فنون جميلة أسيوط تستقبل لجنة من المجلس الأعلى للجامعات لمتابعة اختبارات القدرات    السيسي يوجه بزيادة إنتاج الهيئة العربية للتصنيع وتقليل الأسعار لتحقيق التنافسية وتعميق التصنيع المحلي    الإسكان تعرض خطط توفير الوحدات السكنية وتقنين الأراضي أمام رئيس الوزراء    مدير مجمع الشفاء الطبي يوجه استغاثة للعالم: انقذوا ما تبقى من حياة في غزة    مران خفيف للاعبي الأهلي قبل مواجهة الملعب التونسي اليوم    تحرير 8 محاضر ضد المخابز البلدية المخالفة في مركز الخارجة بالوادي الجديد    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    وزارة الشباب تستعد لإطلاق برنامج مواجهة الإضطرابات النفسية والاجتماعية للأطفال وأولياء الأمور بالتعاون مع الجمعية المصرية للدراسات النفسية    "الاستخدام الرشيد والآمن للأدوية" ندوة توعوية ب"زراعة قناة السويس"    بزي "سبايدرمان".. وصول "ياسين" ووالدته محكمة جنايات دمنهور لحضور جلسة الاستئناف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    ضربات إسرائيلية على ميناء الحديدة اليمني    أوكرانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في أحدث الهجمات الروسية    تحذير من هطول أمطار غزيرة في جنوب شرق تايوان    أسامة الأتربي مساعدا لأمين عام "حماة الوطن" بالقاهرة    آخر تطورات أزمة سد النهضة، السيسي: قضية نهر النيل أمن قومي لمصر    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    ألونسو.. الأمل في استعادة فينيسيوس لتألقه مع ريال مدريد    دراسة إنشاء مصنع دواء مشترك بين مصر وزامبيا لتعزيز صناعة الدواء بالقارة السمراء    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الاثنين بالأسواق (موقع رسمي)    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر علي حريق مصنع زجاج بشبرا الخيمة| صور    انطلاق قطار مخصوص لتسهيل العودة الطوعية للسودانيين وذويهم لوطنهم بعد قليل    تحرير 566 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    عرض «افتح ستاير مسارحنا» يفتتح الدورة 18 من المهرجان القومي للمسرح المصري    مكتبة الإسكندرية توثق التراث المصري بسلسلة أفلام قصيرة موجهة للشباب    القوات المسلحة تهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة يوليو    الصحة: تقديم التوعية بمخاطر الإدمان ل457 ألفا من طلبة المدراس ضمن مبادرة صحتك سعادة    اخصائية طب تقويمي: تأثير السكريات على القولون يسبب آلامًا في الرقبة    السبكي: نسعى لترسيخ نموذج متكامل للرعاية الصحية يقوم على الجودة والاعتماد والحوكمة الرقمية    الصحة: توعية 457 ألف طالب بمخاطر الإدمان ضمن مبادرة «صحتك سعادة»    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 21 يوليو 2025    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم 21 يوليو 2025    من داخل المتحف المصري رحلة عبر حضارة لا تنتهي    أحمد غنيم: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين فى الإسماعيلية.. فيديو    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    الزمالك يبحث عن عرض لرحيل أحمد فتوح في الميركاتو الصيفي    أحمد مجدي: شخصيتي في «فات الميعاد» تعاني من مشاكل نفسية مركبة ومتورطة في الظلم    أسعار مواد البناء بالأسواق اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    كيف تتخلص من مرض التعلق العاطفي ؟    لكل ربة منزل.. إليك أفضل الطرق لتحضير مكرونة الميزولاند    المسلمون يصلون الفجر قبل وقته بساعة ونصف    مصروفات المدارس الحكومية 2025– 2026.. التفاصيل الكاملة وقواعد الإعفاء والسداد لجميع المراحل التعليمية    «الرقابة النووية» تُنهي جولتها التوعوية من أسوان لتعزيز الوعي المجتمعي    جريمة داخل عش الزوجية.. حبس المتهمة بقتل زوجها بالقليوبية    «الراجل متضايق جدًا».. مدحت شلبي يكشف سبب أزمة ريبيرو مع إدارة الأهلي    التليجراف: وزير الدفاع البريطانى سيعلن حملة مدتها 50 يوما لتسليح أوكرانيا    دعاء في جوف الليل: اللهم أجرني برحمتك واجبر بلطفك كسر قلبي    "شباب النواب" تثمن الضربات الاستباقية لوزارة الداخلية في دحر البؤر الإرهابية    نادية رشاد: أتمتع بحالة صحية جيدة.. وقلة أعمالي الفنية لضعف مضمونها    يوسف معاطي: لست ضد الورش التي تكتب السيناريوهات ولكنها لا تنتج مبدع كبير    لا تأخذ كل شيء على محمل الجد.. حظ برج القوس اليوم 21 يوليو    واشنطن بوست: قراصنة يشنون هجوما عالميا على وكالات حكومية وجامعات أمريكية    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    رئيس المجلس الوطني الفلسطيني: غزة تواجه كارثة غير مسبوقة والمجتمع الدولي صامت    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلال فضل يكتب | ده شيء بالعقل
نشر في كلمتنا يوم 13 - 07 - 2011


خذها مني نصيحة: عندما نكون في ثورة لا تنصح أحدا.
