تكشف مزاعم الولاياتالمتحدة بأن طائرات الإمارات العربية قصفت - من قواعد في مصر - مدينة طرابلس الليبية خلال الأيام الماضية كيف تحول الصراع الداخلي في ليبيا بطريقة صارخة إلى أزمة أوسع نطاقا ليشمل منطقة الشرق الأوسط بأسرها. كان السبب المباشر للحوادث هو اشتداد الخلاف بشأن الانتخابات التشريعية بين إسلاميين ووطنيين في ليبيا، التي خلقت برلمانا جديدا في يونيو/حزيران. وكان يجب أن يحل مجلس النواب الجديد محل المجلس المؤقت، وهو المؤتمر الوطني العام، الذي انتخب في 2012. وكان أداء الإسلاميين المعتدلين في تلك الانتخابات أسوأ مما كان في الانتخابات السابقة، ولم يقبلوا شرعية الهيئة البرلمانية الجديدة. وبدلا من ذلك، فإنهم يزعمون أن المؤتمر الوطني العام الموجود في طرابلس، هو الهيئة التشريعية الوحيدة، وأن مجلس النواب، الموجود في طبرق، على بعد نحو 1000 كم إلى الشرق، ليس كذلك. ويعارض أعضاء المؤتمر - على وجه الخصوص - الدعوات التي أطلقها مجلس النواب الجديد لطلب التدخل الخارجي لتحسين الأمن في ليبيا، حيث حلت 350 مليشيا مكان الجيش الوطني، وقوات الشرطة. وكان الخلاف في طرابلس نشب قبل شهر من أجل السيطرة على المطار الدولي. وقد تمكن تحالف فجر ليبيا، الذي يدعم الإسلاميين، من السيطرة على منشآت المطار من يد ائتلاف ميلشيا الزنتان، التي تساند الوطنيين. وقد استهدفت الغارات، التي قصفت طرابلس، فجر ليبيا، وهي الآن تسيطر تماما على العاصمة. وهي تنظر إلى الغارات على أنها تدخل صارخ في شؤون ليبيا الداخلية من قبل الإمارات، التي تنفي ضلوعها. ولا يزال تجمع المليشيات المتنافرة، ووحدات القوات الجوية، ومجموعات الجيش تحت قيادة اللواء خليفة حفتر، تسعى جميعا - منذ يونيو/حزيران - إلى القضاء على المليشيات المناصرة للإسلاميين والمتطرفين في مدينة بنغازي، وهي المدينة الثانية في البلاد. وكان سعيها - بطريقة ما - غير موفق، إذ أجبرت المليشيات الإسلامية هناك حليف هذا التجمع الرئيسي، ووهو وحدة القوات الخاصة المعروفة في الجيش بالصاعقة على المغادرة. وبالرغم من ذلك حذر اللواء حفتر بأنه سيوسع نطاق حملته عبر شمال غرب ليبيا. ويبدو أن الغارات الجوية، التي يزعم حفتر أن قواته نفذتها، هي نذير بذلك. وبغض النظر عمن كان وراء الغارات، فقد تعودت ليبيا دائما على تدخل دول أخرى في مشكلاتها. وكانت بريطانيا، وفرنسا، والولاياتالمتحدة، والإمارات، وقطر، تدخلت في الحرب الأهلية في عام 2011 التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي. ولا تزال قطر تساند المجموعات الإسلامية المعتدلة منذ ذلك الحين. وجذب هذا الدعم دولا أخرى، أيضا، بسبب الأزمة الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط، وهي التي تسعى إلى القضاء على الإخوان المسلمين، باعتبارهم قوة سياسية برزت في أعقاب الربيع العربي، وبسبب الانقلاب الذي دعمه الجيش في مصر في يوليو/تموز 2013. وقد تجمعت مصر، والسعودية، والإمارات معا لمواجهة الإخوان المسلمين، والجماعات المماثلة، أينما ظهرت، في مصر، أو في قطاع غزة، أو في ليبيا، على سبيل المثال. واستهدف التحالف الثلاثي المناوئ للإخوان المسلمين قطر، بسبب دعمها للجماعات الإسلامية التي يعارضها، ومن هنا كانت الغارات على طرابلس. ونفت مصر ضلوعها في الهجمات، لكنها ستنخرط في ذلك قريبا، ببساطة بسبب مخاوفها من أن المليشيات الإسلامية المتشددة في بنغازي ستتوسع قريبا خارج نطاق حدودها. ولهذا كثرت زيارات اللواء حفتر إلى القاهرة. ويجب على مصر أن تقلق جدا من الوضع في مدينة درنة الشرقية، حيث أعلن المتطرفون هناك الخلافة تقليدا لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي يثير الخوف في المنطقة، ويسيطر على مساحات كبيرة من العراق وسوريا. وليس هذا هو شعور مصر وحدها، إذ بدأ الأوروبيون يقلقون من أن هذا التطرف قد يعبر إلى البحر المتوسط.