استمرار انعقاد اجتماعات لجنة ترشيحات «مستقبل وطن» لانتخابات النواب 2025 بشكل يومي    وزير السياحة والآثار وسفير الهند بالقاهرة يبحثان دفع أواصر التعاون المشترك بين البلدين في مجالي السياحة والآثار    تفاصيل اجتماع نائب محافظ الدقهلية لمتابعة التزام مصانع المنطقة الصناعية بالمعايير والاشتراطات    تجديد شهادة TSM لمحطة مياه سرياقوس بالقليوبية    وزير الاستثمار السعودي: ندعم مبادرة تأسيس صندوق للاستثمارات السعودية في سوريا    إسرائيل تخطط لإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس    إسرائيل تعلن إلغاء تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين لدى السلطة الفلسطينية (تفاصيل)    رابطة الأندية تعلن عقوبات الجولة الثانية من الدوري    ضبط 3 أشخاص هدد أسرة بسلاح أبيض بعد تداول فيديو الواقعة على مواقع التواصل بالفيوم    هاني أحمد زويل أول ضيوف برنامج "هذا الرجل أبي" على شاشة التليفزيون المصري    محمد مصطفى أبو شامة: إسرائيل تمنع دخول المراسلين الأجانب لفرض روايتها على العالم    مصادر مصرية للقاهرة الإخبارية: المقترح يتضمن إطلاق 10 محتجزين و18 جثمانا    هاني أحمد زويل أول ضيوف برنامج «هذا الرجل أبي» على شاشة التليفزيون المصري    أمين الفتوى: الشعور بالفتور أمر طبيعي وليس دليلًا على التقصير أو النفاق    نائب وزير الصحة يبحث تفعيل آليات معايير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الطبية    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    محافظ الوادي الجديد يعتمد النزول بسن القبول بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة الرسمية الدولية    كشف ملابسات قيام سائق "توك توك" بالسير عكس الإتجاه بالإسكندرية    وكيل الأزهر: مسابقة «ثقافة بلادي» نافذة لتعزيز الوعي ونقل صورة حقيقية عن مصر    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    وزير الأوقاف ناعيا الدكتور صابر عبدالدايم: مسيرة علمية حافلة بالعطاء في خدمة اللغة العربية    مصرع عامل وطفل فى انهيار منزل بدار السلام بسوهاج    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    محافظ القاهرة: سحب أى وحدة سكنية مؤجرة للغير بالسكن البديل للمناطق المطورة    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    حقيقة مفاوضات الأهلي مع محمد عبد المنعم.. شوبير يكشف    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    "ما السبب؟".. رد حاسم من لجنة الحكام على طلب الأهلي بإيقاف معروف    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    حجز المتهم بالتعدي على زوجة شقيقه في الشرقية    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    تظاهرة لآلاف الإسرائيليين للمطالبة بوقف حرب غزة    وزيرة التنمية المحلية تؤكد على تعزيز القيمة الثقافية للمدن التراثية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف والدولة الوطنية في إقليم مضطرب
من تراجع الدور وتشوش الرؤي إلي الفعل الثقافي
نشر في أخبار الحوادث يوم 26 - 11 - 2016

الجدل حول المثقف تجاوز حضوره ووظائفه وأدواره،‮ ‬وإنما إلي وجوده في الحياة ما بعد العولمية،‮ ‬وفي الإمبراطورية الرقمية العظمي التي‮ ‬يزداد اتساعها،‮ ‬وشمولها للإنسان والمجتمع والتاريخ والذاكرات،‮ ‬من هنا‮ ‬يطرح بعضهم موت المثقف الورقي،‮ ‬أو المثقف عموما،‮ ‬ولم‮ ‬يعد الأمر قصراً‮ ‬علي المجتمعات ما بعد بعد الحديثة المضطربة فقط،‮ ‬وإنما في الإقليم العربي الممزق وفوضاه سنحاول معالجة أدوار المثقف العربي في ظل حالة الاضطراب،‮ ‬والإرهاب،‮ ‬والفوضي النسبية في المنطقة علي النحو التالي‮:‬
