ظهر الأربعاء سألت أربعة من السياسيين أحدهم وزير عن شعورهم الأولى لدى سماعهم الحكم ضد بعض رموز الفساد. الإجابة كانت صرخة «نهار أسود». وإذا كنا لا نستطيع التعليق على أحكام القضاء، فإننا نستطيع بكل تأكيد التعليق على الإدارة السياسية للحكومة التى أصابت جزءا كبير من المواطنين بالإحباط. القضاء لا يمكن فعلا أن نحكم عليه بالقطعة، نفرح عندما يسجن يوسف بطرس غالى 30 عاما فى قضيتى اللوحات المعدنية وسيارات الجمارك، ونحزن عندما يبرئه فى قضية أموال الدعاية للحزب الوطنى، نفرح عندما يسجن العادلى فى قضية غسيل الأموال ونحزن عندما يخلى سبيل المتهمين فى قضايا قتل الثوار. ولسوء حظنا فإن غالبية الشعب صارت منقسمة إلى فئتين: الأولى الذين شاركوا بفاعلية فى الثورة ويشعرون أن الجميع قد خانها، وأن كل الذى تغير هو شخص حسنى مبارك وبعض مساعديه لكن كل نظامه ومنهجه وطريقة تفكيره حية لا تموت. الفئة الثانية هى القطاع الصامت الكبير الذى فرح للثورة فى البداية، لكنه لم يشعر بأى إنجاز ملموس على الأرض، كما لم ير أى خريطة طريق واضحة يمكن أن تقوده إلى المستقبل. ولسوء حظ الحكومة فإن جزءا كبيرا من الشباب لم تعد تفرق معه براءة المغربى والفقى أو إخلاء سبيل المتهمين بقتل الثوار لأن هؤلاء اقتنعوا تماما أن الثورة ربما لم تعد تلك الثورة التى قاموا بها. وهؤلاء هم المصممون على النزول للتحرير غدا. الحكومة من جانبها عندما تجلس إلى أحد أعضائها فى حديث ليس للنشر يقول لك ما معناه إن هذا الشعب ناكر للجميل ولا يرضيه العجب ولا الصيام فى رجب وأن طلبات ثوار التحرير تعجيزية وكلما تمت الاستجابة لمطلب ينشأ مطلب جديد. لكن وبما أن الشعب أو غالبيته يصعب أن يجتمع على خطأ فإن على الحكومة وكل من يهمه الأمر الإنصات إلى ما يقوله هذا الشعب. وجهة نظر كثيرين أنهم لم يقوموا بالثورة لمجرد تغيير حسنى مبارك، أو لمجرد محاسبة أحد أساطين الفساد على إهدار مليون هنا ومليون هناك. وأن الثورة التى تترك كل أسس وركائز النظام القديم لا تستحق اسمها، وأنه بهذا السياق الذى تسير فيه الحكومة فإنه وخلال أقل من عام لا يمكن استبعاد عودة حسنى مبارك نفسه للحكم ومعه فريقه القومى للفساد. التعليق على أحكام القضاء خطأ، أما الخطيئة فهى أن ننشغل بتفاصيل إجرائية من قبيل هل فعلا تم الانفاق على الحزب الوطنى من ميزانية الدولة أم لا، لأن النقاش الصحيح سيوصلنا إلى أن الحزب الوطنى ورموزه سيطروا على كل موازنة الدولة وعلى كل ثرواتها. إذا فعلنا ذلك فوقتها لن نحاكم أحمد عز بتهمة أنه لم يدفع رسوم إنشاء أحد مصانع الحديد، بل نحاكمه بتهمة الاستيلاء والسطو على أكبر مصنع حديد مملوك للشعب، وقتها أيضا لن أحاكم صفوت الشريف وزكريا عزمى بتهمة الحصول على ساعة هدية، بل سنحاكمهم بتهمة إفساد البلد سياسيا وتزوير إرادة الشعب، بل وسرقة الوطن بأكمله. مشكلة مصر الحالية ليست فقط غياب الأمن أو افتقاد الرؤية بل شعور كثيرين أن الثورة تتعرض للاختطاف والأدهى أن ذلك يتم أمام أعيننا.. ولا نحرك ساكنا.