحريق العمد، والاتلاف العمد، وتتحصل شهاده كل منهم في أنه قد أُصيب في الأحداث أو أتلف أو حرق ماله في الأحداث، دون أن يوجه اتهامه إلى شخص معين من أشخاص المتهمين الماثلين أمام المحكمة، بل كان الاتهام للمتظاهرين. الافتراض غير الحقيقة سابعًا: أن النيابة العامة افترضت، والافتراض غير الحقيقة، أن المتهمين محل أمر الإحالة كانوا من ضمن أفراد التجمهر البالغ عدده ألف وخمسمائة شخص، على قول ضباط الشرطة، أو ثلاثة الاف شخص حسب أقوال أحد الشهود، وبنيت النيابة العامة افتراضها السابق من اشتراك كافه المتهمين في التجمهر، وبالتالي فهم يتحملوا مسئولية كافة الجرائم التي ارتكبها التجمهر، حسبما يقضي بذلك قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914 المعدل بالقانون 87 لسنة 1968. ثامنًا: أن النيابة في اتهامها محل الدعوى، كان عليها أن تثبت بأدلة يقينية، قائمة على منطق الجزم واليقين، وليس الشك والترجيح أن المتهمين محل أمر الإحالة شاركوا فعلًا في التظاهر الذي تم في أحداث ميدان رمسيس يوم 15 يوليو 2013 حتى يمكن أن يسند إليهم كافه الجرائم التي ارتكبها هذا التظاهر الوارد بأمر الإحالة. وجاء في الحيثيات: والسؤال الآن هل النيابة العامة جاءت بأدلة يقينيه مؤسسة على الجزم واليقين على أن هؤلاء المتهمين الماثلين كانوا من ضمن أفراد التجمهر والتظاهر، وشاركوا مع المتهمين المجهولين في ارتكاب الأحداث، حتى يمكن مساءلتهم عن كافه جرائم التجمهر؟ والإجابة على هذا السؤال تقضي الرجوع إلى نص المادة 30 من قانون الاجراءات الجنائية التي نصت أن تكون الجريمة متلبسًا بها حال ارتكابها، أو عقب ارتكابها ببرهه يسيره. ونصت المادة 37 من قانون الاجراءات الجنائية لكل من شاهد الجاني متلبسًا بجناية، أو جنحه يجوز فيها قانونًا الحبس الاحتياطي، أن يسلمه إلى أقرب رجل من رجال السلطة العامة، دون احتياج إلى أمر بضبطه, هذا حكم القانون في حاله التلبس بارتكاب الجريمة، أما المتهمين الماثلين أمام المحكمة، فقد تم القبض عليهم متلبسين بارتكاب الجريمة، حسبما قررت النيابة العامة، فهل هناك أدلة يقينية جازمه أمام المحكمة على أن واقعة القبض على كل من المتهمين متلبسًا بالمشاركة في التظاهر، وارتكاب الجرائم الثابتة في أمر الإحالة؟. الضبط تم بواسطة مجهول والإجابة أن القبض على جميع المتهمين تم بواسطه مجهول، سواء كان هذا المجهول من قوات الشرطة، أو أحد الناس، وأغفلت تحقيقات الشرطة، شاركتها تحقيقات سلطة النيابة العامة، تحقيق واقعه التلبس، وفي معرفة من تم القبض على المتهمين إذ أنه عن طريق من قام بالقبض، يولد بالدليل قبل المتهم، فهو الذي يُجيب على أسئلة متى وأين تم القبض على المتهم، وما سبب القبض عليه، وهل كان المتهم يحمل ثمة أسلحه وقت القبض عليه، أم كانت يد خالية. وهل شارك المتهم في التظاهر من عدمه، وما هي الأفعال التي أتاها كل منهم؟ كل هذه التساؤلات جاءت الأوراق والتحقيقات خالية من ثمة إجابة عليها، وكان هذا القبض العشوائي الخالِ من الدليل على المشاركة في التظاهر، وارتكاب جرائمه، وجاءت الأوراق خالية من تحقيق دقيق عن واقعه القبض على المتهمين، ولا ينال من هذا النظر إجابة مأموري الضبط القضائي، بأنه لم يقبض على المتهمين على سبيل الخطأ، فالمحكمة لا تطمئن لهذا القول، ولا تعول عليه، وهو قول مرسل لا سند له، كما أن الأوراق جاءت خاليه تمامًا من أدله تثبت اتفاق تم بين المتهمين والمتظاهرين المجهولين قبل واقعة التظاهر. المشاهد المصورة لم تُظهر المتهمين كما أن ''السيديهات'' المضبوطة المسجلة للأحداث جاءت خالية تمامًا من شخص أحد المتهمين الماثلين ف ''السيديهات'' المضبوطة للأحداث كما هو ثابت من مشاهدة المحكمة لها، أنها جاءت غير واضحه، وتصوير ليلي، كما قرر ممثل النيابة أن المشاهد المصورة لا يُمكن الجزم معها، إذ كان أيًا من المتهمين الماثلين