أولاً‮: ‬أزمات الدولة الوطنية في إقليم مضطرب
ثانياً‮: ‬هل هناك أدوار للمثقف في سياقات السيولة والغموض والخرائط الانقسامية المتحركة وذلك علي النحو التالي‮:‬
أولاً‮- ‬أزمات الدولة الوطنية في إقليم مضطرب
الدولة العربية ما بعد الاستقلال،‮ ‬هي دولة في طور التشكيل البنائي علي مستوي المفهوم والمعني والثقافة والهياكل والوظائف،‮ ‬ومن ثم نحن أمام وجوه للدولة ملتبسة بالنظام السياسي الشمولي أو التسلطي والقمع المادي والرمزي والعنف الأيديولوجي،‮ ‬واختزال الدولة في السلطة التي بدت في عديد الأمثلة مندمجة مع الحاكم،‮ ‬ومن ثم أصبح تشخيص وشخصنة الدولة ظاهرة عربية بامتياز،‮ ‬من هنا كان تطور الدولة‮ ‬يسير في مسارات قمعية عنيفة،‮ ‬وكان وجهها الآخر هو تمددها وهيمنتها علي المجتمع،‮ ‬والمجال العام المحاصر والمقيد،‮ ‬وفي ذات المستوي كانت هشاشتها البنيوية علامة عليها،‮ ‬وعدم استكمال شروطها وتشكلاتها الهيكلية‮. ‬يبدو لي أن عدم تطور الدولة هيكلياً‮ ‬وكمعني وكوعي سياسي واجتماعي لدي‮ ‬غالبية مكونات وشرائح شعوبها العربية الاجتماعية‮ ‬يعود إلي عديد الأسباب،‮ ‬نستطيع أن نوجز بعضها فيما‮ ‬يلي‮:‬
ورثت دولة ما بعد الاستقلال،‮ ‬الهياكل الإدارية التي تأسست في مراحل الاستعمار الغربي‮ ‬ البريطاني والفرنسي والإيطالي بقطع النظر عن السياسة الاستعمارية في حكم البلدان العربية المستعمرة‮ ‬ من الحكم الفرنسي المباشر،‮ ‬والحكم البريطاني‮ ‬غير المباشر ومشاركة بعض أبناء هذه البلدان في تسيير شئونهم الذاتية وكانت هذه الهياكل الإدارية قد تم هندستها في ضوء أهداف المستعمر الأوروبي،‮ ‬ولم‮ ‬يكن الهدف الرئيس من وراء تأسيسها هو بناء دولة مستقلة،‮ ‬ومؤسسات للمشاركة الحقيقية،‮ ‬في إطار دولة القانون والحق‮. ‬من ثم لم‮ ‬يؤي وراثة نخب وآباء الاستقلال لهذه الهياكل إلي تغيير هيكلي ونوعي نحو بناء دولة حديثة‮.‬
التراكيب والتشكيلات الاجتماعية في‮ ‬غالب بلدان العالم العربي‮ ‬ باستثناء مصر،‮ ‬وإلي حد ما المغرب تتسم بالطابع الانقسامي‮ ‬fragmented علي أسس طائفية،‮ ‬وقبلية وعشائرية ودينية ومذهبية ولغوية وقومية ومناطقية تحمل في تكوينها وتاريخها صراعات وتوترات تحملُ‮ ‬هذه الانقسامية،‮ ‬والطابع التقليدي في قيادة هذه المكونات الأساسية‮.‬
قام بعضُ‮ ‬آباء الاستقلال ونخب الدولة الناشئة بالتمييز لصالح القواعد الاجتماعية للمكونات الأساسية كالطائفة،‮ ‬والعشيرة،‮ ‬والقبلية،‮ ‬والمنطقة،‮ ‬يداخلها الدين والمذهب،‮ ‬والقومية واللغة،‮ ‬ومن ثم هذا التمييز تجلي في التجنيد للحزب الحاكم السلطوي،‮ ‬أو للوظيفة العامة،‮ ‬أو في الخدمات الاجتماعية وهو أمر ظهر في‮ ‬غالب الدول الناشئة،‮ ‬وفي بعض الحالات تمت تحالفات عشائرية وطائفية ومذهبية اعتمدت عليها بعض دول ما بعد الاستقلال العربية‮. ‬ورغماً‮ ‬عن تطور الدولة وهياكلها وإفراطها في تضخم أجهزتها القمعية إلا أن معني الدولة المتجاوز لسلطاتها وأجهزتها ظل مشوشاً‮ ‬في الوعي الجمعي لقطاعات اجتماعية واسعة‮.‬
ساهمت طبيعة الدولة العربية الناشئة بعد الاستقلال ومحمولاتها وهشاشتها في اعتماد إستراتيجية بوتقة الصهر في السعي لإنتاج الاندماج الوطني،‮ ‬ليس علي أسس مجموعة من السياسات الاجتماعية،‮ ‬والمشاركة السياسية لكافة المكونات الأساسية في أجهزة الدولة ومؤسساتها القومية وعلي أساس تكافؤ الفرص دون تمييز،‮ ‬إلا أن التكامل الوطني اعتمد علي الآلة القمعية البوليسية،‮ ‬وعلي العنف الأيديولوجي‮.‬
