مع اقتراب فتح باب الترشح لأول انتخابات رئاسية حقيقية فى تاريخ مصر، بدأ المرشحون «المحتملون» يشغلون الفضاء السياسى بشكل مكثف. فى هذا المشهد يقف الناخب ما بين المؤيد والرافض لهذا المرشح أو ذاك. وفى الجانب الآخر يسابق المتنافسون الزمن لكسب الرأى العام. وبين هؤلاء وهؤلاء يحسب المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان المسلمين حسبتهم لاختيار الرجل الذى سيدعمونه معا، أو منفصلين. لكن يغيب عن الصورة طرف مهم فى المعادلة: مئات بل آلاف الاشخاص الذين يشكلون الحملات الانتخابية التى تقف خلف كل مرشح لتدعمه وتسوقه. صحيح أن مبارك «ترشح» و«فاز» وشكل «حملة انتخابية» عام 2005 لكن التمثيلية برمتها لم تؤخذ على محمل الجد، ولا تحسب فى سجل الانتخابات. اليوم نحن أمام حدث لم نعهده من قبل بكل مراحله: نحو 20 مرشحا «محتملا» سيتقلصون بعد إغلاق باب الترشح، حيث إن شروط القبول توكيلات من 30 نائبا بمجلس الشعب أو 30 ألف مواطن ليست بسيطة. ثم تبدأ الدعاية الانتخابية «الرسمية» بعد ذلك، حيث قدرات المرشحين المالية على تأجير لوحات الإعلانات الضخمة فى شوارع وكبارى مصر، والترويج لأنفسهم بشتى الطرق التى لم نرها بعد. لكن سبق هذا المشهد ساعات طويلة قضاها القائمون على الحملات فى التخطيط والبحث والارتجال منذ أشهر طويلة. من هم؟ يتنوع أبرز المرشحين لكن المشترك بينهم أن حملات الكثيرين منهم، شبيهة لهم إلى حد كبير. بينما تعكس اختيارات بعض المرشحين لمديرى وأعضاء حملاتهم الكثير حول رؤيتهم لمعنى الحملة والدور الذى يجب أن يقوم به أفرادها. يدير حملة موسى الدبلوماسى هشام يوسف، 52 عاما، الذى كان يشغل منصب مدير مكتب أمين عام جامعة الدول العربية، والذى يصف نفسه بأنه «وسطى». فى مكتبه بمقر الحملة فى فيللا أنيقة بالدقى، يقول إنه من مؤيدى السوق الاقتصادية الحرة، لكن «بضوابط» لأنه «فى مصر ليس لديك اختيار سوى أن تتحيز للفقير» لأنهم نصف المجتمع. يعاون يوسف عدد من الدبلوماسيين الحاليين الذين خرجوا إلى المعاش، وخبراء سياسيون ورجال أعمال واقتصاديون محترفو تسويق وعلاقات عامة، ومفكرون، لم يفصح عن أسمائهم. بينما يدير حملة عبدالمنعم أبوالفتوح، أمين عام اتحاد الأطباء العرب وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين سابقا، محمد الشهاوى، 40 عاما، وهو المدير القطرى فى مصر لشركة عالمية متخصصة فى التكنولوجيات، وعضو سابق فى الإخوان المسلمين. ورغم أن قاعدة الحملة هى من شباب «إخوان سابقا» تعكس الأدوار المهمة لمستشارى أبوالفتوح تنوعا سياسيا لافتا للانتباه. فمستشاره السياسى رباب المهدى، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، وهى ماركسية. ومسئوله الإعلامى، على بهنساوى، صحفى ليبرالى، بينما مستشاره الاقتصادى سامر عطا الله، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية يسارى النزعة. بوستر دعم عمرو موسى .. ثقة رئاسية تصوير: أحمد عبد اللطيف