قد شارك في الأحداث، فإن الأوراق جاءت خالية تمامًا من ثمة دليل يقيني على أن المتهمين الماثلين كانوا على اتفاق مع المتظاهرين، وكانوا من ضمن أفراد هذا التظاهر، سوى ما جاء بتحريات مباحث الأمن الوطني، والمباحث الجنائية، ومن المقرر والمسقر في القضاء الجنائي، أن التحريات لا تكفي وحدها أن تكون دليلًا يُمكن الاعتماد عليه بمفرده، ليكون دليلًا على ارتكاب المتهمين ما نُسب إليهم من جرائم. ''رمسيس'' مركز نشاط تجاري تاسعا: أن مكان وزمان الضبط يؤيد دفاع كل من المتهمين على حده، فزمان الضبط في شهر رمضان عقب صلاة التراويح، ومكان الضبط ميدان رمسيس وما حوله من شوارع، وهو مركز النشاط التجاري في وسط المدينة، وبعض المتهمين قبض عليهم في ميدان العتبة بدائرة قسم الموسكي، وباستعراض دفاع كل متهم عن سبب تواجده بالقرب من منطقة الأحداث، يوائم المنطق والمجرى العادي للأمور، فميدان رمسيس يقع به محطة سكك حديد مصر، المحطة الأم، ومحطه مترو الأنفاق الرئيسية، ومعبر للقادمين والمغادرين لمدينة القاهرة، وطريق وسط المدينة التجاري، وكل من المتهمين أبدى سببًا مقبولًا ومعقولًا لتواجده في مكان الضبط، ليس بسبب التظاهر، وفي حالة غياب الدليل اليقيني على اشتراكهم في التظاهر، أما ما قاله المتهم عبد الجابر نصر الدين فراج، أنه قدم من بلدته لتأييد الشرعية، أي نظام ما قبل 3 يوليو 2013 فلقد قرر المتهم أنه قُبض عليه عند وصوله ميدان رمسيس، ونفى مشاركته في المظاهرات والتجمهر، ولا يجوز أن يكون تقرير المتهم بحضوره إلى القاهرة لتأييد الشرعية حسبما قرر دليلًا في مشاركته في التجمهر، فهو لم يقل ذلك، وخلت الأوراق من ثمة دليل على ذلك، إذ أنه قُبض عليه بواسطه مجهولو كيف يرتكب جريمة وهو يحمل كاميرا؟ أما المتهم أحمد منصور قرني عبد العاطي، الذي قرر أنه خرج من اعتصام رابعة في طريقه إلى رمسيس، فلقد نفى اشتراكه في مظاهرات رمسيس، وقرر أنه قُبض عليه في محطه غمره، قبل ميدان رمسيس بنحو ما يقرب من كيلو متر، وخلت الأوراق من دليل على اشتراكه في التظاهر، إذ أن القبض عليه تم بواسطة، مجهول، أيضًا إذ أن القبض العشوائي أسفر عن القبض على مصور فوتوغرافي يُدعى فارسسيسو كوانتريوس، وقد أُخلي سبيله، واستبعد من الاتهام، بينما المتهم محمد بدر، المصور الصحفي، قُبض عليه حاملًا كاميرا، وزُج به في قرار الاتهام، ويستعصي على منطق الأمور أن يقوم مصور صحفي بالاشتراك في التظاهر وارتكاب الجرائم، وهو يحمل كاميرا صحفية، ثم يتم القبض عليه بمعرفه مجهول، ولما كان ما تقدم، وكان من المقرر قانونًا أن يكفي أن تتشكك المحكمة في صحة اسناد التهمة إلى المتهم، أو عدم كفاية أدلة الثبوت للقضاء، وأنه من المقرر وجوب أن تُبنى الاحكام الجنائية على الجزم واليقين لأعلى الظن والاحتمال، وكفاية الشك في صحة إسناد التهمة سند البراءة. واختتمت الحيثيات ''بأنه ولما كان ذلك وجاءت الأوراق خالية من ثمة دليل على اشتراك المتهمين في التظاهرات التي تمت في منطقة الأحداث على النحو المتقدم، مما يتعين معه القضاء ببراءة جميع المتهمين، مما نُسب إليهم، عملًا بالمادة 304 من قانون الاجراءات الجنائية. كانت المحكمة، برئاسة المستشار محمد فتحي صادق، وعضويي المستشارين خليل عمر عبد العزيز، وعبد الغفار جاد الله، بأمانه سر رفاعي فهمي محمد سليمان، وحسام كمال، قد قضت في جلستها في 2 فبراير الماضي، حضوريًا، ببراءة المتهمين. كان المستشار هشام بركات، النائب العام، قد قرر إحالة 62 متهمًا من أنصار الإخوان، من بينهم محمد بدر مصور قناة الجزيرة، إلى محكمة جنايات القاهرة، لاتهامهم بارتكاب أعمال العنف، والشغب التي جرت على نطاق واسع في ميدان رمسيس، منتصف شهر يوليو الماضي، وما تضمنته من محاولة اقتحام قسم شرطة الأزبكية، واستهداف الضباط، وأفراد الشرطة بأسلحة نارية، وخرطوش، وقطع الطريق أعلى كوبرى السادس من أكتوبر.