لندن (رويترز) - يطلق الهجوم الاسرائيلي على غزة مزيدا من الشرر المتطاير في منطقة الشرق الأوسط القابلة للاشتعال لكن من غير المرجح أن يشعل حربا أوسع نطاقا أو يقضي على معاهدة السلام التي وقعتها اسرائيل ومصر عام 1979. وقتل صاروخ أطلقته حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ثلاثة اسرائيليين إلى الشمال من قطاع غزة يوم الخميس وأودى القصف الاسرائيلي بحياة 19 فلسطينيا في مواجهة عسكرية متفاقمة منذ أن اغتالت إسرائيل القائد العسكري لحماس في غزة يوم الاربعاء. وأصبحت حماس أكثر ثقة في الأسابيع الأخيرة بعد زيارة قام بها أمير قطر لغزة والاعتقاد بان اسرائيل لن تغامر بالقيام بعمل عسكري قوي مع سيطرة الإسلاميين على الحكم في مصر. ويواجه الرئيس المصري محمد مرسي الذي طالب واشنطن بكبح الهجمات الإسرائيلية "غير المقبولة" ضغوطا شعبية لاتخاذ إجراءات قوية لكن التخلي عن معاهدة السلام سيثير مخاطر جسيمة أمام دولة لا تزال في حالة اضطراب بعد انتفاضة العام الماضي ضد الرئيس السابق حسني مبارك الذي ظل يحكم البلاد 30 عاما. لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في اتصالات هاتفية مع مرسي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء أكد فحسب على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ولم يلمح إلى أنه يفكر في اعطاء أي دفعة جديدة للسلام مع الفلسطينيين. وتحصل القاهرة على 1.3 مليار دولار سنويا من المساعدات العسكرية الأمريكية وتتطلع إلى واشنطن لمساعدة اقتصادها المتعثر وهو ما يغل يدي مرسي رغم حاجته لأن يظهر للمصريين أن سياساته تختلف عن سياسات سلفه الذي كان مدعوما من الولاياتالمتحدة. وقال نبيل عبد الفتاح من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة إن مرسي لا يستطيع أن يفعل شيئا سوى مناشدة المجتمع الدولي لأن ميزان القوى في المنطقة يميل نحو إسرائيل. وأضاف أن الدول العربية لا تزال أيضا ضعيفة أكثر مما يلزم عسكريا ودبلوماسيا للقيام بتحرك جدي ضد "هذا العدوان". ويواجه أوباما مشاكل أخرى مقلقة في الشرق الاوسط خلال ولايته الثانية من النزاع النووي مع ايران إلى عدم الاستقرار في العراق والصراع في سوريا الذي تسبب في بعض الأحيان في توترات عنيفة على الحدود مع تركيا ولبنان والعراق والأردن وإسرائيل. ويغذي العنصر الطائفي في الصراع السوري -بين المعارضة المسلحة التي يغلب عليها السنة وحكم الرئيس بشار الأسد الذي يهيمن عليه العلويون- خصومة على نطاق أوسع بين دول يقودها السنة وايران الشيعية أقرب حليف للأسد. وأدى هذا إلى حرمان حماس من بعض أصدقائها القدامى. وكانت الحركة الإسلامية السنية متحالفة في السابق مع حزب الله الشيعي اللبناني وإيران وسوريا في "محور المقاومة" ضد اسرائيل والولاياتالمتحدة لكن حملة القمع الدموية التي شنها الأسد على خصومه دفعتها للابتعاد عن دمشق في وقت سابق من هذا العام. وتفجر الإحباط المكبوت في الانتفاضات العربية الأخيرة وأطاح بأربعة من حكامها الراسخين حتى الآن. واندلعت اضطرابات شعبية في الأردن والكويت والبحرين في الأسبوع المنصرم. ويتعين على الحكام العرب سواء الشموليين الذين لم تسقطهم انتفاضات أو المنتخبين حديثا