ثبتت الرؤية ولم يعد أحد منهم مرشحاً محتملاً.. أخيراً وبعد فاصل من الجدل وغموض المواقف أصبح هناك ثلاثة لاعبين أساسيين بخلفية إسلامية محافظة في السباق المحموم نحو حكم مصر: الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، الداعية الإسلامي المعروف ونجم فضائية الناس الدينية، ابن المدرسة الإخوانية البار، ونجل الشيخ صلاح أبو إسماعيل البرلماني الشهير وعضو هيئة الدفاع عن الإخوان المسلمين المحالين للمحكمة العسكرية لسنوات طويلة.. وكذلك الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح القيادي الإخواني البارز، صاحب التأسيس الثاني للجماعة، والمفصول مؤخراً من قبل مجلس شوراها لإصراره علي الترشح في انتخابات الرئاسة.. إضافة للمفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا الذي أكمل بإعلانه خوض ماراثون الرئاسة ترويكا إسلامية لايمكن لأي مرشح ليبرالي أن يستهين بها في أخطر اختبار انتخابي في تاريخ مصر. وفيما يستند المرشحون الثلاثة علي أسمائهم الرنانة وأرصدتهم الزاخرة في مجال العمل الدعوي والسياسي والإسلامي، وبالأخص أبوالفتوح والعوا، فإنهم يعتمدون أيضاً علي مصدر قوة يتمثل في الاحتشاد المتوقع لشيوخ ودعاة السلفية خلفهم، وليس أدل علي ذلك ما قاله الشيخ حسن أبوالأشبال، في مقطع مصور علي الإنترنت، بأن "من لا ينتخب مرشح رئاسة يطبق الشريعة الإسلامية ويرفع راية الإسلام ومعروفاً بحسن سيرته فإنه يتحدي الله ورسوله".. أبوالأشبال وهو داعم قوي لحازم صلاح أبوإسماعيل زاد بوضوح، وعلي نهج غزوة الصناديق إبان الاستفتاء الأخير علي التعديلات الدستورية: "إن من ينتخب غير الإسلاميين فكأنه يقول لله.. يا رب إنك طالبت بتولي رجل مسلم أمر المسلمين وأنا أعترض علي هذا، وأختار رجلاً علمانياً منكراً لوحدانيتك، أو ليبراليا يفعل ما يشاء دون قيد لشريعتك".. وفي الوقت الذي يري البعض أن عدم توحد المرشحين الإسلاميين الثلاثة: أبوإسماعيل وأبوالفتوح والعوا، من شأنه إضعاف فرصهم جميعاً لصالح مرشح المعسكر غير الإسلامي، ومن ثم تصاعدت الحملات والدعاوي الإلكترونية المطالبة بالتوحد حول مرشح إسلامي توافقي واحد، فإن المهندس أحمد أسامة، المنسق الإعلامي لحملة أبوالفتوح يري عكس ذلك: " لا أري أي مشكلة في أن يكون لدينا أكثر من مرشح للتيار الإسلامي، فالتعددية مطلوبة في الإسلام".. قبل أن يكمل متسائلاً: "لا أدري هل من المتاح أن يكون هناك أكثر من مرشح ليبرالي و لا يوجد أكثر من مرشح إسلامي و هو التيار الرئيسي في البلد ؟".. أسامة يراهن أيضاً علي أن فوز المرشح الإسلامي لا يعتمد بالضرورة علي أصوات الإسلاميين فقط: "أما القول بأن هذا التعدد سيفتت أصوات الإسلاميين فهو قول غريب، وهل من الضروري أن يحصل المرشح الإسلامي علي أصوات الإسلاميين فقط؟ و ماذا عن أصوات الناس العادية؟ وماذا عن أصوات غير المسيسين؟.. إن لدينا علي أقل تقدير 20 مليون ناخب (هم من نزلوا الاستفتاء) بالإضافة إلي المصريين في الخارج وهم حسب التقديرات 8 ملايين ناخب، علي الأقل يعني لدينا كتلة تصويتية كبيرة، و لا أظن أنها كلها مسيسة حتي يراهن كل فصيل علي المنتمين له".. وبحسب أسامة فإن إمكانية التحالف المستقبلي بين العوا وأبوالفتوح، بحيث يخوضان الانتخابات معاً كرئيس ونائب، مستبعدة تماماً وهو ما ينطبق أيضاً علي إمكانية أن ينسحب أحدهما لصالح الآخر، خاصة أن كل مرشح إسلامي (كما هو الحال لأبوإسماعيل أيضاً) يملك وفق رؤية أنصاره الصفات والأدوات التي تتيح له حكم مصر.. فأبوالفتوح الذي لايزال يطمع في دعم الإخوان المسلمين كأفراد لا كجماعة (وبالأخص الشباب)، بل ويراهن علي حصوله علي صوت المرشد نفسه، مثلما يراهن علي نيل أصوات المصريين في الخارج والطبقة المثقفة والمتوسطة، يعتبر في نظر القائمين علي حملته الانتخابية أكثر المرشحين الإسلاميين خبرة في السياسة والعمل العام: فقد كان في المكتب التنفيذي للقوة المعارضة الرئيسية في مصر (الإخوان) أكثر من 20 عاما.. فضلاً عن تدرجه في المناصب في اتحاد الأطباء العرب حتي أصبح أمينها العام، وقد منحه عمله النقابي والإغاثي والإنساني خبرة إدارية وسياسية وعلاقات خارجية لا تتوفر لباقي المرشحين الإسلاميين.. يقول أحمد أسامة: "الشيخ حازم و د. العوا مع احترامي لهما لا يمتلكان عشر خبرة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح السياسية".. كذلك فهو يمتلك تاريخا نضاليا ضد الاستبداد في عهدي السادات ومبارك يتفوق به عن غيره، واعتبار البعض له مرشحاً توافقياً تجله غالبية القوي والتيارات المصرية لمواقفه الوطنية المجمعة وآرائه المنفتحة والمؤمنة بالتعددية والتي لا يختلف عليها اثنان. ناهيك عما يملكه من روح مبادرة جعلته في طليعة الإسلاميين المجاهرين بمواقفهم السياسية والمجتمعية دون خوف. كما أن قرار الفصل الذي صدر بحقه من جماعة الإخوان المسلمين مؤخراً سيثير بلا شك مشاعر التضامن والتعاطف معه، وستدفع جميع الأصوات المعارضة داخل الجماعة للوقوف خلفه ودعمه سراً وجهراً.. وفي هذا الشأن فإن الحملة الانتخابية لأبوالفتوح تعتمد علي تبرعات عدد من رجال الأعمال الإخوان الكبار غير التنظيميين، إضافة لمجموعة من رجال الأعمال المتدينين (وأغلبهم يعمل في مجالات توكيلات تركية وأوروبية لمستلزمات الصناعة الصغيرة وقطع غيار السيارات وما شابه) والذين اعتادوا علي دعم كل صوت ولون إسلامي متجدد، مثلما كان الحال مع عمرو خالد في بداياته الدعوية الأولي. وأخيراً كان إعلان الدكتور يوسف القرضاوي عن مساندته أبوالفتوح، ودعوته المرشد لعدم اتخاذ أي قرار ضده إنما يمثل كارت ميزة إضافي له في الداخل والخارج. علي جانب آخر فإن الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل لا يطمع أبداً في إرضاء الليبراليين أو العلمانيين مؤكداً أن التطبيق الكامل للشريعة هدفه مما يكسبه شعبية و احترام التيارات السلفية والكثير من المتدينين المصريين، ومن ثم كان منطقياً للغاية تأكيده أنه سيقيم دولة قائمة علي الحلال والحرام وأنه سيمنع الخمور إذا ما نجح في الانتخابات.. بينما يبقي الدكتور محمد سليم العوا بعلمه الواسع وفكره المستنير الأعلي حظاً بين كافة المرشحين الإسلاميين، فلم تكد تمر سوي بضع دقائق علي إعلانه الالتحاق بركب الطامحين في رئاسة مصر، حتي أعلن حزب الوسط، تأييده المطلق له.. المهندس طارق الملط، المتحدث الرسمي للحزب قال: "كنا سندعم الدكتور أبوالفتوح في البداية.. لكن مع ترشح الدكتور العوا فلن ندعم غيره".. إلي جانب القبول الذي يحظي به من قبل التيارات الإسلامية صاحبة التاريخ الراديكالي العنيف.. ويكفي في هذا الصدد أنه كان وسيط المصالحة بين قيادات الجماعة الإسلامية المتناحرة ومن دفع كرم زهدي وناجح إبراهيم زعيمي الجماعة للاستقالة من قيادتها حتي لا ينفرط عقدها تحت وطأة الخلاف والصراع. كما أنه يلقي قبولاً من القوي المجتمعية وشريحة عريضة من الليبراليين ولديه اتصالات دولية عبر نافذة الاتحاد العالمي للمسلمين..