أدت الثقافة السياسية والدينية التسلطية،‮ ‬وممارسة السلطة السياسية والدينية والنخبة الحاكمة التسلطية والشمولية إلي فرض هندسة سياسية تعبوية تعتمد علي الحزب الواحد،‮ ‬أو علي تعددية شكلية مقيدة في بعض البلدان،‮ ‬في ظل فرض قيود ثقيلة علي الحريات العامة والشخصية،‮ ‬وعلي تأميم المجال العام،‮ ‬أو في بعض الأحيان فرض حصار صارم حوله‮.‬
فشل عديد من نماذج التنمية وسياساتها الاقتصادية‮.‬
بروز الأزمات الطائفية والتمييز ضد الأقليات الدينية‮.‬
أزمة دولة القانون الحديث وسيادته وارتهانه للسلطة الحاكمة،‮ ‬وانتشار معدلات الفساد الهيكلي وفي الوظيفة العامة‮.‬
اللعب بالدين في السياسات الداخلية وبناء الشرعية السياسية‮.‬
قامت بعض الدول من خلال سياساتها الاجتماعية في أعمال بعض الحقوق الاجتماعية للمواطنة كالحق في السكن والتعليم والعمل والصحة مع حجب ومصادرة المواطنة السياسية في ظل دولة التعبئة وهندساتها الأمنية والقانونية والحزبية‮.‬
وجيز ما سبق أن دولة ما بعد الاستقلال‮ - ‬باستثناء الدولة المصرية الحديثة وثقافة الدولة ووعي المصريين بها،‮ ‬ودولة المخزن في المغرب‮ ‬ ولدت هشة ومعاقة كمعني وثقافة ووعي بها،‮ ‬وتداخلت مع شخصنة الدولة والسلطة كظاهرة سياسية،‮ ‬واختزال الدولة في أجهزتها القمعية والبيروقراطية،‮ ‬وفشل عديد السياسات،‮ ‬ونشوب حروب أهلية في بعضها كما في الحرب الأهلية اللبنانية،‮ ‬والحرب بين شمال السودان وجنوبه،‮ ‬والحرب في إقليم دارفور،‮ ‬وانتشار العنف الاجتماعي والسياسي ذي الأقنعة الدينية والطائفية في بعض البلدان كالحرب الأهلية في الجزائر،‮ ‬وأعمال العنف الاسلامي الراديكالي في مصر من بعض الجماعات كحرب التحرر الإسلامي و(جماعة المسلمون‮) "‬التكفير والهجرة‮" ‬والجماعة الإسلامية،‮ ‬والجهاد وأنصار بيت المقدس وبعض الجماعات السلفية الجهادية في سيناء علي سبيل المثال‮. ‬من ناحية أخري تمدد الجمود السياسي والنخبوي وضيق قاعدة التجنيد للنخبة السياسية الحاكمة،‮ ‬واستبعادات لأجيال وكفاءات ومواهب متعددة التخصصات،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن استبعاد وإقصاء لعديد من المثقفين النقديين‮ ‬لصالح بعض الداعمين للسلطة الحاكمة‮.‬
مما سبق‮ ‬يبين أن الدولة الوطنية في‮ ‬غالب أمثلتها ولدت معاقة بنيوياً،‮ ‬ولم تستطع أن تطور سلطاتها وأجهزتها من خلال الأدوات السياسية المؤسسية والسياسات الاجتماعية والرمزية،‮ ‬ومن ثم اتسمت بعديد من الاختلالات والترهل وتمددت الشروخ والتآكل إليها،‮ ‬وإلي نخبة الحكم،‮ ‬ومن ثم أدت موجة الانتفاضات الثورية في تونس ومصر إلي حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة مما فاقم من أزمات الدولة الوطنية،‮ ‬وأدي إلي انهيار بعضها كما في المثالين اليمني والليبي،‮ ‬والحروب الأهلية في سوريا والعراق‮.‬
يمكننا الإشارة إلي بعض التغيرات التي تمت في أعقاب الانتفاضات في المنطقة وأثرت علي الدولة الوطنية وتماسكها‮.‬
أ‮- ‬انكشاف الاختلالات الهيكلية للدولة وسلطاتها وأجهزتها في ظل سياقات سريعة ومضطربة،‮ ‬وضعف تضخمها وتمددها،‮ ‬وغياب سياسات إصلاحية أو تجديدية للدولة ومؤسساتها ولمعناها وثقافتها والوعي الاجتماعي والسياسي بها‮.‬
