أكد المترجم المصري مارك جمال، أن الترجمة تمثل الوسيلة الأهم للتواصل مع الآخر وفهمه، مشددًا على أن اللغات ليست مجرد أدوات تواصل، بل طرائق متعددة لرؤية العالم والكون. جاء ذلك خلال ندوة حوارية أقيمت ضمن البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض جدة للكتاب 2025، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، تحت عنوان «المترجم كوسيط ثقافي: دور الترجمة في تعزيز التفاهم الدولي»، وأدارها ريان العمري. وأوضح جمال أن مسؤولية المترجم تتجاوز النقل الحرفي للكلمات إلى نقل المعاني والسياقات الثقافية الحساسة، معتبرًا أن المترجم يؤدي دورًا محوريًا في تقريب الشعوب وترسيخ جسور الفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة. واستشهد بقول الأديب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس: «اللغات طرائق مختلفة للنظر إلى الكون»، مبينًا أن المترجم يشكّل الجسر الذي يصحب القارئ من ثقافة إلى أخرى، وأن الترجمة هي الأداة التي نعبر بها إلى ثقافات الآخرين، كما تعبر الثقافات إلينا من خلالها. وأشار إلى الدور التاريخي للترجمة في نقل الفلسفة والمعرفة إلى العالم، ولا سيما عبر الترجمات العربية، مؤكدًا أن غياب الترجمة كان سيُبقي الإنسان معزولًا عن محيطه الإنساني والحضاري. وتناول جمال الترجمة الأدبية بوصفها عملية معقّدة تتطلب استيعاب ثقافات وسياقات متعددة، ثم تقديمها للقارئ بلغة قريبة ومفهومة، وهو ما يُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه المترجمين. كما تطرق إلى مفهومي «التوطين» و«التغريب» في الترجمة، موضحًا أن التوطين يقوم على تكييف النص مع البيئة المحلية للقارئ، بينما يحرص التغريب على الحفاظ على الخصوصية الثقافية للنص الأصلي. ورأى أن الاتجاه السائد اليوم يميل نحو التغريب، استجابة لرغبة القراء في التعرّف إلى ثقافات أخرى وبناء جسور التواصل معها. وأكد أن التحدي الحقيقي يكمن في تقديم نص أجنبي بثقافته وهويته الخاصة بلغة سلسة ومألوفة، مع الحفاظ على صوت الكاتب وأسلوبه، لافتًا إلى التأثير الكبير للمترجم في تشكيل الصورة الذهنية عن الثقافات، ودوره في كيفية تلقي المجتمعات لبعضها عبر الأعمال المترجمة. وتأتي هذه الندوة ضمن سلسلة الفعاليات الثقافية التي يحتضنها معرض جدة للكتاب 2025، المقام تحت شعار «جدة تقرأ»، تأكيدًا لدور المعرفة في بناء الوعي، وتعزيز المشاركة المجتمعية، وتوسيع آفاق التأثير الثقافي من خلال برنامج متنوع يستقطب نخبة من الكتّاب والمفكرين والمترجمين وصنّاع المحتوى.