طارق عبد اللطيف ضحى بحياته من أجل التغيير في مصر إسمه طارق عبد اللطيف. قتل بعد يوم واحد من احتفاله بعيد ميلاده الستة والثلاثين. فقط لأنه شارك في المظاهرات في ساحة التحرير. بعد نحو عام من الثورة تستذكر رانيا زوجها الذي كان أحد أبطال ثورة التغيير في مصر. طارق عبد اللطيف كان قد فقد الأمل في مستقبل الديمقراطية في مصر ولم تعد حياته في بلد النيل آمنة فقرر الهجرة إلى كندا لتوفير مستقبل أفضل له ولعائلته وتعليم جيد لابنتيه. أكمل جميع الأوراق الخاصة بالهجرة ولم يتبق له سوى التقارير الطبية، وكان من لمنتظر أن يذهب في نهاية العام إلى كندا. لكن أحداث يوم 25 يناير 2011 غيرت مجرى حياته. في البداية كان طارق غير متفائل بنتائج المظاهرات في ساحة التحرير، كما تروي زوجته رانيا. ولم يكن يصدق أنه يمكن للمصريين التظاهر فعلا ضد حكم مبارك، فذهب من أجل ذلك إلى وسط المدينة ليتابع ما يجري هناك بأم عينه. وبعد رجوعه من ساحة التحرير حكى لزوجته رانيا ما شاهده. حماس المظاهرات الحاشدة وحطام السيارات المتناثر في المدينة، وأيقن بعدها بأن هذه الاحتجاجات ليست كما عهدها من قبل، وأن التغيير في مصر ممكن، فقرر أن يكون مع الثورة. لم يكن طارق شخصا يحب السياسة، ولم تعجبه أخبار التاريخ والسياسة. مهنته كانت صناعة المكائن وشغفه كان فقط للعلوم والتقنية. في يوم الثامن والعشرون من يناير ذهب طارق كالمعتاد إلى صلاة الجمعة وبعدها أراد الذهاب إلى ساحة التحرير للمشاركة في المظاهرات ضد حكم مبارك. كان ذلك في نفس اليوم الذي اندلعت فيه اشتباكات عنيفة مسلحة بين المحتجين وقوات الأمن المصرية. وتستذكر رانيا حوارها مع زوجها الراحل في ذلك اليوم وكيف وعدها بأن يتجنب المخاطر وأنه ذاهب إلى ساحة التحرير ''لإيصال صوته ضد النظام وليس للتصادم والعراك''، كانت هذه أخر كلمات طارق عبد اللطيف لزوجته. في مواجهة النظام أحد أصدقاء طارق أكد مشاهدته له في اليوم نفسه في الساعة الحادية عشر مساءا مقابل مبنى وزارة الداخلية بالقرب من ساحة التحرير. وشخص أخر بعث بصورة لعائلته يظهر فيها طارق أيضا. غير أن آثار طارق اختفت. بحثت عنه عائلته في كل مكان، في جميع المستشفيات وفي جميع حافظات الجثث في المدينة، دون جدوى، وحتى عند مراكز الشرطة بحثت عنه عائلته أملا في العثور عليه حيا، ولومعتقلا في سجن من السجون، لكن أمالهم خابت. وتسترسل رانيا في ذكر هذه اللحظات الحزينة من حياتها، وتقول: في مطلع شهر آذار وصلتنا بعض الأخبار المتضاربة عن مصير طارق، بعضهم قال إنه في احد السجون، وذكر آخرون إن الجيش قبض عليه. وهنا بدأ التشكك في مصير طارق . وكانت رانيا واثقة من العثور على طارق قيد الحياة. كما سألت بنتا طارق الصغيرتين، مريم وسارة ، باستمرار عن والدهما وفي كل مرة كانت الأم تخبرهما بأنه مع بقية المتظاهرين في ساحة التحرير لإيصال صوته. و''إن المتظاهرين هناك يحاولون الصياح بأعلى أصواتهم، لأن المسؤولين يسكنوا في المنازل العالية ولا يمكنهم سماع أصوات المحتجين ''. جثة طارق بالصدفة أصاب رصاص الشرطة رأس طارق فأودى بحياته عملية البحث عن طارق استمرت دون جدوى، فهو غير موجود في فنادق المدينة أو سجونها وليس مختبئا. لكن في يوم الثامن من شهر آذار، أي بعد خمسة