كنا في بدايات أيام الثورة الجميلة، ربما بعد موقعة الجمل بكام يوم، كنت أمارس رياضتي المفضلة في اللف في أرجاء الميدان والدخول في مناقشات مطولة مع مجموعات صغيرة العدد، أحاول فيها أن أستمع أكثر مما أتكلم، ودائما كانت المحاولة تفشل وأتكلم فقط، محاولا الإجابة عن السؤال الأكثر انتشارا في تلك الأيام: «إنت شايف الحكاية هتخلص إزاي؟»، والغريب أنني كنت أرد بثقة بأن الحكاية هتخلص قريبا جدا بنصر مبين وفتح قريب، والناس كانت تصدقني على أساس أن لديّ معلومات، وهم لا يعلمون أنني أتحدث لإفراغ توتري وخلاص، وأنني أنزل أصلا إلى الميدان لأجد من يجيبني عن السؤال الذي يلح عليّ بشدة: «هي الحكاية هتخلص إزاي؟».
يومها كانت الأعصاب متوترة للغاية، لأن الناس تتوقع الغدر في أي لحظة، خصوصا أن مبارك ورجاله كانوا يمارسون سياسة الطناش الرهيبة التي كانت تدفع الناس إلى اقتراحات جنونية فقط لكي يشعروا أن ما يفعلونه له جدوى سيلمسونها قريبا.
لا أدري من الذي اقترح يومها القيام بحركة تصعيدية مثل إحراق مجمع التحرير، وهو اقتراح ردّ عليه فورا بالرفض أكثر من عشرين شخصا من الذين كانوا يقفون في تلك المجموعة الصغيرة، أخذوا يشرحون لصاحب الاقتراح أن هناك فرقا كبيرا بين إحراق مبنى الحزب الوطني كرمز للطغيان والفساد ومجمع التحرير الذي يملكه الشعب، ولا بد أن يحميه، عندما حاول صاحب الاقتراح أن يفلفص قائلا: إن المجمع رمز للفساد الإداري والمالي، رد عليه الجميع ردودا في غاية الحكمة. عندما جاء دوري في الكلام قلت جملة من تلك التي تأتيك على الهواء مباشرة وتبدو مهمة عندما تقولها لأول مرة قبل أن تخضعها للتقييم فتعرف قيمتها، قلت: «الثورة جنون جميل، لكنها لا تحقق أهدافها إلا عندما يقوم العقل بتوجيه الجنون نحو أفضل الطرق التي ينبغي أن يسلكها»، لم أحصل على الوقت الكافي لكي أشرح جملتي أو حتى لكي أقيّمها، لأن يدين قويتين اندفعتا لكي تمسكا بزمارة رقبتي بغلظة قبل أن يطالعني وجه غاضب يصرخ: «بالعقل مين يا ابن الكلب؟ مين اللي زقك عشان تقول الكلام ده؟!»، كل الذي نجحت في فعله هو أن أبتسم ابتسامة بلهاء تؤكد أنني لست خائفا، فلو ظهرت عليّ أمارات الخوف أو الضيق لأكدت للقافش على زمارة رقبتي أنه أحسن اختيار فريسته، أولاد الحلال الذين كانوا إلى جواري تخلصوا من ذهولهم اللحظي، وبدؤوا يزيحون يدي الرجل وهم يقولون له كلمات من نوعية: «إيه يا أخينا.. إنت اتجننت؟! إنت مش عارف ده مين.. ده الأستاذ فلان»، كان يبدو على الرجل أنه لم يسمع باسمي من قبل ولا يعرف إذا كان ما يقولونه عني صحيحا أم مجرد محاولة لخداعه، لكنه أبعد يديه عن رقبتي وصمت مليّا وهو يتأملني ثم قال لي: «أيوه أيوه أنا عارفك.. طالما بتقول بالعقل.. يبقي إنت إعلامي.. أنا عارفكو.. أصل إنت لو كان اتقتل لك حد ما كنتش تجيب سيرة العقل على لسانك»، ثم فجأة اختنق صوته مغالبا البكاء وهو يحكي عن أخيه الشهيد الذي أصابته رصاصة في صدره في المنصورة على ما أتذكر، أخذت أحتضنه وأقبل رأسه، بينما حكى له شاب يقف إلى جواري أنني كنت أتحدث عن أهمية العقل ردا على اقتراح بحرق المجمع، فجأة نظر الرجل نظرة صقرية وسألنا بجدية شديدة: «مين اللي قال موضوع حرق المجمع ده أصلا؟! هو فين؟! لازم نعرف مين اللي زقه عشان يشجعنا على كده ويبوظ تعبنا؟»، نظرنا حولنا فلم نجد الرجل الذي قال ذلك الاقتراح، وكأنه تبخر، دون أن نعرف هل كان شابا متحمسا أم كان مدسوسا.
