إن الدستور باعتباره تجسيدا لإرادة الأمة في كيفية تنظيميها وتسير مؤسستها والمنظم للوفاق بين الحرية والسلطة داخل المجتمع من جهة، وبصفته القانون الأساسي في الدولة من جهة أخرى. فهو يحتل المرتبة الأولى في قوانين الدولة التي عليها الالتزام والتقيد بما ورد فيه من أحكام، وبذلك يتحقق تطبيق مبدأ الشرعية، الذي يعني خضوع الحكام والمحكومين لقواعد الدستور وهذا يعني التقيد بمبدأ تدرج القوانين، حيث يخضع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى منه درجة، وبالتالي لا يجب أن يتعارض قانون عادي مع أحكام الدستور أي أن تكون القوانين الصادرة في الدولة منسجمة مع أحكامه. فالدستور في صورته المبسطة هو اتفاق جماعة على تنظيم شؤونها وفق نمط معين في إطار الدولة، والقول بهذا التدرج يستتبع ضرورة التفرقة بين القانون الدستوري والقانون العادي سواء من ناحية الموضوع أو من ناحية الشكل. فمن ناحية الموضوع نجد أن الدستور هو مصدر كل النشاطات القانونية في الدولة حيث تتحدد السلطات العمومية واختصاصاتها والتي عليها الالتزام بما هو وارد في الدستور. أما من ناحية الشكل فإن الدستور لا يمكن تعديله إلا بإتباع إجراءات خاصة تختلف عن تلك الإجراءات المتبعة في تعديل القوانين العادية. بالتالي فإن الدستور يسمو على جميع القوانين والتنظيمات داخل الدولة الواحدة، إذ أن المعاهدات والاتفاقيات التي تصادق عليها الدولة يجب أن تنسجم مع أحكام الدستور والقوانين والتنظيمات التي تسنها مختلف أجهزة الدولة يجب أن لا تتعارض مع أحكام الدستور. وهذا ما يصطلح عليه بدستورية القوانين والمعاهدات فالرقابة على دستورية القوانين تعتبر إحدى الضمانات الأساسية لحماية الدستور وضمان احترام القوانين داخل نفس المجتمع. فما هي أهم النتائج المترتبة عن سمو الدستور وماذا نعني بحماية الدستور؟ وما هي الآليات التي نراقب من خلالها دستورية القوانين أي الأدوات الضامنة لاحترام التفوق الدستوري على سائر النصوص القانونية الأخرى في الدولة. إننا من خلال هذا المحور الدراسي سنحاول أن نوضح للأستاذ أن النظام القانوني في الدولة يأخذ شكل هرم حيث يخضع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى منه درجة، وعلى قمة الهرم نجد الدستور الذي يتميز بالسمو، إذ أن جميع القوانين يجب أن تنسجم مع أحكامه، وهذا ما يكفل شرعيتها، كما ستوضح للأستاذ أن الرقابة على دستورية القوانين من أهم الوسائل التي تكفل ضمان احترام الدستور. وقد اختلفت الدولة في تحديد وتشكيل الهيئات التي أسندت لها مهمة الرقابة على دستورية القوانين، والصلاحيات المخولة لكل هيئة، فهناك من أنشأت أجهزة خاصة ومستقلة عن السلطات الثلاث مهمتها رقابة دستورية القوانين. وهناك من أوكلت هذه المهمة للسلطة التشريعية والبعض الآخر أوكلها للسلطة القضائية، أما الصنف الأخير فقد أوكلتها إلى مجموعة من الهيئات وليس إلى جهاز واحد فقط. وهذا ما انتهجته الجزائر حيث تتعدد الجهات التي تتولى مهمة رقابة دستورية القوانين وهي أساساً المجلس الدستوري، القضاء وقد امتنعت العديد من الدول إسناد هذه المهمة للمحاكم، إذ إن دور هذه الأخيرة هو تطبيق القوانين ولا يمتد للرقابة على أعمال الهيئات الأخرى، والحكم على القوانين بأنها خاطئة أو صحيحة. سنعالج هذا الموضوع في فصلين أساسين : الفصل الأول نتطرق فيه إلى مفهوم السمو الدستوري والنتائج المترتبة عنه والفصل الثاني كيف نضمن ونحمي هذا السمو الدستوري أي ما هي الآليات المستعملة في الرقابة على دستورية القوانين. الفصل الأول: مفهوم السمو الدستوري والنتائج المترتبة عن ذلك : المبحث الأول: أهمية توفر الدولة الحديثة على دستور : المطلب الأول: ظهور الدساتير : إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرة البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحسار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم، وكان غرض شعوب تلك الأنظمة إثبات سيادتها الداخلية واستقلاليتها، وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور بين السلطات وعلاقاتها في الدولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى. و إن هذه الدول بوضع الدستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي والذي لاشك فيه أن وضع الدستور يفيد كقاعدة عامة الرغبة في التنظيم العقلاني للدولة، لأن العملية الدستورية عندما تأخذ كامل معناها ومدها تبدو فعلاً وكأنها تجديد لتأسيس الدولة يجرى هذه المرة بمساهمة الأمة مساهمة ناشطة وواعية. فكان إعلان الاستقلال للولايات المتحدةالأمريكية ل 1780 وتشكيل الاتحاد الفيدرالي هو أول دستور بالمفهوم الحديث الذي يعتمد على فكرة العقد الاجتماعي والفلسفة الحرة، وإقتداء بالولاياتالمتحدةالأمريكية توسعت الحركة الدستورية في أوروبا، وكان أولها الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 إلى أن جاءت الثورة الروسية التي كان لها الدور في تغيير الفكرة الدستورية والقانونية إذ عكست النصوص ما هو قائم من صراع بين الطبقات في إطار علاقات الإنتاج، وإذا كان الفقه الحديث يرى أن أول دستور وضع بالمعايير الحديثة هو دستور الولاياتالمتحدة. إلا أن المسلمون يرون غير ذالك، فالدستور المكتوب الأول هو تلك الوثيقة التي أعدها محمد صلى الله عليه وسلم لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة، فقد تضمنت بنود تتحدث عن الوحدة الإسلامية، التكافل الاجتماعي وتنظيم القضاء ووضعية الأقليات الدينية، كما نصت على العديد من الحقوق والحريات ومنها حرية العقيدة والرأي وحق الملكية والأمن والسكن، فكان بذالك أول الدساتير الذي اعترف بحقوق الإنسان. المطلب الثاني: أهمية الدستور في الدولة الحديثة : يكفل الدستور في الدولة الحديثة كونه العقد الاجتماعي حماية حرية المواطنين وحقوقهم من اعتداءات الدولة لما تتمتع به من سلطة ونفوذ. كما يهدف الدستور إلى ضمان المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع هذا من جهة، من جهة أخرى يعتبر الدستور بمثابة القانون الأساسي للدولة باعتبارها شخصاً معنويا من جهة. كما أن للدستور دوراً مهماً في تحديد من له الحق التصرف باسمها ولحسابها من جهة أخرى. 1 2 3 4 › »