وقد يكون مدير حملة محمد سليم العوا، المفكر والمحامى، هو الوحيد بين نظرائه فى الحملات القادم من على رأس إمبراطورية أعمال. هو محمد مؤمن، 46 عاما، رئيس مجلس إدارة شركات مؤمن للأغذية سابقا الذى ترك منصبه المهم بالشركة من أجل التفرغ للحملة. لكنه كان قد اتخذ قرارا يوم 2 فبراير من العام الماضى بأن يكون له دور سياسى، عندما نجا بإصابة من «موقعة الجمل». ويصف مؤمن نفسه قبل 25 يناير بأحد أعضاء «حزب الكنبة غير الراضين عما كان يحدث فى البلد». يتذكر مؤمن أنه قال لزوجته التى انضمت إليه فى 2 فبراير، أن «الثورة يجب أن تنجح حتى النهاية وأن الفرصة قد جاءتنا لاستعادة مصر». ومنذ ذلك الحين وهو ملتزم بقراره استكمال الثورة «مهما كان الثمن». ولأنه كان يعرف العوا من قبل، اختار أن يرافقه فى حملات التوعية السياسية التى كان يقوم بها خارج القاهرة قبل ترشحه. ثم عندما قرر العوا الترشح، وبدأت الحملة تتشكل بشكل تلقائى أولا، ثم فى شكل «تنظيمى» بعد ذلك، تقرر أن يديرها مؤمن. ويدير حملة أحمد شفيق التى بدأت منذ أسابيع قليلة فقط، محمود بركة، الذى يمتلك شركة إنتاج فنى وهو منتج برنامج «البيت بيتك» الشهير الذى توقف عام 2010. واختار حازم صلاح أبواسماعيل النائب البرلمانى السابق والمحامى ألا تكون له حملة بالمعنى التقليدى، لأنها لا تدار بشكل مركزى، وتقوم على تطوع عدة مجموعات. لكنه مع ذلك لديه «مشرف» على الحملة، وهو هانى حافظ، 39 عاما، إخوانى سابق ترك الجماعة منذ ثلاث سنوات، ويعمل مهندسا فى مجال التحكم الآلى. كيف تشكل حملة؟ يتذكر هشام يوسف أنه عندما اتخذ موسى قراره بالترشح فى وقت مبكر من العام الماضى، طلب منه الأمين العام السابق أن يستعد لإدارة حملته الانتخابية. وكان رد يوسف تلقائيا أنه لا يفقه شيئا فى هذا الموضوع. فأجاب موسى «وهل تعتقد أن أى شخص يفقه فى ذلك؟» بعد مرور نحو 10 أشهر على بدء الحملة، تبدو المسألة أقل غموضا. مع اختلاف التفاصيل تبدو الحملات المنظمة متشابهة فى هياكلها بشكل عام، وجميعها باستثناء حازم صلاح أبواسماعيل تتكون من فريق رئيسى تختلف أحجامه ثم لجان أو ملفات مختصة كالإعلام، التسويق، المتطوعين، البرنامج... الخ. ويكون الفريق الرئيسى هو الأكثر تفاعلا بطبيعة الحال مع المرشح، ومن خلالهم، يتم نشر مواد الحملة (مواد مصورة، بيانات، حقائق، أفكار لطبيعة ما يجب أن ينشره المتطوعون بين الناخبين عن المرشح) إلى القاعدة. وتعتمد جميع الحملات أيضا على خدمات وخبرات متطوعة أو مدفوعة الأجر من خارج الحملة. والمثير أن جميعهم يراقبون الحملات المنافسة كجزء من عملهم. يقول سعيد زعتر، 49 عاما، مسئول المحافظات فى حملة موسى وهو ضابط شرطة سابق ورجل أعمال حالى إن المسألة كلها ليست سوى «إدارة جيدة»، وإذا عرف القائمون على الحملة كيفية الإدارة، فلا توجد مشكلة، رغم أن الجميع يخوض هذه التجربة لأول مرة فى حياتهم. وهو ما استند عليه مؤمن فى حملة العوا ايضا. صحيح أنهم