إبداء اهتمام أكبر بمشاعر مواطنيهم المتعاطفين بشكل كبير مع الفلسطينيين. لكن رغم اثارتها للغضب العربي مجددا ربما تمر جهود اسرائيل الاخيرة لوقف صواريخ نشطاء حماس بدون رد عسكري من جانب خصوم آخرين لاسرائيل مثل ايران وسوريا وحزب الله. وقال تيمور جوكسل وهو مستشار سابق لقوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في لبنان انه لا يتوقع تصعيدا اكثر من الادانات شديدة اللهجة من القادة العرب. واضاف "الطريقة الوحيدة لتصاعد هذا الأمر هي إذا اختارات اسرائيل الانتقال إلى الخطوة التالية (في غزة). هذا قرار اسرائيلي ليس من السهل التخمين بشأنه لأن هناك انتخابات اسرائيلية قادمة. لو تركوا الأمور على حالها فسوف يهدأ الموقف." وتمثل قوة اسرائيل العسكرية رادعا لأي خصم حتى لو كان يتمتع بخبرات قتالية عالية مثل حزب الله في لبنان. وخاضت الحركة الشيعية القوية حربا لم تحسم ضد إسرائيل في لبنان عام 2006 لكنها لم تتدخل أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة في الايام الاخيرة من 2008 والايام الاولى من عام 2009 وسوف تكون حذرة من إثارة حرب أخرى مدمرة باطلاق صواريخ عبر الحدود. وتواجه ايران التي انهكتها العقوبات الغربية بالفعل تهديدات اسرائيلية بمهاجمة منشآتها النووية على الرغم من نفيها أنها تطمح لحيازة ترسانة نووية مثل الترسانة الإسرائيلية المفترضة. ويبدو من المرجح أنها لن تدخل في صراع شامل بسبب قطاع غزة. وسوريا مشغولة بازمتها الداخلية وليست في وضع يسمح لها بمهاجمة إسرائيل. لكن تبادلا لاطلاق النار هذا الاسبوع كسر عقودا من الهدوء على الخط الفاصل بين سوريا ومرتفعات الجولان التي تحتلها اسرائيل فيما غذى التكهنات بان الاسد قد يثير المشاكل هناك لصرف الاهتمام بعيدا عن محنته. ويقول المعلق رامي خوري ومقره في بيروت ان المواجهة في غزة قد تصرف الاهتمام لفترة وجيزة بعيدا عن سوريا لكنها لن تؤثر بشكل كبير على الصراع هناك. ويضيف ان الصراع بين اسرائيل وحماس ذو طبيعة دينامية متجددة. ويضيف أن التفجر الجديد للعنف ليس مستغربا لأن هناك استراتيجية ثابتة للمقاومة من جانب عدة جماعات بإطلاق النار على اسرائيل "ردا على الحصار" في إشارة الى القيود الاسرائيلية على قطاع غزة. وخلال دورة العنف والاعمال الانتقامية هذا العام سقط نحو 800 صاروخ من غزة على جنوب إسرائيل وتعطلت الحياة هناك وتراكمت ضغوط سياسية على نتنياهو الذي يواجه انتخابات برلمانية في يناير كانون الثاني للرد. وتشعر اسرائيل بالقلق بشأن رد فعل مصري محتمل لكن ذلك لم يمنعها. وكانت الحكومة تنصلت هذا الشهر من تعليقات جلعاد عاموس وهو مساعد كبير لوزير الدفاع قال فيها ان الإخوان المسلمين في مصر يديرون دكتاتورية "مروعة". وقال نتنياهو يوم الاربعاء "نقلنا اليوم رسالة واضحة إلى منظمة حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية " مضيفا ان اسرائيل ستوسع الهجوم إذا لزم الأمر. ولم تستبعد اسرائيل تنفيذ اجتياح بري في اطار العملية العسكرية التي بدأت يوم الاربعاء. ودعا الجناح المسلح لحماس للانتقام قائلا إن "الاحتلال فتح أبواب جهنم" على نفسه. (إعداد أيمن مسلم للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي)