تراجع أسعار الذهب في مصر: تفاصيل وتحليل للأسعار الحالية    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    تأثير حملة مقاطعة السمك في مصر.. استجابة لارتفاع الأسعار وتحقيق جزئي للأهداف    حزب الله يعلن استهداف ‌‌شوميرا شمالي إسرائيل بعشرات صواريخ ‌الكاتيوشا    مفوض حقوق الإنسان أكد وحدة قادة العالم لحماية المحاصرين في رفح.. «الاستعلامات»: تحذيرات مصر المتكررة وصلت إسرائيل من كافة القنوات    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباريات يوم الاربعاء 2024/4/24    التشكيل المتوقع لباريس سان جيرمان ضد لوريان في الدوري الفرنسي    «الأرصاد» تحذّر سكان 19 محافظة من الحرارة الشديدة: تصل إلى 43 درجة    اقتراب ماراثون الثانوية العامة و5 محظورات على الطلاب في الامتحانات    ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟    10 معلومات عن ميناء غزة المؤقت.. تنتهي أمريكا من بنائه خلال أيام    حقيقة ارتفاع سعر الثوم بالأسواق.. هل الكيلو هيوصل 100 جنيه؟    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 24 أبريل    طولان: الزمالك سيتخطى دريمز الغاني.. ولست ضد حسام حسن لكن اختياره خاطئ    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    صحف الإمارات اليوم.. لا مؤشرات على توقف الحرب في غزة.. وفد اقتصادي كوري شمالي يزور إيران.. وأمريكا تنذر تيك توك    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    الكونجرس يقر نهائيا قانونا يستهدف تغيير ملكية تطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك    الكرم العربي أعاق وصولها للعالمية، "بيتزا المنسف" تثير الجدل في الأردن (فيديو)    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    عتريس السينما المصرية.. محمود مرسي تزوج مرة واحدة وتوفى أثناء التصوير    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة    نمو الطلب على إنتاج أيه إس إم إنترناشونال الهولندية لمعدات تصنيع الرقائق    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    الكونجرس يقر مشروع قانون يحظر «تيك توك» بالولايات المتحدة    يقترب من بيراميدز.. تفاصيل رحيل محمد صبحي عن الزمالك    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    موازنة النواب: تخصيص اعتمادات لتعيين 80 ألف معلم و30 ألفا بالقطاع الطبي    خطر تحت أقدامنا    نتائج مباريات ربع نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    عاجل - درجات الحرارة ستصل ل 40..متنزلش من البيت    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    «رب ضارة نافعة»..أحمد عبد العزيز يلتقي بشاب انفعل عليه في عزاء شيرين سيف النصر    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاشق أرض الكنانة دنيس جونسون وتجسيد الترجمة كجسر بين الثقافات
نشر في محيط يوم 11 - 07 - 2017

فيما تتوالى الطروحات في الصحافة والوسائط الثقافية الغربية ناعية المترجم البريطاني الكبير دنيس جونسون ديفيز الذي قضى مؤخرا في مصر ودفن في ثراها حسب وصيته، فإن قصة حياة هذا المثقف والمبدع والعاشق لأرض الكنانة تجسد معنى الترجمة كجسر بين الثقافات والحضارات.
ونعت جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية دنيس جونسون ديفيز الذي قضى عن عمر يناهز ال 95 عاما وتجاوز ما ترجمه من الأدب العربي للانجليزية 30 مجلدا حتى وصف برائد الترجمة من العربية للانجليزية.
واعتبر ويليام جريمس المحرر الثقافي في "نيويورك تايمز" أن دنيس جونسون ديفيز الذي عاش شطرا كبيرا من حياته في القاهرة ترجم للانجليزية أكثر من 30 رواية وقصة عربية هو صاحب الفضل الأول بلا منازع في تقديم الأدب العربي الحديث للقاريء الغربي ليعرف أسماء أدباء مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس والطيب صالح.
وأعاد جريمس للأذهان أنه قبل أن يشرع دنيس جونسون في رحلته مع الترجمة من العربية للانجليزية كان القاريء في الغرب لا يكاد يعرف أي شييء عن الأدب العربي الذي اقترن دوما في مخيال الغرب بالعمل الخالد "ألف ليلة وليلة".
وأضاف أن هذا المترجم والمبدع الذي كرس حياته لتقديم عيون الأدب العربي الحديث والمعاصر للقاريء بالانجليزية في الغرب منذ أن ترجم للانجليزية "حكايات من الحياة المصرية" لمحمود تيمور، لافتا إلى أنه أول من ترجم للانجليزية ابداعات نجيب محفوظ قبل زمن طويل من تتويجه بجائزة نوبل للأدب.
والبريطاني دنيس جونسون ديفيز ولد عام 1922 في كندا وعاش فترة من طفولته في القاهرة التي سيعود لها بعد سنوات عديدة حتى أسلم الروح بها حيث قضى في حي الدقي القاهري ووري الثرى في "قرية تونس" بالفيوم التي كان يعشقها، فيما ارتبط بصداقات مع أقطاب للثقافة المصرية والعربية وفي مقدمتهم نجيب محفوظ ويحيى حقي وتوفيق الحكيم وإدوار الخراط وإدوارد سعيد والطيب صالح.
وحسب مذكراته في كتاب "مذكرات مترجم" فقد بدأت رحلة جونسون في الترجمة من العربية إلى الانجليزية منذ عام 1946 حيث قدم للقاريء الغربي مختارات قصصية للمبدع المصري محمود تيمور، فيما تكشف مقابلاته الصحفية عن إدراك عميق لأهمية الترجمة في التقريب بين الشعوب والثقافات.
وبرؤية ثقافية ثرية وضرورية للمترجم الذي يتصدى لترجمة أعمال في الأدب، قام دنيس جونسون ديفيز بترجمة روايات ومختارات قصصية لنجيب محفوظ ويحيى حقي ويحيى الطاهر عبد الله وصنع الله ابراهيم ومحمد البساطي وسلوى بكر وزكريا تامر فضلا عن مسرحيات للكاتب الكبير توفيق الحكيم.
ويعد دنيس جونسون ديفيز أول من قدم بالانجليزية للقاريء الغربي مجلدا من القصص العربية القصيرة، وهو مشروع بدأت فكرته في نقاش دار في منتصف أربعينيات القرن الماضي بينه وبين يحيى حقي غير أنه لم ير النور إلا في عام 1967 حيث صدر عن مطبعة جامعة اكسفورد البريطانية.
واللافت انه استمر في الترجمة والكتابة والانتاج الثقافي حتى أيامه الأخيرة، ونظرة على بعض أعماله في الترجمة والسرد والكتابة ككل تكشف مدى حبه لمصر والمصريين مثل "عشاق مصر وابداعاتهم الفريدة"، و"اكتشاف الفنانين الأمريكيين مصر"، و"فن من منازل القاهرة المملوكية"، و"مائة عام من عشق مصر".
ومن بين طروحات دنيس جونسون التي تدخل في كتابات التاريخ الثقافي المصري: "رحالة في مصر" و"رحلة لويل وغلير الى مصر" و"تآملات في مسجد السلطان حسن" و"تأثير الفاطميين على صناعة الفخار المصري" و"تشارلز باري عاشق العمارة المصرية" و"لوحات الفيوم اقدم الروائع الحداثية و"طيور النيل تستقطب انظار العالم" و"اميليا ادواردز عاشقة مصر التي وهبت النيل عمرها".
وهو أيضا صاحب قصص قصيرة تدور كثير من أحداثها في العالم العربي الذي عاش بين ربوعه طويلا، إلى جانب طروحات ثقافية أصيلة في مجال التواصل بين الثقافات وحوار الحضارات مثل: "المكتبات القديمة في العالم العربي" و"شغف العرب بالكتب على مر التاريخ" و"حكايات عن المسلمين" و"المسلمون في العالم و"العرب في ايطاليا"، و"الجغرافيا وعلماؤها في العصر الاسلامي"، و"فن التزجيج في العالم الاسلامي" و"العرب وقرطبة المجد" و"الثقافة العربية في شرق افريقيا" و"تأثير العربية في ابداع بورخيس".
وهذا المترجم البريطاني الكبير درس اللغة العربية في جامعة كمبردج والتحق بهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، ثم انتقل عام 1945 للعمل في المجلس الثقافي البريطاني بالقاهرة، كما عمل حتى عام 1949 كأستاذ للغة الانجليزية بجامعة القاهرة التي كانت تسمى حينئذ جامعة فؤاد الأول.
وواقع الحال أن مصر التي توهجت "طقوسها الثقافية الكوزموبوليتانية" حينئذ استقبلت مثقفين قادمين من الغرب بعضهم سيتحول إلى علامة ثقافية كونية مثل رولان بارت أحد اكبر القامات الأدبية والنقدية الفرنسية الذي عمل عام 1949 كمعيد في جامعة الإسكندرية وارتبط بصداقة مع عالم اللغة الشهير الليتواني الأصل ومؤسس "السيميائيات البنيوية" الجيرداس جوليان جريماس الذي كان يقضي فترة زمالة جامعية في مصر.
وإذا كان رولان بارت قد عرف بتنظيراته الشهيرة في "لذة النص"، فدنيس جونسون ديفيز صاحب اهتمامات أصيلة في قضايا اللغة وسعى للإجابة على أسئلة كبيرة مثل: ما الذي تتسم به لغة ما ويجعلها تظل على قيد الحياة ولماذا تنتشر لغة كالانجليزية التي تبدو كما لو كانت قد اكتسحت العالم وكيف حافظت مجتمعات صغيرة على لغاتها الخاصة؟ فهو أيضا كمبدع قد قدم للمكتبة الغربية نحو 40 كتابا في أدب الطفل وكلها تستند للثقافة العربية-الإسلامية.
ويعبر دنيس جونسون ديفيز عن جانب من رؤيته لقضايا الترجمة الأدبية في طرح بعنوان "لمحات في مسيرة ترجمة الأدب العربي"، فيما أعرب عن اعتقاده بأن النقطة الجوهرية في الأدب العربي الحديث هي أنه يقدم صورة للعرب من منظورهم الشخصي.
وفي هذا الطرح قال هذا المترجم الكبير: "ساورني الشعور طويلا بأننا مدينون للكثير من المترجمين الذين أعطي لهم القليل للغاية مقابل ما قدموه للعالم"، موضحا ان "الترجمة ليست فقط مسألة معرفة لغتين بشكل جيد ووضع كلمة مكان الآخرى"، فيما يؤكد أهمية الالتفات في الترجمة لمسألة اختلاف السياقات الثقافية بين لغة وأخرى، وأن "المترجم من مهامه الأساسية أن يأخذ بيد القاريء وهو يعبر من ثقافة إلى ثقافة".
ودنيس جونسون الذي ترجم للانجليزية رائعة الأديب السوداني الراحل الطيب صالح "موسم الهجرة للشمال"، له ذكريات صداقة مع هذا المبدع العربي الذي وجد ابداعه الروائي يطرح أمام القاريء الغربي بفضل قدرات هذا المترجم البريطاني الكبير الذي ترجم له أيضا رواية "عرس الزين"، كما ترجم ابداعات للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
ويعيد ويليام جريمس عبر مقاله في "نيويورك تايمز" للأذهان ان دنيس جونسون ديفيز ترجم للانجليزية عدة قصص للمبدع العراقي عبد الملك نوري الذي قضى عام 1998 وشاءت الأقدار أن يولد في مدينة السويس المصرية ثم يعود مع أسرته لبلاده ليوصف بأنه رائد القصة العراقية.
و لاريب أن تتويج نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآدب عام 1988 فتح شهية دنيس جونسون أكثر لترجمة المزيد من ابداعاته، كما يلاحظ ويليام جريمس، معددا هذه الترجمات ومن بينها "رحلة ابن فطومة"، و"ليالي ألف ليلة"، و"أصداء السيرة الذاتية".
وينقل المحرر الثقافي في "نيويورك تايمز" عن المفكر الفلسطيني الأصل إدوارد سعيد قوله ان دنيس جونسون ديفيز هو "أهم مترجم من العربية للانجليزية في زمننا وهو الذي عرف القراء في الغرب بمدى تنوع وثراء الأدب العربي المعاصر".
ولا ريب ان هذا المثقف النبيل والمترجم الكبير الذي عرف الغرب بأن هناك ابداعات ادبية عربية معاصرة جديرة بالقراءة وان الابداع العربي لا يجوز ان يبقى داخل أسوار "ألف ليلة"، على عظمة وأهمية هذا العمل الخالد، جدير بالتكريم في الملتقيات والفعاليات الثقافية العربية الكبرى مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي غابت قضايا الترجمة عن دوراته الأخيرة.
واذا كان دنيس جونسون قد شبه رحلته الطويلة في الترجمة بمن يتسلق جبلا عاليا، فلا جدال أن مؤسس مجلة أصوات" الثقافية الغربية والمعنية بالأدب العربي في ستينيات القرن الماضي، بلغ ذروة عالية على هذا المرتقى.
وقد تعيد قصة دنيس جونسون للأذهان قضية خطيرة حقا؛ ألا وهي أن الترجمة أضحت سلاحا لاغنى عنه في في زمن الافتصاد المعرفي واشتراطات الحداثة وأهمها ما يسمى "الوعي بالكوكبية"، وهو الشرط الذي حدده بول كنيدي استاذ التاريخ بجامعة ييل الأمريكية ومؤلف كتاب "صعود وسقوط القوى العظمى".
واذا كان العالم الاقتصادي الشهير آدم سميث قد حدد في كتابه "ثروة الأمم" الصادر عام 1776 مصدرين للثروة هما العمل والادخار، فإن عنصر المعرفة بات يقترن بالعمل في عصرنا هذا وهنا بالتحديد تتجلى الأهمية الاستراتيجية للترجمة كقاطرة معرفية فاعلة.
وعندما يحين الوقت لتأريخ دقيق للترجمة في السياق المعاصر للعالم العربي، سيتوقف اي باحث منصف أمام الدور الكبير الذي نهض به دنيس جونسون ديفيز على مضمار الترجمة من العربية للانجليزية.. فسلام على مثقف غربي نبيل هام عشقا بأرض الكنانة واختار أن يدفن في ثراها.. سلام على من ازدهى باللغة الجميلة على جسر المحبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.