ب‮- ‬أدت الانتفاضات الثورية إلي انهيار النخبة وأحزابها السياسية الحاكمة،‮ ‬وعدم تبلور قيادة بديلة لديها تصورات سياسية واقعية قابلة للتحقيق،‮ ‬وقدرات وملكات سياسية علي قيادة القوي المنتفضة،‮ ‬وبلورة حد أدني من التوافق العام،‮ ‬وإنما طبيعة مكونات القوي الشبابية الثورية الذين خرجوا من الفضاء الرقمي إلي الفضاء الواقعي أو الفعلي لم تكن تؤدي إلي تحقيق ذلك لأن طبيعة التفاعلات الرقمية قاعدية ولا تعتمد علي بنية هرمية،‮ ‬وقيادية،‮ ‬وهو ما حملته معها الأجيال الشابة وطلائعها الثورية،‮ ‬والتي سرعان ما تحول بعضهم إلي جماعات مفككة ومتنافسة ومتصارعة علي نحو سهل علي السلطة الفعلية في البلاد من استيعاب بعضهم بل وتشكيل مجموعات كبيرة استطاعت أن تهمش نسبياً‮ ‬بعض النشطاء الآخرين ممن ظهروا علي ساحة الجموع الغفيرة المنتفضة‮. ‬وهو ما استطاعت بعض القنوات الفضائية من تقديم بعض هؤلاء النشطاء في البرامج الحوارية والسجالية التي استهلكت بعضهم وخطاباتهم السجالية أو الشجارية مما أثر علي صور بعضهم في الإدراك شبه الجمعي لمستهلكي البرامج المرئية‮.‬
ج‮- ‬أدي صعود الجماعات الإسلامية السياسية ودخول الجماعات السلفية ودعاتها وقادتها من بعض المشايخ إلي إشاعة خطابات دينية نقلية ومحافظة ومتشددة أنتجت حالة من الخوف لدي قطاعات اجتماعية ومعهم الأقباط في مصر‮ - ‬وبعض الأقليات الدينية والمذهبية في سوريا،‮ ‬والعراق‮- ‬لاسيما في ظل ضعف ثقافة الدولة والرأسمال الخبراتي الدولتي لدي الجماعات الإسلامية السياسية التي تواطأت مع السلطة الفعلية وهندسة قائمة أعمال المرحلة الانتقالية الأولي‮. ‬كشف الأداء البرلماني والتنفيذي والسياسي عن ضعف الخبرات،‮ ‬واضطراب الرؤي وضحالة الخيال السياسي وملكات إدارة مراحل الانتقال السياسي مما فاقم من الخوف الذي وصل إلي رهَّاب سياسي لدي بعض الفئات الاجتماعية،‮ ‬وأن ثمة خطرا داهما علي نمط حياتهم الحديث الذي ألفوه طيلة عقود انطلاقاً‮ ‬من نهاية القرن التاسع عشر مروراً‮ ‬بالقرن العشرين وأوائل العقد الثاني من الألفية الحالية‮.‬
د‮- ‬في المرحلتين الانتقالية الأولي والثانية في مصر أدت خارطة الطريق والتوافق عليها بين جماعة الإخوان والسلفيين والسلطة الفعلية إلي فتح الباب أمام كليهما لعمل استعراضات للقوة في الشارع من حيث القدرة علي التعبئة والحشد والتنظيم وفرض شعارات دينية علي عملية ثورية لم‮ ‬يشاركوا فيها إلا قليلاً،‮ ‬ومحاولتهما انتزاع بعض صلاحيات الحكم من خلال تنظيم المرور،‮ ‬والمشاركة في بعض اللجان الشعبية،‮ ‬وفي تدريب قضاة شرعيين،‮ ‬والقيام ببعض أعمال الحسبة علي نحو أشاع الخوف لدي بعض الفئات الاجتماعية،‮ ‬من ناحية أخري الإفراج عن بعض المحكوم عليهم من الجماعات الإسلامية السياسية في قضايا عنف وإرهاب،‮ ‬وبعضهم‮ ‬ينتمي إلي جماعتي حماس وحزب الله،‮ ‬والذين قام بعضهم بمهاجمة السجون والإفراج عنهم بالقوة‮.‬
من ناحية ثانية‮: ‬تسامحت جماعة الإخوان المسلمين مع دخول عناصر مسلحة من حماس إلي البلاد علي نحو خطير لدعمها‮.‬
ه‮- ‬في أعقاب تشكل تحالف‮ ‬30‮ ‬يونيو،‮ ‬وخارطة الطريق الثانية للمرحلة الانتقالية الثالثة،‮ ‬بدأت جماعة الإخوان وبعض حلفائها من الجماعة الإسلامية والجهاد في ممارسة أعمال التظاهر المصحوب بالعنف لمواجهة عملية التغيير التي تمت وإزاحة رئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسي عن سدة السلطة‮. ‬استمرت هذه العمليات العنيفة ذات الطبيعة الإرهابية طيلة السنوات الماضية،‮ ‬وذلك علي الرغم من تمكن أجهزة الدولة المصرية من استعادة الأمن والاستقرار النسبي‮. ‬من ناحية أخري ثمة أحداث عنف إرهابية من جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء‮ - ‬والتي بايع قادتها‮ - ‬أبو بكر البغدادي‮- ‬قيادة تنظيم داعش،‮ ‬وتقوم القوات المسلحة بمواجهة هذه الجماعة التي تراجعت نسبياً،‮ ‬إلا أنها تقوم بين الحين والآخر ببعض العمليات الإرهابية‮. ‬إن مجمل عمليات العنف،‮ ‬والاضطراب وعدم الاستقرار في مصر،‮ ‬لم تستطع أن تؤثر علي قوة الدولة كمعني وثقافة في الوعي الاجتماعي والسياسي للمصريين،‮ ‬ولا علي الإدراك شبه الجمعي بأن المصريين‮ ‬يشكلون أمة واحدة موحدة حول الدولة القومية الحديثة من محمد علي وإبراهيم باشا وإسماعيل باشا حتي سعد زغلول ومصطفي النحاس ومكرم عبيد وطه حسين ومحمد حسنين هيكل باشا إلي ناصر حتي المرحلة الراهنة رغم الجمود الهيكلي لأجهزة الدولة وسلطاتها،‮ ‬والجروح التي ظهرت في هياكلها ولدي بعض المنتمين للحركات الإسلامية،‮ ‬بشأن الحداثة السياسية والقانونية الوضعية،‮ ‬ومطلبهم السياسي الديني بضرورة تغيير طبيعة الدولة وتحويلها إلي دولة إسلامية،‮ ‬ومن ثم إزاحة الهندسة القانونية الحديثة وتطبيق القوانين المستمدة من نظام الشريعة الإسلامية‮.‬
ه‮- ‬أدت الانتفاضات الثورية في تونس ومصر إلي تمدد آثارها علي الأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا،‮ ‬أياً‮ ‬كانت أسباب الحراك الجماهيري في هذه الدول وطبيعة التدخلات الإقليمية والدولية إلي فتح الأبواب أمام عنف مفرط،‮ ‬وسرعان ما تحول إلي حروب أهلية مكشوفة ساهمت في كشف هشاشة الدولة في ليبيا،‮ ‬واليمن وانهيارها،‮ ‬وعن طبيعة تركيبة الحكم وقواعده المدنية والمذهبية والقومية والمناطقية في سوريا والعراق‮.‬
و‮- ‬ساهمت الحروب الأهلية في الإقليم العربي في تمدد الحركات الإسلامية السياسية الراديكالية،‮ ‬وحضورها الفاعل والمؤثر علي مسار الأحداث‮.‬
ومن ثم سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق‮- ‬داعش‮ -‬علي أراض في سوريا والعراق لإقامة ما‮ ‬يسميه بدولة الخلافة الإسلامية‮. ‬من ناحية أخري لم‮ ‬يقتصر العنف علي داعش والنصرة في المشرق حيث امتدت بعض عمليات داعش إلي لبنان،‮ ‬وليبيا والمملكة العربية السعودية،‮ ‬وبعض عناصرها في اليمن،‮ ‬وكذلك تنظيم القاعدة له أيضاً‮ ‬حضور في ظل الحرب الأهلية اليمنية المستعرة هناك‮.‬
ز‮- ‬العمليات الإرهابية لداعش والسلفية الجهادية في شمال أفريقيا،‮ ‬وبوكو حرام وغيرها،‮ ‬ولم تعد قصراً‮ ‬علي المناطق الجيو سياسية التي تتواجد فيها،‮ ‬وإنما أصبحت تشكل خطراً‮ ‬كونياً‮ ‬علي نحو ما برز في عديد عمليات تنظيم القاعدة وعلي رأسها ضرب أيقونات القوة الأمريكية ورموزها في‮ ‬11‮ ‬سبتمبر،‮ ‬وإنما قام تنظيم الدولة الإسلامية‮ "‬داعش‮"‬،‮ ‬بعديد العمليات في فرنسا،‮ ‬وألمانيا،‮ ‬والولايات المتحدة‮.. ‬إلخ،‮ ‬بحيث نستطيع القول أن الإرهاب بات جزءاً‮ ‬من حياة عالمنا في هذه المرحلة من تطوره،‮ ‬وأن الدول والأفراد والمجتمعات علي اختلافها عليها أن تتكيف علي كافة الصعد مع العنف الإرهابي الطليق والوحشي،‮ ‬وذلك لتعدد مصادره وجماعاته،‮ ‬ولم‮ ‬يُعد قصراً‮ ‬فقط علي الجماعات المنظمة،‮ ‬وإنما امتد إلي ما‮ ‬يسمي بالذئاب المنفردة،‮ ‬أو بعض أعمال العنف الإرهابي الفردية ذات المنحي الفوضوي الساخط علي وضع المجتمعات الرأسمالية الغربية المعاصرة،‮ ‬وأشكال الإقصاءات والاستبعادات لبعض مواطنيها أو المهاجرين إليها،‮ ‬أو العنف الناجم عن إشكالية المعني والشرط الإنساني في هذه المجتمعات الأكثر تقدماً‮.‬
ح‮- ‬في مراحل المابعديات السائلة والتي‮ ‬يشوبها بعضُ‮ ‬من الاضطراب في بنية المجتمعات الأكثر تقدماً،‮ ‬وفي‮ ‬غيرها،‮ ‬ثمة تراجع منظومات المعاني حول الوجود الإنساني،‮ ‬وتتفكك وتنهار السرديات الكبري،‮ ‬ومعها سرديات لعديد الجماعات والمكونات الاجتماعية،‮ ‬وتتآكل مفاهيم،‮ ‬أصبحت السيولة والاضطراب الرمزي والهوياتي سمتاً‮ ‬لعالم المابعديات السائل والمتحرك والمتداخل،‮ ‬ومن ثم تأثرت عديد من المفاهيم التي تأسست حول الدولة القومية،‮ ‬والهويات المتخيلة لاسيما حول القومية،‮ ‬والأمة علي نحو‮ ‬غير مسبوق،‮ ‬وأصبح مفهوم السيادة موضوعاً‮ ‬للتغير والانتهاك ويشوبه بعض التآكل في مكوناته من خلال عديد الأمور وعلي رأسها ما‮ ‬يلي‮:‬
1‮- ‬اتساع منظومات الاتفاقيات التي تنظم الحياة الدولية بما فيها الأنظمة القانونية الوضعية‮.‬
2‮- ‬بروز التحكيم الدولي في عديد المنازعات السياسية،‮ ‬والاقتصادية والتجارية بما أدي إلي تآكل مفهوم السيادة التشريعية للدولة‮.‬
3‮- ‬انهيار بعض مكونات السيادة وسيطرة الدولة علي الأثير من خلال الفضائيات،‮ ‬والإذاعات،‮ ‬والمجال العام الافتراضي الكوني عبر شبكة الإنترنت‮.‬
4‮- ‬بروز شركات الأمن الخاصة،‮ ‬والنقود الرقمية‮. ‬عوالم جديدة تتشكل علي المستوي الكوني،‮ ‬وتتراجع معها أنظمة ومفاهيم وذاكرات جماعية،‮ ‬ومواريث لصالح عالم مختلف وجديد‮. ‬وذي معالم‮ ‬غائمة وسائلة‮.‬
5‮- ‬ظهور بعض القوانين الإمبراطورية في الولايات المتحدة ويتجاوز تطبيقها مفهوم السيادة الوطنية لتطبيقها علي المستوي الكوني،‮ ‬ومعها آليات لتطبيقها مثل القوانين الخاصة بالحرية الدينية،‮ ‬وحقوق الإنسان،‮ ‬ومؤخراً‮ ‬قانون جاستا الخاص بتعويضات ضحايا حادث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر الإرهابي الذي ارتكبه تنظيم القاعدة‮.‬
إن مجمل التغيرات السابقة الذكر،‮ ‬تشير أن هناك تحولات موضوعية ضارية تحدث في العالم الكوني ومجتمعاته،‮ ‬من العنف الإرهابي والفوضي علي محدوديته،‮ ‬إلي تشكلات تنظيمية إرهابية توظف بكفاءة العوالم الافتراضية في التجنيد وبث أيديولوجيتها الوحشية،‮ ‬وباتت ذات تكوين للعضوية متعدد الجنسيات ومن ثم أصبحت داعش مثالا علي التنظيم الإرهابي الكوني المتعدد‮ ‬الجنسيات،‮ ‬واستطاع جذب أعضاء من جنسيات‮ ‬غربية وعربية‮ ‬وإسلامية،‮ ‬ويستخدم أقصي درجات الوحشية وتوظيفها في إشاعة الخوف الكوني والرعب بعملياته الإرهابية بهدف تحقيق الردع الكوني إزاء القوي الكبري والدول علي اختلاقها‮.‬
تأسيساً‮ ‬علي ما تقدم نستطيع تحديد أزمات الدولة الوطنية في الإقليم العربي بإيجاز فيما‮ ‬يلي‮:‬
أزمة الهشاشة البنيوية لمعناها وهياكلها وجمودها وتآكل بعض أسسها وشرعنتها ومكوناتها كنتاج لخطابات دينية إسلامية راديكالية وغيرها تشكك في شرعيتها الدينية والسياسية وتطرح بدائل لها تتمثل في تأسيس الدولة الدينية،‮ ‬وتغيير هندساتها القانونية الحديثة الوضعية،‮ ‬وتطرح هندسة شرعية تستمد من الأصول الدينية،‮ ‬ومن ثم تتغير معها مفاهيم المساواة،‮ ‬والمواطنة والحريات الشخصية والعامة،‮ ‬بل والهندسة الاجتماعية الحديثة،‮ ‬بل وتمتد إلي نمط الحياة الحديثة ونظام الزي،‮ ‬بل ويمتد إلي تنظيم الوظيفة العامة ومبدأ تكافؤ الفرص الذي سيتأثر من خلال النوع الاجتماعي والتمييز الذكوري إزاء المرأة وفرصها في الحياة العامة،‮ ‬والأقليات الدينية‮.‬
عدم إصلاح هيكلي للدولة وسلطاتها وأجهزتها وتجديد ثقافتها في الوعي الاجتماعي،‮ ‬واستمرارية الجمود السياسي،‮ ‬وحصار المجال العام،‮ ‬والعودة مجدداً‮ ‬إلي التسلطية السياسية في بعض البلدان،‮ ‬وتراجع النمو الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية،‮ ‬من حيث سياسات التوزيع،‮ ‬وارتفاع معدلات البطالة والتضخم الركودي،‮ ‬علي نحو بات مؤثراً‮ ‬علي الفئات الفقيرة،‮ ‬وبعض شرائح الفئات الوسطي الصغيرة،‮ ‬والوسطي‮ / ‬الوسطي‮.‬
