القاهرة - تبدو أزمة نقص الأسمنت في المنطقة الغربية في طريقها نحو الانفراج، وتوشك الصفوف الطويلة على منافذ توزيعه أن تتبدد، لكن الأزمة في جوهرها مجرد أزمة ضمن سلسلة أزمات موسمية كلما غابت واحدة أطلت الأخرى برأسها. ومن جهته قال الدكتور عبد الرحمن الربيعة رئيس اللجنة الوطنية للتدريب في مجلس الغرف السعودية إن الأزمة سببها غياب التخطيط الاستراتيجي على مستوى المملكة، مشددا على ضرورة وجود لجنة لإدارة الأزمات. وكانت المملكة شهدت على مدى الأعوام الماضية سلسلة أزمات في نقص سلع أساسية، أشهرها أزمة الشعير والحديد وأرز المائدة وصولا إلى أزمة إمدادات الاسمنت في المنطقة الغربية حالياً. وأكد الربيعة على ضرورة وجود لجان في وزارات الحكومة تعمل على التخطيط لمدد لا تقل عن خمسة أعوام، والتنسيق مع الجهات الأخرى لمنع وقوع مثل هذه الأزمات، وإدارتها حين تقع. ويرى الدكتور زامل المقرن رئيس اللجنة الوطنية لشركات الاسمنت في مجلس الغرف السعودية ومدير شركة إسمنت الشرقية أن قيام الدولة بتنفيذ العديد من المشاريع السكنية، ومشاريع البنية التحتية بالإضافة إلى قيام صندوق التنمية العقاري بمنح العديد من المواطنين قروض إسكان، مع عوامل أخرى كهلا تضافرت في إيجاد أزمة الأسمنت في المنطقة الغربية وحدها. ورغم أن بعض سهام النقد طالتها أحيانا، إلا أن شركات الإسمنت تصر على أنها خارج دائرة الاتهام، وتؤكد أن السعر محدد منذ 30 عاما، وأنهم يبيعونه للمستهلك بسعر لا يتجاوز 13 ريالا للكيس الواحد، وأن افتعال مثل هذه المشاكل لا يعود على الشركات بأي ربح إضافي. ويعزو رئيس مجلس إدارة شركة إسمنت تبوك خالد الشثري وقوع مثل هذه الازمات إلى غياب روح الفريق الواحد، مضيفاً أن عدم قيام وزارة التجارة بدورها في اتخاذ القرارات اللازمة لحل الأزمة، ومراقبة نقط التوزيع ساهم في إطالة أمدها. ويؤكد الشثري أن وزارة التجارة والصناعة قادرة على حل سريع للأزمة، قائلاً: "أراهن أن تنتهي الأزمة في أسبوع لو أن الوزارة نسقت مع الجهات التنفيذية، وعززت المراقبة في نقاط التوزيع لمنع استغلال الأزمة وتفاقمها". خلافا للآخرين يرى الشثري أن الإسمنت متوفر، ولا أزمة في البلاد، وأن افتعالا أفضى لاستغلال ثم خلق في النهاية جو أزمة غير حقيقية. ولاحظت العربية نت توفر كميات كبيرة من الاسمنت في أسواق المنطقة الشرقيةوالرياض وبأسعار لا تتجاوز 15 ريال للكيس الواحد. ويطمئن الدكتور المقرن المستهلكين بأن شركات الاسمنت في المنطقة الشرقية تضخ كميات كبيرة من الإسمنت السائب والمكيس في أسواقها الطبيعية، مؤكدا أنه لا خطر من دخول المنطقة في أزمة. وهناك متهم آخر برز متسببا في أزمة الغربية إذ يعتقد كثيرون أن العمالة من أصحاب وسائل نقل الإسمنت من المصانع إلى نقاط التوزيع ساهمت في الأزمة حسبما يعتقد الشثري والدكتور المقرن. وأضاف المقرن إن ما جرى هو إرباك في تسليم كميات الإسمنت المكيس لدى تلك الشركات، وهو وضع دفع ضعاف النفوس من العمالة التي تسيطر على سوق الإسمنت لاستغلال الوضع لرفع الاسعار. وسهام النقد طالت شركة أرامكو التي لم توفر لبعض المصانع الكمية الكافية من الوقود اللازم لعملها كما يقول بعض أصحاب الشركات، حيث قالت شركة إسمنت ينبع إن نقص الوقود أدى إلى توقف خطوط إنتاجها التي تمثل نسبة 32% من إجمالي طاقتها الإنتاجية. وبحسب الدكتور ناصر العقيل مدير عام شركتي إسمنت الرياض والإسمنت الأبيض، فإن خط الإنتاج الجديد في شركة إسمنت ينبع متوقف تماما رغم قدرته على إنتاج عشرة آلاف طن يوميا بسبب عدم وصول إمدادات الوقود من أرامكو للشركة. لكن شركة أرامكو قالت في خبر بثته على موقعها الرسمي إن "كميات الوقود المتعاقد عليها مع شركة إسمنت ينبع متوفرة وأن الناقلين المتعاقدين مع شركة إسمنت ينبع لم يقوموا بنقل الكميات المتعاقد عليها كاملة خلال الفترة الماضية لأسباب تعود لشركة إسمنت ينبع والناقلين". ويقول الدكتور الربيعة إن قرار وزارة التجارة بوقف التصدير ألحق أضرارا بالشركات المنتجة، وأنه ضد التعميم لأن الوضع يختلف من منطقة لأخرى، فالمصانع في المنطقة الشمالية منعت من التصدير رغم أنها اسست للتصدير الخارجي ولديها فائض ولا مشاريع ضخمه في المنطقة، كما أن المنع ألحق ضررا بصورة شركات الاسمنت السعودية في الخارج بسبب عدم الوفاء بالتزامات سابقة بحجة توفير كميات لسوق لا يرى الربيعة أنه يعاني من نقص في الامدادات. ويخالفه الرأي الدكتور عقيل إذ يعتقد أن وقف التصدير سيخفف من الأزمة، ورغم تأييده الشديد للتصدير إلا أنه يؤيد وقف التصدير في هذه الحالة باعتباره "واجبا وطنيا. ويدعو الدكتور الربيعة لفتح باب الاستيراد إن تعذر توفير السلعة من الانتاج المحلي، مثل ما لجأت له وزارة الزراعة سابقا عند شح الإنتاج في بعض المنتجات أحيانا. ويدعو الشثري وغيره إلى إنشاء شركة مساهمة لتوزيع الإسمنت لمنع تكرار مثل هذه الأزمة، ويقول إن تجمع كبار الموزعين في شركة كهذه وإخراج العمالة غير المنظمة من هذا السوق من شأنه حمايته من أزمات مماثلة. كما أن إلزام شركات الإسمنت ببيع إنتاجها "بناء على فسوحات بناء" كما قامت بذلك في أزمات سابقة من شأنه منع التلاعب والاحتكار، ويوفر الإسمنت لجميع المواطنين بالسعر الرسمي من الشركة مباشرة.