القاهرة - تشهد السوق المصرية حاليا عددا من الصفقات الكبرى التي سوف تعيد رسم خريطة القطاع المالي، وتمهد لدخول لاعبين جدد للسوق، خاصة من الشركات والمؤسسات الخليجية الكبرى. وتأتي في مقدمة هذه المؤسسات الخليجية، الهادفة للحصول على موقع مؤثر داخل السوق المصرية، كل من أبراج كابيتال الإماراتية وكيو انفست القطرية وبيت التمويل الكويتي. وتسعى هذه الشركات إما للاستحواذ على كيانات استثمارية مصرية كبرى أحرزت نجاحا على مدى السنوات الماضية أو التواجد في السوق عبر مكاتب تمثيل، أو شراء شركات صغيرة لديها فرصا للنمو، ومن ثم يمكن ضخ استثمارات جديدة في هذه الشركات لمنحها فرصة النمو المستقبلي وتحويلها تدريجيا إلى كيانات كبيرة. وتأتي تحركات المؤسسات الخليجية بهدف الاستفادة من الأوضاع الحالية الهشة نسبيا في السوق المصرية والاستحواذ على كيانات استثمارية كبرى بأسعار مقبولة وكذلك الاستعداد لمرحلة الانطلاق الاقتصادي والرواج المتوقعة في مصر فور حدوث استقرار سياسي وإنجاز عملية التحول الديموقراطي الراهنة. وجاءت الصفقة الكبرى منذ أسابيع والخاصة بعرض شراء تقدمت به مجموعة كيو انفست القطرية لنحو 60% من أسهم المجموعة المالية “هيرمس القابضة"، وهي الصفقة التي تستهدف تكوين أكبر بنك استثمار إقليمي، تمتد أذرعه بين شمال أفريقيا ودول جنوب شرق آسيا، مرورا بدول منطقة الخليج العربي. وعلى الرغم من أن هذه الصفقة لم تكتمل حتى الآن فقد خلقت صراعا على هيرمس، حيث تقدمت مجموعة بلانت الاستثمارية التي يملكها عدد من رجال الأعمال المصريين لشراء كامل أسهم المجموعة المالية “هيرمس" مقابل 1?2 مليار دولار بهدف الحفاظ على كيان المجموعة المصرية بلا تفتيت. وبينما لم يتم حسم النزاع على “هيرمس" بين “بلانت" و"كيوانفست" فإن السوق تشهد صفقة أخرى ربما تتم خلال أسابيع قليلة وهي صفقة شراء بنك “ايتشة" التركي لبنك “بيريوس مصر"، وكذلك تفاوض بنك قطر الإسلامي لشراء بنك “بي ان بي باربيا"، وهي الوحدة المصرية التابعة للمجموعة الفرنسية البارزة. تحالفات استراتيجية وسبق هذه الصفقات عملية تفاوض بين مجموعة أبراج كابيتال الإماراتية ومجموعة القلعة المصرية للدخول في شراكة استراتيجية بين الطرفين أو قيام الشركة الإماراتية، الساعية للتوسع في مصر، بالاستحواذ على أنشطة رئيسية تابعة لمجموعة القلعة، وفي مقدمتها نشاط تكرير النفط، حيث تقوم القلعة حاليا ببناء أكبر معمل للتكرير في منطقة مسطرد جنوبالقاهرة، ويستهدف تحويل مادة المازوت إلى سولار، وتصل تكلفته الاستثمارية لأكثر من ثلاثة مليارات دولار. أما بيت التمويل الكويتي فيسعى إلى الوجود بقوة في السوق المصرية، حيث انتهى من تأسيس مكتب تمثيل وإعداد خطة استراتيجية للاستثمار الطويل المدى، وهي خطة ترتكز بدرجة أساسية على إنشاء صندوق لرأس مال المخاطر يقوم بشراء الشركات المتعثرة أو الشركات التي تعاني نقص التمويل لكنها تمتلك فرصا كامنة للنمو ثم تعيد هيكلة هذه الشركات وتضعها على المسار الصحيح ثم تقوم ببيعها والتخارج من رأسمالها بعد ذلك، وتشمل هذه الخطة العمل في المجالات الاستثمارية كافة سواء الصناعية أو الخدمية مما يعني استعداد الشركة لضخ استثمارات ضخمة في السوق المصرية. وعلى الرغم من حالة الترقب التي تسود دوائر المال والأعمال المصرية لنتائج المفاوضات بين أطراف الصفقات الاستثمارية الكبرى سواء المعلن عنها أو التي تدور في طي الكتمان فإن هذه الدوائر ترى في اختيار الأطراف الاستثمارية الخارجية للدخول إلى السوق المصرية في هذا التوقيت امرا مهما لأن التوقيت الحالي يسمح بشراء شركات بأسعار جيدة، ويتيح للجهة المشترية تصميم سياسات استثمارية طويلة الأمد بناء على تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد. وترى هذه الدوائر أن التحركات لا سيما من جانب الشركات الخليجية ذات الوزن الكبير تعكس روح التفاؤل لدى هذه الكيانات الخارجية بمستقبل الاقتصاد المصري، وأن هذا الاقتصاد لا يزال يمتلك فرصا كامنة سوف تعبر عن نفسها في الفترة المقبلة، خاصة في قطاعات استثمارية مهمة، منها قطاع الصناعات التحويلية وقطاع الخدمات المالية وقطاع الاستثمار السياحي والعقاري. جاذبية السوق ويؤكد أحمد الحسيني الرئيس التنفيذي لمجموعة بلانت الاستثمارية أن هذه الصفقات تعكس جاذبية السوق المصرية وامتلاكها مزايا تنافسية كبيرة في المستقبل، وأن أسعار بعض الشركات باتت مغرية للغاية أمام المستثمر الخارجي الذي يخطط لدخول السوق عبر شراء كيانات قائمة وتعمل وناجحة أي أنها سوف تشتري الشركة وعملاؤها أي الكيان والسوق معا الأمر الذي يعزز من أهمية بيع هذه الشركات لكيانات استثمارية مصرية أو عربية حتى لا تقع في أيدي مستثمرين أجانب يحققون من ورائها أرباحا كبيرة، خاصة أنه على سبيل المثال صفقات بيع البنوك تمثل فرصة كبيرة أمام الجهات المشترية. وأوضح أن البنك المركزي المصري لا يسمح بإنشاء بنوك جديدة، لكنه يسمح ببيع بعض البنوك وتغيير هوية المالك، مضيفا"من يشتري بنكا فهو يشتري كيانا قائما، وله عملاؤه، ولديه أرباحه السنوية أي أنه يشتري فرصة استثمارية مضمونة". أما حسين شكري رئيس مجموعة “اتش سي" الاستثمارية، فيؤكد أن السوق المصرية بأوضاعها الراهنة تمثل فرصة استثمارية مغرية سواء لتدني أسعار أسهم الشركات المختلفة أو رغبة البعض في التخارج من شركات قائمة، تمهيداً لتأسيس شركات أخرى أو الدخول في استثمارات جديدة في قطاعات أخرى، ومن ثم وجدنا إقبالا من جانب المجموعات الاستثمارية الكبرى، خاصة الخليجية على اقتناص بعض الفرص السانحة في السوق. وقال: إذا نظرنا إلى أبعد من شركات منطقة الخليج العربي وجدنا رغبة عارمة لدى الشركات والمؤسسات المالية التركية للتواجد في السوق المصرية، وهو ما يفسر قيام بنك “ايتشة" التركي حاليا بعمليات الفحص النافي للجهالة لبنك “بيريوس مصر"، تمهيدا لشرائه.