لم تختلف معاناة أصحاب المطابع من ارتفاع سعر الدولار عن أصحاب دور النشر والمكتبات. الأزمة هنا في القلب. يلمسونها كل يوم، وكل لحظة، في المفاوضات التي يخوضونها مع التجار لشراء الخامات بالسعر القديم، أو بسعر أقل من الذي تم إعلانه مؤخراً، لكن محاولاتهم بلا فائدة، هذا هو السعر، وهذه رغبتك، إن اشتريت فخير وبركة، وإن لم تشتر فسيشتري غيرك، ونكسب نحن، وأنت الوحيد الذي سيخسر. التاجر هنا يجرد نفسه من العقل. لا يفكر، أو لا يريد أن يفكر أن تعنته هذا في رفع سعر الخامات إلي الضعف، لن يضر بأصحاب المطابع أو الناشرين وحدهم، إنما بالقراء، الذين سيعزفون عن شراء الكتب، التي سيتضاعف سعرها بالتبعية، من أجل أن يكسب هو، ونخسر نحنُ معرفة ننتظرها بفارغ الصبر، إذ اضطر الناشرون إلي خفض قائمة الكتب التي يريدون طبعها إلي النصف. وهو الأمر الذي أكده أحمد عبيد صاحب دار الجودة للطباعة. يقول: »لم تعد عروض الطبع كما السابق، من كان يطبع عشرة كتب سيطبع خمسة، وسيطبعها بضعف التكلفة المقدرة ب 100 ألف جنيه، الخسارة الكبري هنا للناشر لأنه لم يطبع كل الكتب التي يريدها، وحين اضطر إلي طباعة خمسة كتب كلفته نفس سعر طباعة عشرة كتب قبل ارتفاع الدولار، أما بالنسبة لي - كصاحب مطبعة - خسارتي نسبية، لأنني في النهاية أحاول البيع بالسعر الذي تكلفه الكتاب، فيمكن تقدير نسبة الزيادة علي التكلفة العامة للطباعة ب 10٪، ما يعني أننا صرنا نسد احتياجاتنا بالكاد». ووفق ما أضافه، ارتفع سعر طن الورق المستورد من 12 ألف جنيه إلي 17 ألف جنيه، وارتفع سعر طن الورق المحلي من 7 آلاف جنيه إلي 15 ألف جنيه، أي أن الزيادة تقدر ب 40٪ و 60٪، أما الأحبار فسجلت زيادة بنسبة 50٪، حيث ارتفع سعر الكارتونة من 540 جنيهاً إلي 900 جنيه، بينما ارتفع سعر طن الغراء من 30 ألف جنيه إلي 52 ألف جنيه. ولأن الخامات المستخدمة تختلف من مطبعة لأخري، فكان هناك تفاوت في الأسعار، لكن نسبة الزيادة كانت واحدة، فيقول إيهاب الخانجي صاحب «الدولية للطباعة» إن سعر طن الورق المستورد الذي يستخدمه ارتفع من 9 آلاف جنيه إلي 16 ألف جنيه، وإن سعر طن الورق المحلي ارتفع من 6 آلاف جنيه إلي 12 ألف جنيه، وإن كيلو الحبر ارتفع من 50 جنيهاً إلي 100 جنيه، وإن هناك خامات أخري يستخدمونها للماكينات ارتفع سعرها أيضاً مثل الكحل الذي وصل سعر اللتر إلي 14 جنيهاً بدلاً من ثمانية جنيهات. وأوضح أن هذه الزيادة الهائلة دفعت وزارة التربية والتعليم إلي وقف طبع الكتب الخاصة بها، لكنها لم تدفع دور النشر للتوقف عن الطبع، إنما خفض عدد الكتب التي يريدون طبعها واستخدام الورق المحلي بدلاً من المستورد وذلك في الأعمال التي لا يتم تصديرها والتي لا يشاركون بها في المعارض العربية، مضيفاً: «الخسارة كبيرة بالطبع، فلقد قل عدد الكتب التي اعتدنا طباعتها من مليون نسخة إلي 300 ألف نسخة». المشكلة نفسها تواجه الدار المصرية اللبنانية، خصوصاً أن هذه الدار للطباعة والنشر، ما جعلهم يشعرون أنهم يطبعون ليرموا أموالهم في المخازن، إذ قال محمد طنطاوي إنهم لن يقوموا بإعادة طبع الكثير من الأعمال، وسيكتفون بطبع الأعمال الجديدة التي اختاروها بشروط محددة، فلم يعد هناك رفاهية طبع أي عمل. ثمة من يجاهد لتحجيم هذه الخسارة، بأن يتجاوز دوائر عدة كالتجار والمطابع، وأن يتعامل مباشرة مع المستورد، مثل دار الربيع العربي، التي اعتادت أن تفعل ذلك منذ أربع سنوات ومن قبل ارتفاع سعر الدولار حتي يصل الكتاب في النهاية إلي القارئ بسعر يرضيه، إذ يقول صاحبها أحمد سعيد إن مستوردي الورق يصل عددهم - تقريباً - إلي أربعة، أما التجار فأعدادهم كبيرة، ومنهم من يتعامل مع أصحاب المطابع علي أساس أنه مستورد، حتي يبرر الزيادة التي يضيفها من عنده علي سعر الورق، بأنها بسبب الدولار، وهذا لا يعني أن الأسعار ارتفعت في الواقع، لكن جشعهم يرفع السعر أكثر. يضيف أحمد سعيد: «كل هذا جعلني أختصر الطريق علي نفسي، وأشتري الورق من المستورد مباشرةً حتي لا يضعني أحد تحت ضرسه، سواء التاجر، أو المطبعة، التي تريد أن تحصل علي مكسب إضافي مقابل شرائها الورق، ولكي أوفر في النهاية علي القارئ، وليس عليّ فقط، خصوصاً أننا علي أبواب معرض الكتاب، وأريد أن أحصل علي ما يكفيني من الورق، كي أطبع قائمة الكتب التي قمنا باختيارها، وعددها 30 كتاباً، سنشارك بها في ثلاثة معارض، القاهرة وأبو ظبي والشارقة.. كل كتاب سنطبع منه طبعة واحدة أي ألف نسخة، أما الكتب التي سيكون عليها إقبال مثل كتب نوال السعداوي سنحجز لها أكثر من طبعة». من خلال تعامله مع المستور، قال صاحب دار الربيع العربي، إنه لم يلمس وجود احتكار للورق، لأن الورق موجود في الأسواق، وتم توفيره قبل المعرض بشهرين، لأن الاحتكار يعني أن يقوم المستورد أو التاجر بتخزين الورق وعدم بيعه للمطابع والناشرين، إنما لمس زيادة جمة في الأسعار، فهو يشتري رزمة الورق بسعر غد، وليس بسعر اليوم، وقد ارتفع سعرها من 140 جنيهاً إلي 265 جنيهاً، ولكي يطبع ألف نسخة من كتاب (160 صفحة) يحتاج إلي عشر رزم، متابعاً: «الورق متوفر، لكن من معه ليشتري؟ الأمر صار متوقفاً علي قدرة الدار الاقتصادية، الدور الصغيرة فقط هي التي تعاني». رغم ذلك، يري أحمد سعيد أن هناك أمراً إيجابياً يحدث وراء الأزمة التي لحقت بهم، أن الناشر سيفكر كثيراً تجاه الكتب التي يريد طباعتها، فهو يعرف الكثيرين الذين يطبعون كتباً رديئة من أجل زيادة المبيعات فقط تراجعوا عن طباعتها، وهذا يصب في صالح سوق النشر والقارئ، حسب وصفه.