بغض النظر عن تباين مواقف القوى الوطنية من مظاهرات جمعة لا للطوارئ، لا أتصور أن تفعيل كافة بنود قانون الطوارئ بل وتوسيع نطاق بعضها سيمر مرور الكرام إن سياسيا أو شعبيا. سياسيا، كافحت القوى الوطنية المصرية طويلا من أجل إسقاط قانون الطوارئ قبل ثورة 25 يناير. وبعد إسقاط مبارك، بدت الساحة السياسية عمليا متحررة من قيود وقمع الطوارئ وأطلقت يد القوى والشخصيات الوطنية فى العمل السياسى والجماهيرى على امتداد البلاد. وترجم هذا إلى قبول بما وعد به المجلس الأعلى للقوات المسلحة من إنهاء لحالة الطوارئ قبل الانتخابات البرلمانية. وأغمضت القوى والشخصيات الوطنية أعينها عن الكثير من تجاوزات الأجهزة الأمنية (العسكرية والشرطية) بحق نشطاء وصحفيين ومواطنات ومواطنين، وكذلك تم تجاهل تقارير المنظمات الحقوقية التى أكدت حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان وتعرض البعض لتعذيب على أمل أن يتراجع كل هذا ويتوقف بالامتناع عن إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى. إلا أن إعلان المجلس الأعلى ومجلس الوزراء عن تفعيل قانون الطوارئ كإجراء سياسى وحيد فى أعقاب أحداث السفارة الإسرائيلية يشكل خروجا واضحا على الشرعية الديمقراطية التى صنعتها ثورة 25 يناير. وبالقطع، لا تكفى لغة الوعود المطاطية بعدم التعرض لأصحاب الرأى والنشطاء السياسيين وعدم تقييد الحريات لطمأنة المصريات والمصريين. فنظام الرئيس السابق اعتاد توظيف نفس اللغة، ولم يمنعه ذلك من ممارسة القمع المنظم وتعقب المختلفين معه والمعارضين له. القوى والشخصيات الوطنية مطالبة اليوم بموقف قاطع يرفض تفعيل قانون الطوارئ ويدعو إلى إنهاء حالة الطوارئ فورا ودون إبطاء. دعونا لا نسمح لسيف الطوارئ بأن يسلط مجددا على رقاب أصحاب الرأى والساسة والنشطاء. دعونا لا نقبل بصمت تجاوزات الأجهزة الأمنية ونصر على تحقيقات مستقلة وعلنية فى انتهاكات حقوق الإنسان التى وثقتها تقارير حقوقية وإعلامية، بما فى ذلك سقوط ثلاثة قتلى برصاص حى أمام السفارة الإسرائيلية. دعونا لا نقبل باستبدال إحالة المدنيين للقضاء العسكرى بإحالتهم إلى محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، فضمانات التقاضى العادل للمدنيين غير متوفرة فى الحالتين. شعبيا، حصد تفعيل قانون الطوارئ بعض الترحيب فى الرأى العام فى ظل تخوف المواطنات والمواطنين من استمرار حالة الانفلات الأمنى وتصاعد أعمال العنف. على الرغم من ذلك، تستطيع القوى والشخصيات الوطنية ووسائل إعلام موضوعية لا تسهم عن عمد فى تشويه الثورة احتواء ترحيب البعض بقانون طوارئ على مستويين. الأول هو إظهار البعد غير الديمقراطى لقانون الطوارئ وحقيقة تهديده لمسار الثورة ومكتسباتها. الثانى هو إقناع الرأى العام بأن قانون العقوبات المصرى يكفى للتعامل مع الانفلات الأمنى وأعمال العنف والبلطجة والإجرام وأن القضاء الطبيعى، ومن خلال تخصيص دوائر إضافية لقضايا البلطجة وغيرها، يستطيع إنفاذ العدالة دون حاجة لمحاكم استثنائية، إن عسكرية أو أمن دولة طوارئ. الأمر الهام هنا أيضا هو أن ننجح فى احتواء أعمال العنف التى تحدث على هامش التجمعات الكبيرة وأن نثبت فى أعين الرأى العام الصورة الإيجابية عن ثوار ملتزمين بالسلمية وجماهير كروية لا تمارس العنف (أكتب هذا العمود قبل مباراة الأهلى والترجى وأتمنى أن تمر دون أعمال عنف). لا للطوارئ..لا لتقييد الحريات. المصدر : جريده الشروق