استحضروا الكتب التى نشرت عن حملة باراك أوباما الانتخابية (عام 2008) «لأنها كانت الأقرب»، لكن الهيكل واحد فى كل الحملات. التحدى أو المشكلة الحقيقية، كما يقول، هى «ضغط الوقت وكبر حجم البلد». يقولها رغم أن لدى الحملة «وجود» فى 27 محافظة، بينهم تواجد «مهم» فى أكثر من 15 محافظة. ولم يفصح مؤمن عن أسماء أو عدد الفريق الرئيسى فى الحملة وإن كانوا متفرغين لها تماما أم لا. واكتفى بتحديد أن بينهم اثنين من خلفية سياسية، وشخصا متخصصا فى الاستراتيجيات، وآخر فى الاقتصاد، والتعليم والعلاقات الدولة. «كلهم حول دكتور العوا ويعاونونه». وتعتبر حملة موسى من أكبر الحملات حجما حيث لديها 97 مكتبا انتخابيا فى أنحاء الجمهورية، بينما يتكون الفريق الرئيسى للحملة من 36 شخصا، حسب محمد مدكور، 65 عاما، أحد كبار مستشارى موسى، وهو صاحب عمل خاص فى مجال نظم المعلومات. ويتابع المراقبون حملة موسى باهتمام بسبب تقدمه بشكل لافت فى استطلاعات الرأى العلمية المعنية بقياس الرأى العام تجاه مرشحى الرئاسية. وهو ما يتطابق مع نتائج الاستطلاعات التى تجرى للحملة خصيصا عن طريق شركة علاقات عامة وأبحاث متخصصة تملكها لولا زقلمة، أحد أهم رواد هذا المجال فى مصر. جدوى الاستطلاعات يعتقد مدكور أن الحملة تسير فى الاتجاه الصحيح بسبب نتائج استطلاعات الرأى. وحسب استبيان علمى للرأى العام قام به مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع معهد الحوار الدانماركى المصرى نشر فى أغسطس الماضى، احتل موسى المرتبة الأولى بنسبة 44% من بين المرشحين المحتلمين الذين يفضلهم المصريون. وما يكشف عنه هذا الاستبيان أيضا الذى تم فى ذرورة الصيف أى قبل أى عمل حقيقى أو فعال على الأرض للحملة إن موسى كان متقدما، قبل الحاجة لفريق كبير ومكلف ماديا. وتثير هذه المؤشرات تساؤلات حول مدى تأثير الحملات الانتخابية على الرأى العام أصلا، حيث إن الرجل، طبقا لنتائج استطلاع قامت به مؤسسة «جالوب» ونشر فى 16 فبراير، لا يزال متقدما. وعلى نقيض حملة موسى، توجد «حملات» أبواسماعيل غير المركزية. واللافت أن استطلاعات الرأى غير العلمية التى تتم على مواقع الإنترنت تظهر تقدمه. ولا يتناقض ذلك كثيرا مع بعض الاستبيانات التى تقوم بها شركات العلاقات العامة لحملات أخرى، التى تضع أبواسماعيل فى مرتبة ثانية وثالثة فى كثير من الأحيان. وقد تكون هذه المؤشرات واقعية فى ظل نتائج انتخابات مجلسى الشعب والشورى وميل الناخب تجاه التيار الإسلامى. ويقول ضياء رشوان مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه يتوقع أن يخوض أبواسماعيل الإعادة مع موسى فى انتخابات الرئاسة. حسب «مشرف» حملة أبواسماعيل، هانى حافظ فإن مرشحه تبنى سياسة تشجيع مؤيديه ومحبيه فى مصر للترويج له بالشكل والطريقة التى يرونها مناسبة، وباستقلال كامل عن الرجل. ويضيف حافظ أن هذه الطريقة ساهمت بشكل فعال فى انتشاره، رغم أن أهم وسيلة له، كما لغيره من