قلم ثائر ساخر وعشرون عاماً فى المنفى ومدرسة شعرية مناضلة.... واجه القهر بالشِعر وقسوة الواقع بالسخرية، والغربة بمشاركة أبناء وطنه قضاياهم ومشاكلهم كما لو أنه بينهم،لم يمنعه منفاه البعيد عن وطنه وعن التلاحم مع أهل هذا الوطن والإحساس بمآسيهم وأوجاعهم،عشق القراءة فى سن مبكرة،وظهرت مواهبه فى سن مبكرة أيضاَ،عاش حياة تشريد وقهر وفقر، كتب شعراً له خصوصية جميلة ما إن تقرأ حتى تعرف وتحكم أن من تقرأه من شعر بيرم، لم يخش السلطان بل حاربه بالكلمة وجلد جسده بقصائده اللاذعة الساخرة الثائرة فكانت قصائده سياطاً تلهب الأجساد كقصيدته التى ألهبت ظهر المجلس البلدى ،لم يكن منفاه حائلاً بينه وبين قضايا الوطن، فكان منفياً فى تونس ولما صدر تصريح 22 فبراير الذى يعطى مصر إستقلالاً زائفاً وصورياً ولما أصبح بعدها السلطان فؤاد ملكاً على مصر، أرسل له من منفاه فى تونس برقية يسخر منه فيها ولما عدمنا بمصر الملوك جابوك الانجليز يا فؤاد قَعّدوك تِمَثّل على العرش دور الملوك لا مصر استقلت .. ولا يحزنون ... لم يكن محمود بيرم التونسى الذى ولد فى الرابع من مارس عام 1893 تونسياً بأى حال إنما جده لأبيه "الشيخ مصطفى بيرم" ولد فى تونس وعاش فيها ونزح إلى مصر وأقام فى الإسكندرية وعمل فى تجارة المنسوجات وتزوج فتاة من فتيات الأسكندرية أنجبت له ثلاثة أولاد أحدهم محمد مصطفى بيرم وهو والد الشاعر الكبير . كان أبوه يريد له أن يسلك طريق العلم ليصبح فقيهاً حتى يلحقه بالمعهد الدينى فى مسجد أبى العباس ولذلك ألحقه أولاً بكتاب "الشيخ جاد الله" فى حىّ السيّالة لكن الصغير لم يجد فى الكتّاب" سوى القسوة فارتد عن الكتّاب وعاون ابيه فى "الدكان" فى تجارة المنسوجات . مات أبوه وهو فى الرابعة عشرة من عمره فتنكر له بنو عمومته كما ماتت أمه وتركت له القليل من المال،حاول استثمارهم لكنه فشل،وأفلس . كان الصغير قارئاً نهماً يفهم ما يقرأ بقدرة عجيبة حتى أنه قرأ كتاب "الفتوحات المكية" لابن عربى فى سن صغيرة وفى فترة مبكرة من حياته علماً بأن هذا الكتاب يتوه فيه كبار العارفين . كان المجلس البلدى فى الأسكندرية فى يد الأجانب واعتبره الأسكندرانية دوله داخل الدولة، وعانى منه أهل الإسكندرية بسبب فداحة الضرائب المفروضة من قبل المجلس البلدى بحجة التوسع العمرانى،فنظم قصيدته الشهيرة "المجلس البلدى" قد أوقع القلب فى الأشجان والكمدِ هوى حبيب يسمى المجلس البلدى أمشى وأكتم أنفاسى مخافة أن يعدها عامل للمجلس البلدى إذا الرغيف أتى فالنصف آكله والنصف أتركه للمجلش البلدى كأنّ أمى بلّ الله تربتها أوصت .. فقالت أخوك المجلس البلدى أخشى الزواج إذا يوم الزفاف أتى أن يتبرى لعروسى المجلس البلدى وربما وهب الرحمن لى ولداً فى بطنها يدعيه المجلس البلدى وإن أقمت صلاتى قلت مفتتحاً الله أكبر باسم المجلس البلدى أحدثت هذه القصيدة دويّاً شديداً فقد مسّت الجرح ولمست ما فى نفوس الناس من حقد تجاه هذا المجلس البلدى،فكتبها الخطاطون على لوحات علقت فى الأماكن العامة،وتناشدوها، وأنشدها المنشدون فى حلقات الذكر فى مولد أبى العباس،كما ادّعاها أكثر من شاعر، اشتهر بيرم وذاع صيته بسبب هذه القصيدة حتى أصدر مجلته "المسلة" فكتب على غلافها "المجلة .. لصاحبها محمود بيرم التونسى صاحب قصيدة المجلس البلدى" ! كما كانت القصيدة مصدراً من مصادر رزقه فكلما ضاق به الحال طبع منها بضع مئات وراح يوزعها بنفسه فيتهافت الناس عليها فساعدته تجربة نشرها وتوزيعها ووأكتسب الخبرة اللازمة لإصدار "المسلة"...... إنتظروا باقي قصة حياة بيرم التونسي ونضاله.....