فى بحث بعنوان "الحكم الصالح الرشيد من منظور إسلامى" يحتوى على رؤية تجديدية واجتهاد مطلوب، ناقش الدكتور سيف الدين عبد الفتاح - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- أفكار السياسة والحكم؛ حيث أكد أن هذا الحكم الراشد يجد فى المنظور الإسلامى الحضارى أسسا راسخة يمكن الوقوف عليها للوصول إلى العلاقة السوية بين الحاكم والمحكوم، وأهم ما يرتبط بذلك هو التأكيد على حقوق الإنسان، وتحقيق فعاليات الأمن الإنسانى الشامل فى مجالات العمران والتنمية. بناء المفهوم يضيف د. سيف أن مفهوم "الحكم الراشد" إنما يتعلق فى إطاره العام بكيفية الإفادة من الموارد العامة، وصياغة السياسات، وتفعيل كل الطاقات، وهو ما يرتبط أيضا بقضية التنمية ارتباطا مباشرا، فكثير من جهود التنمية تم إهدارها -فيما قبل- بلا عائد؛ بسبب سوء السياسات، ولذا فإرساء دعائم حكم رشيد يؤدى إلى استخدام أفضل للموارد المتاحة وتعظيم العائد منها، كما يشمل أيضا الشفافية وحكم القانون وإتاحة فرص المشاركة للجميع. ويرى دكتور "سيف" أن الرؤية الإسلامية الشاملة هى ما تعيد الاعتبار للسياسة، على اعتبار أنها - بحسب ابن القيم- "ما كانت معه الأمور أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد"، ف"الشريعة حكمةٌ كلها وعدلٌ كلها ورحمة كلها ومصلحة كلها"، والسياسة وفق هذا التصور ليست فنًا أو صراعًا، بل هي رعاية متكاملة من قبل الدولة والفرد لكل شأن من شئون الجماعة، فهى القيام على الأمر بما يصلحه، كما أنها علم بناء العمران، الذى لا يعنى السلطة فحسب، ولكنه يعنى طريقة للحياة والمعاش ومدخل لتأسيس الحضارة والتنمية. وأشارت الدراسة إلى خصوصية مفهوم الحكم فى وصفه ب"الراشد"، فى إشارته إلى فترة تاريخية بعينها، فى حين ظل العلم الغربى حتى وقت طويل لا يستخدم فى علومه الكلمات التى تحمل أى تضمينات قيمية ضمن مسيرته التى كان يؤكد فيها أن العلم لا بد أن يتشكل خارج نطاق دائرة القيم، سعيا إلى مقولة "العلم الخالى من القيم". نماذج مهمة وأكدت الدراسة على الأمثلة التى جاءت فى القرآن والسنة، فقد عرض القرآن فى قصة "فرعون" نموذجًا لسمات الحكم المضاد للحكم الصالح، وصاغ سمات الحكم الطغيانى المستبد، كما قدمت السنة نماذج مهمة فى الممارسة العملية مثل "وثيقة المدينة" التى عقدها النبى -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار؛ حيث تعد عملا تأسيسيا مهما، يؤكد الصفة التعاقدية ومدخل الحقوق والواجبات، وتحديد الالتزامات التى تترتب على العلاقات، وانتماء كافة العناصر المتنوعة ضمن وطن واحد يؤسس بها لعناصر مواطنة حقيقية، تقوم على قاعدة من التعاقد السياسى والاجتماعى الحقيقى، وهناك أيضا فى الخلافة الراشدة نماذج متميزة، منها خطبة أبى بكر حين تولى الخلافة، وعمر بن الخطاب وعام الرمادة كنموذج لمعالجة الأزمة، وعلى بن أبى طالب وعهده إلى الصحابى الجليل "مالك الأشتر" حينما ولاه مصر، وهو خطاب نموذجى فى الحكم الرشيد. وفى النماذج التراثية الفكرية نجد "الماوردى" فى كتابه "أدب الدنيا والدين"؛ حيث أكد على ستة أمور تصلح بها الدنيا، وتلتئم بها أحوال الناس ومعاشهم وهي: دين متبع، عدل شامل، سلطان قاهر فاعل، خصب دائم، أمل فسيح، أمن مستقر عام، وعدها فى إطار جامع يشير إلى أسس بناء الحكم الصالح والبناء الحضارى معا.