المرشحين، لاتزال تعمتد على الظهور الإعلامى المكثف. وبسبب محدودية الميزانية (يقول حافظ إن كل من فى الحملة متطوع وأنه لا توجد مرتبات) يظل أسلوب أبواسماعيل غير التقليدى هو خياره الواقعى بما أن الأموال لا تنهال عليه. يقول حافظ: «مؤيدو أبواسماعيل كثر، وهم من الذين اضهدوا كثيرا «فى عهد مبارك» وأكثرهم ليس من ذوى التعليم العالى والنسبة الأكبر لا تستطيع دعمه ماليا». التمويل مما لا شك فيه أن إدارة حملة انتخابية ناجحة مكلف ماديا. ورغم أهمية وجود تمويل لتغطية النفقات الخاصة بالأجور وطباعة المادة وتغطية نفقات السفر والدعاية والمكاتب وأتعاب الشركات المتخصصة فى التسويق وإجراء استطلاعات رأى... الخ، لا توجد شفافية فى كشف موارد الحملات ومصادر تمويلها. ولأن قانون تنظيم الانتخابات يسمح للمرشحين بتلقى تبرعات عن طريق رقم حساب فى بنك تحدده اللجنة المشرفة على الانتخابات، إلا أنه يحظر الإنفاق على الحملة الانتخابية من خارج هذا الحساب. وبما أن اللجنة المشرفة على انتخابات الرئاسة لم تتشكل بعد، فإن كل ما ينفق على الحملات منذ أشهر طويل، ولا يزال، غير خاضع للرقابة الرسمية. وهو الوضع الذى فتح المجال للتخمين والشائعات القوية فى أوساط الحملات حول السياسى اللبنانى البليونير الذى تبرع بعدة مليارات لأحد المرشحين، والشيخ العلامة الثرى الذى دعم حملة آخر بعدة ملايين، و«فلول» النظام السابق الذين يدعمون ثالثا بملايين أخرى. وبسؤال مديرى الحملات عن التمويل، تتعدد الإجابات الغامضة. فمثلا يقول يوسف إن موسى وأسرته وبعض أصدقائه ينفقون على الحملة، بما فى ذلك توفير تبرعات «عينية». والنفقات؟ «ليس لدى رقم دقيق» يجيب يوسف «اللافتات وترتيب المؤتمرات يتم عن طريق تبرعات مؤيدينا. وسوف نقوم بحسب النفقات طبقا للقانون عندما تبدأ الحملة رسميا». وإضافة إلى مقر الحملة الرئيسى فى الدقى، ظهر مقر جديد لحملة موسى فى مصر الجديدة مؤخرا. يقول مدير حملة أبوالفتوح، محمد الشهاوى إن 30 شخصا فى الحملة يتلقون أجرا شهريا، وأن الباقى متطوع بوقته وجهده لكنه لا يكشف عن حجم الميزانية. وأضاف أن نحو 80% من النفقات «عينية» والباقى عن طريق أقارب أبوالفتوح (شقيقه يملك مطبعة تطبع مواد الحملة مجانا) وأصدقائه. وحسب مؤمن، فإن العوا مع بعض تبرعات أصدقائه ورجال أعمال هم مصدر الإنفاق على الحملة. وبينما يتطوع جميع أعضاء اللجنة المركزية للحملة واللجان الفرعية بمجهودهم، يتم دفع أجور ل25 شخصا هم فريق إدارة المتطوعين والتسويق والمحاسب. ويقع مقر الحملة فى مدينة نصر، وهو مكتب بالإيجار حتى شهر يوليو مكون من طابقين. فى ظل الفوضى والسيولة السياسية فى مصر منذ الثورة، قد لا ينتظر الكثيرون انتخابات رئاسية مثالية. ولأن كل شىء متوقع بعد أن اختبر المصريون غير المتوقع على مدى أشهر طويلة، قد لا تثير بعض التجاوزات فى المال السياسى إن صحت جدلا يذكر، وذلك مقابل طى صفحة الحكم العسكرى، وانتخاب أول رئيس مدنى فى تاريخ مصر.