في الأيام التالية وكلما زادت حالة الطناش والْتهبت المشاعر أكثر، كان الميدان قادرا على ضبط المشاعر المندفعة ووقف الاقتراحات المنفلتة عند حدودها، وكلما كان الميدان مزدحما ومليئا بالثوار كان قادرا على إظهار حالة من الحكمة الثورية، لم أجد لها مثيلا في كل كتب التاريخ التي قرأتها، قلت لأكثر من صديق: إن ما حدث في أيام الميدان الثمانية عشر قضى على كثير مما كُتِب عن أخلاقيات الزحام وسيكولوجية الجماهير، خصوصا أن الميدان لم يكن له قائد يقوم بتوجيهه وتحريكه، ورغم ذلك كنت تشعر دائما أنه يقف على حافة الخطأ لا يتجاوزها، حتى عندما خرج المئات من الميدان قبل رحيل مبارك في تلك الحركة التصعيدية المحسوبة التي قامت بمحاصرة مجلسي الشعب والوزراء في نفس الوقت الذي لم يترك فيه الآلاف مواقعهم في الميدان ظلت الحكمة تحيط بالجميع في موقعهم الجديد. كنت قد وصلت أنا وعدد من الأصدقاء إلى باب المجلس بعد لحظات من وصول المعتصمين إلى شارع مجلس الشعب، كان البعض قد علق للتو لافتة «مغلق حتى إشعار آخر» على بوابة المجلس، أخذنا نهتف ونلتقط الصور التذكارية ونتبارى في الإفيهات والنكت، دون أن يفكر أحد في تجاوز بوابتي المجلسين ولو مجرد تفكير، ولم يكن أحد يعلم أن تلك الخطوة التصعيدية المنضبطة كانت مؤشرا على قرب الإطاحة بمبارك.
عندما أتذكر كل ذلك وغيره أدرك أنه سيكون من العبث أن يدعي أحد أنه أهل لإبداء النصائح لمن خرجوا من بيوتهم يطلبون العدل والحرية، من حقه أن يفعل ولكنه سيكون مخطئا لو ظن أن أحدا محبطا أو غاضبا سيستمع إلى نصيحته، وإلا فليحضّر رقبته لأول يدين غاضبتين لم يشعر صاحبهما بالعدل فخرج يطلبه بيديه.
على الذي يسأل: لماذا خرج الناس الآن إلى الشوارع؟ أن يسأل نفسه أولا: لماذا تركوا الشوارع بعد 11 فبراير؟ وعندها سيعرف: لماذا عادوا إليها مجددا.
أما الذي يشغله أكثر مستقبل الأيام المقبلة فعليه أن يحرص على أن يكون الميدان ممتلئا، فكلما امتلأ الميدان كان قادرا على ضبط المنفعلين وكشف المدسوسين، وكلما كان الميدان ممتلئا بدا أن مطالبه صادرة عن إجماع شعبي ساحق، لا عن سخط أفراد، أيا كان عددهم أو كانت مشاعرهم صادقة ومطالبهم مشروعة.
باختصار، اللي عايزه الناس لازم يحصل، لكن المهم أن يتفق عليه الناس أولا، فذلك وحده سبيل النصر المبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.