انهيار الدولة في بعض المجتمعات العربية كليبيا واليمن في ظل الحرب الأهلية وتفككها إلي مجموعة من الميليشيات المسلحة،‮ ‬أو المجموعات والمناطق القبلية المتصارعة‮. ‬من ناحية أخري تمدد الإرهاب والحروب الأهلية في سوريا والعراق،‮ ‬وترتب عليها موجات واسعة من الهجرة القسرية إلي بعض دول الجوار العربي كلبنان،‮ ‬والأردن،‮ ‬والعراق ومصر والسعودية،‮ ‬وتركيا،‮ ‬ثم قوارب الهجرة إلي بعض الدول الأوروبية،‮ ‬أو من خلال الهجرة البرية إذا جاز التعبير‮.‬
‮- ‬الاعتداءات الدامية والجسيمة علي بعض المكونات الاجتماعية من المسيحيين العرب،‮ ‬والأزيديين وغيرهم في العراق وسوريا،‮ ‬وهدم دور عبادتهم،‮ ‬ودفعهم للهجرة القسرية الخارجية،‮ ‬أو إلي مناطق أخري في كلا البلدين‮.‬
‮- ‬تحطيم تنظيم داعش لجزء من الآثار التاريخية وبيع بعضها في الأسواق الدولية من خلال تهريبها عبر عصب تهريب منظمة من سوريا والعراق إلي بعض دول الجوار الجغرافي العربي،‮ ‬وهو ما‮ ‬يشكل محاولة لتحطيم ومحو جزء مهم من الذاكرة الجماعية لهذه الدول ومجتمعاتها وشعوبها‮.‬
6‮-‬تشكل مجتمعات للهجرة القسرية من دول النزوح إلي دول الجوار العربي وبعض دول الجوار الجغرافي اللا عربية،‮ ‬والدول الأوروبية وأمريكا‮.. ‬الخ،‮ ‬ومن ثم تبرز مشكلات اقتصادية واجتماعية،‮ ‬وثقافية لمجتمع المهاجرين،‮ ‬ومن ثم مشاكل العودة حال ما إذا وضعت الحروب الأهلية أوزارها‮.‬
7‮- ‬مشكلات ما بعد الحرب الأهلية من حيث إعادة البناء والترميم،‮ ‬والكلفة الاقتصادية والمالية الضخمة التي لا تمتلكها بعض‮ ‬هذه الدول‮.‬
8‮- ‬إعادة بناء الجيوش كمؤسسات موحدة لمكونات المجتمع وفئاته علي اختلاف مواقعها في الهيكل الاجتماعي،‮ ‬وذلك بعد تفككها وتحولها إلي ميلشيات،‮ ‬أو تتعامل داخل نطاق ومسارات الحرب الأهلية وكأنها ميليشيات مسلحة‮. ‬الأخطر هو كيفية إعادة دمج المجموعات المسلحة داخل عمليات بناء الجيوش الجديدة،‮ ‬وفي ظل عمليات إعادة بناء الدولة والنظام السياسي الجديد؟ وهل سيكون ديمقراطيا أم ستستمر طبيعته السابقة ما قبل الحرب الأهلية تسلطية أم تسلطية بوجه جديد؟
9‮- ‬تحدي شكل الدولة ونظامها السياسي ما بعد الحرب الأهلية،‮ ‬في سوريا والعراق واليمن وليبيا،‮ ‬والسؤال ما شكل الدول ما بعد الحرب الأهلية‮! ‬وهو ما تطرحه بعض السيناريوهات المحتملة والخرائط الجيو‮- ‬سياسية،‮ ‬والجيو‮- ‬عرقية،‮ ‬والجيو‮- ‬قومية،‮ ‬والجيو‮ - ‬دينية ومذهبية التي تحملها بعض السيناريوهات التي‮ ‬يتم تداولها إعلاميا عن بعض المصادر البحثية او مقالات لبعض الباحثين‮.‬
ثمة ملمح رئيس في بعض هذه السيناريوهات أن شكل الدولة المركزية في هذه البلدان والمجتمعات الانقسامية،‮ ‬لن‮ ‬يعود كما كان قبل الحرب ومنذ تأسيس دولة ما بعد الاستقلال،‮ ‬وأن المرجح من هذه الوجهة من النظر أن تتشكل دول فيدرالية أو كونفدرالية تعتمد علي تقسيمات عرقية قومية ودينية ومذهبية ومناطقية،‮ ‬وهو ما‮ ‬يشكل تحدياً‮ ‬جديداً‮ ‬علي النخب السياسية،‮ ‬وعلي الذاكرة الجمعية لهذه المكونات الأساسية التي سوف تتأسس عليها الدول الجديدة،‮ ‬والأخطر تأثير ذلك السلبي علي مفهوم الوطنية الذي ساد في هذه البلدان،‮ ‬والأخطر الأخطر هو استعادة المخيال الجمعي لتاريخ هذه المكونات وكتابة تواريخ أخري لها،‮ ‬ناهيك عن إشكاليات كتابة تاريخ وطني جامع‮.‬
10‮- ‬تحدي بناء سياسة ثقافية جديدة تتوافق مع تحولات هذه الدول ومجتمعاتها،‮ ‬وفي ظل تراجع نسبي لمفاهيم الوطنية والفكرة العربية الجامعة،‮ ‬مع بعض التمدد إلي الفكرة الإسلامية الجامعة لدي بعض المكونات العربية السنية‮.‬
