اقتربت دولة إثيوبيا من إتمام البنية الرئيسية للسد المعروف باسم سد ''النهضة''. 74 مليار متر مكعب من المياه سيحتجزها ذلك السد خلف جسده، الذي بدأت أديس أبابا فعليًا في بناء هيكله، فيما يبقي الصمت الحكومي سيد الموقف. مع ازدياد واشتداد الأزمات الداخلية، والحرب على ما يُعرف ب''الإرهاب''، أهملت الحكومة بشكل كامل ملف المياه، المتعلق مباشرًة بأمنها القومي. ''بالتأكيد''، لفظ أطلقه عضو اللجنة الثلاثية لتقييم أثار بناء سد النهضة الإثيوبي، الدكتور علاء الظواهري - أحد خبراء السدود، معلقًا على احتمالية ''جفاف'' نهر النيل، خلال ندوة عقدها المركز الثقافي الألماني ضمن مشروع تحرير لاونج. تنقسم مصادر المياه في مصر إلى مصادر تقليدية ''مياه متجددة سطحية وجوفية''، ومصادر غير تقليدية ''حصاد الأمطار والسيول''. وتعتمد بلادنا بشكل كامل على المياه السطحية القادمة من نهر النيل بنسبة تتجاوز ال95%، حسب الظواهري، الذي يؤكد أن استهلاكات مياه الشرب تتجاوز 9 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، فيما تزيد استهلاكات مياه الري عن 63 مليار متر مكعب مياه سنويًا. 84 مليار متر مكعب من المياه تأتي لمصر عن طريق نهر النيل؛ منها أكثر من 72 مليار متر مكعب من إثيوبيا وحدها؛ 48 مليار يأتون من النيل الأزرق، المقرر إقامة السد عليه. يشير ''الظواهري'' إلى أن إقامة سد النهضة بتصميمه الحالي، واستكمال المشروع الهادف إلى بناء 4 سدود أخرى على النهر الأزرق، تتسبب جميعها في جفاف مجرى النهر خلال 24 عامًا على الأكثر. ''الأمر في مجمله يتعلق بالفيضان''؛ هكذا يقول الظواهري، مشيرًا إلى أن امتلاء بحيرة سد النهضة على المستوى المتوسط سيتسبب في استنزاف بحيرة السد العالي بأكملها لتعويض النقص الحادث في مياه النيل والمترتب على حجز مليارات الأمتار المكعبة خلف السد الإثيوبي. هذه النتائج قد تؤدي، بحسب الظواهري، إلى تشريد 2 مليون أسرة، وفقدان 12% من الإنتاج الزراعي، وتلوث المياه، وزيادة نسبة الملوحة في الأرض، والعجز في سد احتياجات مياه الشرب، علاوة على فقد في الطاقة الكهربائية سيصل إلى إنتاج صفري في السنة السادسة لملئ البحيرة الإثيوبية. عديد من الاتفاقيات أبرمتها مصر مع دول حوض النيل، كلها سارية، على حد قول الدكتور مغاوري شحاتة، خبير المياه الجوفية، الذي أكد أن الموقف الإثيوبي ''متعنت وغريب''، ويثبت نية مبيتة من الدولة الإفريقية التي ''تحاول وضع مصر أمام الأمر الواقع، وتستغل الظروف السياسية بالقاهرة لتحقيق مصالح خاصة''. اتفاقية ''هلسنكي'' تضع عددًا من النقاط الواضحة للتوزيع العادل لمياه الأنهار العابرة للحدود؛ منها عدد السكان، ومساحة الحوض وطول النهر، غير أن أهم شرط هو ''ألا يتم تغيير وضع مائي قائم إلا بالتراضي بين دول النهر''، وهو الأمر الذي ضربت به إثيوبيا عرض الحائط، على حد قول الخبير الذي أكد أن مصر ''يجب أن تُعلن أن قضية سد النهضة محل نزاع حتى نستطيع الاحتفاظ بحقوقنا القانونية والتاريخية''. ''الشركة الإيطالية ستسلم السد الأثيوبي (تسليم مفتاح)'' كما يقول الدكتور علاء الظواهري، الذي أشار إلى أن الجانب الإثيوبي لا يملك أي دراسات جدية وحقيقية عن مشروعهم الذي وصفوه ب''التنموي''، على عكس الجانب المصري الذي يملك دراسات وافية وشاملة تثبت الضرر الناجم عنه، غير أن الجانب الإثيوبي ''يشتري الضغط'' ومصر ''تضيعه''، على حد تعبيره. ويؤكد الظواهري أن إثيوبيا تعتزم بناء 4 سدود على النيل الأزرق بطاقة استيعابية قدرها 200 مليار متر مكعب، وهو الأمر الذي سيُفضي إلى ''كارثة'' حال تنفيذه. ماذا لو تم الانتهاء من بناء سد النهضة الإثيوبي؟ سؤال طرحه مصراوي على الدكتور علاء الظواهري، الذي أجاب قائلًا: ''لن يكون أمامنا خيار سوى الدعاء أن يأتي الفيضان وفيرًا''، فحسب قول الظواهري، مصر لن تتأثر ببناء السد إلا في حالة واحدة ''يجي الفيضان بأكثر من 100 مليار متر مكعب لمدة 6 سنين''، إلا أن أيضًا هذه الاحتمالية يصفها الرجل ب''الصفرية''، ويشير خبير السدود إلى أن عمليات استقطاب المياه من قناة ''جونجلي'' في جنوب السودان لن تفي بالغرض، حتى مع ترشيد الاستهلاك. ''السياسة تلعب دورًا حاسمًا في موضوع المياه''، على حد قول الدكتور مغاوري شحاتة، الذي أكد في تصريحات لمصراوي أن تنامي الدور الإثيوبي في جنوب السودان وتدخلها لحل أزمة المتمردين مع حكومة جوبا قد يؤثر على سير المفاوضات المزمع إجرائها قريبًا، فإثيوبيا توسع علاقتها الدبلوماسية مع دول جوارها لمساعدتها في تكوين جبهة ضد مصر في الوقت الذي تهمل فيه مصر علاقاتها الخارجية بسبب مشاكل الداخل. مشاكل السد لا تشمل فقط فترات الامتلاء، فإذا حتى تجاوزت مصر تلك الفترة، فإن احتمالية انهيار سد النهضة قائمة، حسب رؤية الظواهري، الذي أوضح أن انهيار سد بمثل حجم ''النهضة'' سيتسبب في إغراق الخرطوم بالكامل، وتدمير سدي ''سنار'' و''الرصروص''، بالإضافة إلى انهيار جسد السد العالي بوصول المياه المندفعة إلى بحيرة ''ناصر''، وغرق صعيد مصر الذي سيحدث بشكل كامل حسب أكثر التوقعات تفاؤلًا. يرى خبيري المياه أن الحلول تكمن في استخدام مصر ل''قواها الناعمة'' منعًا لبناء السد من الأساس، أو التفاوض على بنائه بسعة 14 مليار متر مكعب مياه، ويشيران إلى ضرورة التحرك على نحو عاجل سريع الخطوات قبل اكتمال بناء السد الإثيوبي.