قال الدكتور محمد عطية فودة المستشار بهيئة قضايا الدولة في تصريح خاص لموقع أخبار مصر إنه إذا لم تكن هناك ضمانات كافية تكفل مبدأ سمو الدستور ومن ثم علو قواعده وأحكامه بالنسبة لقواعد وأحكام بقية القوانين الأخرى في المجتمع فإن هذا المبدأ يصبح خاوى المضمون وضربًا من العبث والخيال. وأكد فودة أهمية أن ينص الدستور في صلبه على تحديد نوع الرقابة الدستورية تماشيًا مع معظم دساتير العالم وتلافيًا لسلبيات دستور 1971 الذي لم ينص على تحديد نوع الرقابة الدستورية وتركها على العموم ، فيتعين ألا يترك النص بعموميته دون تحديد لنوعها حتى لا تكون تحت ضغط سياسي من السلطة الحاكمة حسب النظام السياسي في الدولة إذا كانت متمركزة في يد شخص واحد "ديكتاتور"؛ وهذا في النظام الرئاسي أو متمركزة تحت يد أغلبية برلمانية ديكتاتورية في النظام البرلماني. وأضاف فودة أن الدساتير قد نصت على حقوق الإنسان ووضعت حاجزًا فعليًا يحمي الشعوب من استبداد حكامها بالنص عليها في صلب الدستور، وتعتبر الرقابة الدستورية حصنًا وضمانًا لحقوق الإنسان ومراعاة الشرعية الدستورية، وإذا كانت الحقوق والحريات دعائم لسيادة القانون فإنه يجب ضمان تلك الدعائم في جميع القوانين للحيلولة دون الحكم أو إساءة استعمال السلطة. ويتمثل هذا الضمان في الدولة القانونية في أن يعهد لهيئة ذات طابع قضائي الرقابة على مدى احترام المخاطبين بالقانون للشرعية الدستورية وتعتبر الرقابة التي تباشر على القوانين بقصد التأكد من احترامها للقواعد الواردة في الوثيقة الدستورية وعدم مخالفتها لأحكامه. وإذا كان الدستور هو الذي ينشئ سلطات الدولة ويحدد اختصاصاتها وعلاقاتها ببعضها البعض ويرسم لها حدودها ويضع القواعد الضابطة لنشاطها فإنه يجب على هذه السلطات أن تتقيد في تصرفاتها بأحكامه ولا يجوز الخروج عليها أو مخالفتها وإلا تخلت عن السند الشرعي لوجودها. إلا أن إعمال مبدأ سمو الدستور على هذا النحو لا يتحقق تلقائيًا؛ إذ لا بد من وجود وسيلة تكفل احترامه والتزام الجميع به بما في ذلك التحقق من مدى مطابقة القوانين لأحكامه؛ ولهذا تحرص مختلف النظم الدستورية الحديثة على كفالة نوع من الرقابة على العمل التنفيذي الذي تقوم به الإدارة والعمل التشريعي الذي تسنه السلطة التشريعية وتتمثل في الرقابة على دستورية القوانين. وقد اختلفت اتجاهات هذه الرقابة في مختلف دول العالم، وفي مصر عهدت بها إلى القضاء لذلك تسمى بالرقابة القضائية على دستورية القوانين كما في دستور 1971م.. من ناحية أخرى فإن الديمقراطية لا تقوم بغير سيادة القانون، ومن ثم فإن الديمقراطية لا تكون حقيقة واقعة إلا في البلاد التي تشهد رقابة على دستورية القوانين. ويرى فودة أن الرقابة الدستورية على القوانين تؤدي إلى حسم النزاع بين الاتجاهات السياسية حول مضمون بعض القوانين؛ وذلك إذا ما حدثت مواجهة بين الأغلبية والمعارضة حول مسألة مهمة ثار حولها خلاف دستوري، موضحًا أنه في هذه الحالة يكون الالتجاء إلى القضاء الدستوري ضروريًا لحسم هذه المواجهة؛ وعندئذٍ تباشر جهة الرقابة القضائية على الدستورية مهامها باعتبارها حامية للدستور. كما يوضح فودة أنه يوجد نوعان من الرقابة على دستورية القوانين هما: الرقابة السابقة وهي رقابة وقائية وسميت بذلك لأنها تمت في مرحلة إنشاء القاعدة القانونية، والرقابة اللاحقة وهي الرقابة القضائية اللاحقة على دستورية القوانين كما في مصر؛ حيث وجدت في اختصاص القضاء بها وسيلة فعالة لضمان حسن نفاذ القاعدة الدستورية وحماية الدستور من الاعتداء عليه ومخالفة أحكامه.. وتضمن دستور عام 1971 ولأول مرة في تاريخ النظام الدستوري المصري النص على الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح في المادة 174 من الدستور المصري الصادر سنة 1971 على أنه "المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها في جمهورية مصر العربية مقرها مدينة القاهرة". وجاء في المادتين 176و177 منه نص على تأكيد حصانات وضمانات أعضائها تاركًا للقانون كيفية تشكيل المحكمة وشروط اختيار أعضائها؛ فكان بذلك صاحب السبق في تحقيق ما كان يصبو إليه أفراد الشعب المصري من أن تكون هذه الرقابة مقررة ضمن نصوص الدستور فتكتسب حصانتها؛ وبالتالي تكون المحكمة الدستورية لها حقها الطبيعي بصفتها حامية للدستور في مدى مطابقته للدستور من عدمه؛ الأمر الذي يجعل من رقابة المحكمة الدستورية العليا على القوانين رقابة سابقة. ويبين المستشار محمد عطية فودة أهمية أن ينص الدستور على الأخذ بالاستشارة الإلزامية للمحكمة الدستورية العليا كما في حالة الضرورة والطوارئ وفي هذا ما يجعل لها دورًا خاصًا في النظام الدستوري المصري لا يمس طبيعتها القضائية بل كنوع من الرقابة القانونية القضائية على تصرفات السلطة الحاكمة للبلاد والشعور بالاطمئنان على شرعية القرارات والتصرفات التي تصدرها وهو نوع من ضمانات حقوق الإنسان.**