أسابيع من اختفائه جاء احد الأشخاص الغرباء إلى والدي طارق وسألهم إن كانوا يبحثون عن احد أقاربهم، لأنه أيضا يبحث عن أخاه، إبراهيم، المختفي منذ الإحداث. وفي محاولة بحثه الطويلة عن إبراهيم، شاهد شخصا يشبه ابنهما في حافظة الجثث، حيث تغيرت معاليم وجه الجثة بسبب وجودها لمدة طويلة هناك. وأخبره الموظفين المشرفين على ثلاجة الجثث بأنهم قد وجدوا هوية رسمية مكتوب عليها اسم طارق عبد اللطيف في جيب سروال الجثة. وهنا سألهم هذا الرجل الغريب عن سبب امتناعهم عن الاتصال بأهل صاحب الجثة وتسليمها لهم، خصوصا مع وجود جميع المعلومات الخاصة بعائلته في الهوية الرسمية. ذهب والدا طارق مباشرة إلى مكان حفظ الجثث وتعرفوا على ابنهم، طارق. ثم اخبرا الزوجة رانيا بما حدث. لم تستطع رانيا تصديق الخبر، وأصرت على التعرف بنفسها على طارق، لأنها حسب قولها الوحيدة التي تعرف زوجها جيداً، والتي يمكنها التعرف على جثته، وان رجل طارق اليسرى تحمل بقعة زرقاء تميزه، ولا يعرف احد بأمر هذه البقعة سواها. ذهبت رانيا إلى ثلاجة الجثث. وبواسطة هذه البقعة الزرقاء تمكنت من التعرف على زوجها طارق. وعلمت كل العائلة أن طارق فارق الحياة يوم الثامن والعشرين من شهر يناير متأثرا بجراح رصاصتين أصابت رأسه، ثم تم نقله إلى ثلاجة الجثث في المستشفى الذي يعمل فيه والد رانيا، بالصدفة، كطبيب تخدير، وتم تسجيل الجثة هناك كمجهولة الهوية. فيما بعد عرفت رانيا وأقرباء العائلة لاحقا بان الأوامر كانت قد صدرت لمنع تسليم الجثث في ذلك الوقت، فقد حاولت السلطات أن توهم عائلات الضحايا بأن أهاليهم في الحجز، لتخويفهم وردعهم عن الذهاب من جديد إلى ساحة التحرير والاحتجاج ضد حكم مبارك. تحقق حلم طارق بزوال حكم مبارك منذ ذلك الوقت تغيرت حياة رانيا وأطفالها بالكامل. وتقول رانيا ذات الأربع والثلاثون عاما: ''اُجبرت على أن أتخلى عن الكثير من أحلامي، أردت أن أسافر وأتجول بين البلدان مع عائلتي وزوجي، وكنا نخطط سوية بعمل أشياء كثيرة مشتركة''. قبل إسقاط النظام كانت العائلة قد قررت الرحيل عن مصر والذهاب إلى كندا. أما ألان فرانيا لا تود ذلك أبدا وتريد الآن استئناف مسيرة زوجها الراحل وضحايا المطالبين بالتغيير في مصر، وتكافح من اجل مستقبل ديمقراطي في مصر. وتحاول رانيا اليوم توضيح أهداف الثورة وخاصة لمن يتخوف من نتائج أحداث التغيير، وخاصة ممن تضرروا اقتصاديا منها كتجار المواد الغذائية وأصحاب محلات الحلاقة والمهن البسيطة، لان أعمالهم توقفت أو تضررت بسبب الثورة. كما تحاول رانيا أن تقنعهم بما طالبت به ثورتهم، وتشجعهم في مواصلة الثورة وعدم اليأس، وفي الوقت نفسه تطالبهم بعدم السماح لأتباع النظام السابق من استغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة ومحاولاتهم للتأثير على منجزات الثورة في مصر ومسارها بهدف الرجوع من جديد إلى السلطة بعد أن تمكن الشعب من إبعادهم. تأمل رانيا اليوم في التغيير الديمقراطي الحقيقي في مصر وفي وان تصبح مصر نموذجا للتحرر والديمقراطية في العالم العربي، واختتمت حديثها ببعض الكلمات باللغة الألمانية التي تعلمتها في المدرسة الابتدائية حيث قالت: ''آمل أن يقول الناس لي في يوم من الأيام، نتمنى أن تكون بلادنا جميلة مثل مصر''.