ما سبق هو جزء من التحديات التي تواجه عمليات بناء دول ومجتمعات انقسامية ونخبها السياسية ودول المنطقة وبعض الدول الإقليمية‮- ‬إيران وتركيا‮- ‬وبعض الدول الكبري كالولايات المتحدة،‮ ‬وروسيا،‮ ‬وبعض دول المجموعة الأوروبية‮ (‬الاتحاد الأوروبي‮)‬،‮ ‬وستواجه الجماعات الثقافية،‮ ‬والمثقف في هذه البلدان،‮ ‬وفي العالم العربي كل هذه التحديات وغيرها،‮ ‬والسؤال ما الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقدمه المثقف في عالم من انهيارات الدول،‮ ‬وركام من الأفكار والقيم والسلع الثقافية المستهلكة،‮ ‬وفي عالم‮ ‬يموج بعمليات إرهابية،‮ ‬ويطرح إشكاليات المعني وتشوش الرؤي،‮ ‬في عالم مابعدي سائل ومضطرب؟
ثانياً‮: ‬هل هناك أدوار للمثقف في سياقات السيولة والغموض والخرائط الانقسامية السائلة والمتحركة‮:‬
المثقف وفق‮ ‬غالب التعريفات والمعاني السائدة عربياً‮ ‬علي‮ ‬غموض مفهومه وحصار مجال المثقف‮ - ‬لا‮ ‬يزال‮ ‬ينسب له أدوار خارج نطاق عمليات الإنتاج المعرفي والثقافة العالمة،‮ ‬أو المصحوبة بالإبداع،‮ ‬أو الإبداع المصحوب بالمعرفة والوعي بها،‮ ‬ومن ثم‮ ‬يمكن القول إن ثمة أدواراً‮ ‬يمكن له أداؤها،‮ ‬أيا كان رأينا وتحيزنا للتعريف الضيق بالمثقف ومجاله،‮ ‬ودوره المحدد في ضوء تطور السياقات التاريخية وتغير المفهوم والمعني والدور‮.‬
في ضوء المشكلات التي تواجه المثقف‮ -‬وفق معناه الشائع عربياً‮- ‬وتفكك بعض الجماعات الثقافية،‮ ‬وبعض الابتسارات التكوينية التي تمس تكوين بعض المثقفين وجماعاتهم المنقسمة،‮ ‬وأخطر هذه المشكلات هي الفجوة المعرفية المزدوجة بما‮ ‬يجري في العالم الكوني من تحولات ثقافية وسياسية،‮ ‬والانفصال عن معرفة في العمق لما‮ ‬يجري داخل مجتمعه من تغيرات اجتماعية لأسباب‮ ‬يعود بعضها إلي أزمات البحث الاجتماعي،‮ ‬وبعضها‮ ‬يعود لعلاقة السلطة بالمثقف،‮ ‬والقيود علي البحث الاجتماعي،‮ ‬لاسيما الميداني‮.‬
السؤال هل‮ ‬يستطيع المثقف أن‮ ‬ينهض بأدوار تنسب إليه؟ الإجابة ليست بالسهولة التي‮ ‬يتوقعها بعضهم،‮ ‬والخطر‮ ‬يكمن في تصور بعضهم أن إعادة إنتاج خطاب الماينبغيات،‮ ‬هو حل واقعي وسهل مع تناسي المشكلات السابقة،‮ ‬أو بعض المستجدات التي تواجه المثقف ودوره المأمول في نظر الخطاب الشائع‮.‬
أولي هذه المشكلات هي سيولة وغموض السياقات الوطنية والإقليمية والكونية والتحولات الجنينية التي تتم في حناياها،‮ ‬ومن ثم الغموض والتشوش في المعاني وحول الشرط الإنساني ذاته،‮ ‬في ظل الاستنساخ الذي‮ ‬يجري سراً،‮ ‬وفي صخب العنف والإرهاب،‮ ‬وتمدد ثقافة الكراهية،‮ ‬واستعادة الصور النمطية حول الإسلام والمسلمين،‮ ‬والتي تعيد بعضاً‮ ‬من الإرث الاستشراقي الغربي،‮ ‬وبعض تقاليد الدرس الديني اللاهوتي‮ -‬اليهودي المسيحي‮- ‬حول الإسلام‮.‬
يمكن لنا القول إن دور المثقف‮ ‬يجد بعض الممكنات رغم بعض من ركام ظلال الخراب والنيران والدم والألم والخوف والرعب وخداع الذات الجماعية‮ "‬والفردية‮" ‬وصوره،‮ ‬وغموض المستقبل في عالم عربي بات عرضة للمقادير،‮ ‬وصياغات الآخرين دوليا وإقليميا لبعض خرائطه الجديدة،‮ ‬وفق سايكس‮/ ‬بيكو جديدة كما‮ ‬يشاع في بعض الكتابات والسيناريوهات المحتملة‮.‬
والسؤال ما هذه الممكنات المتاحة للمثقف كي‮ ‬ينهض للعب بعض من الأدوار في سياقات سائلة ومضطربة‮!‬
نستطيع أن نحدد هذه الممكنات فيما‮ ‬يلي‮:‬
1‮- ‬بروز طلب اجتماعي نسبي ومتنام في قلب الأزمات علي محاولة فهم ما الذي‮ ‬يحدث في المنطقة؟ ومن هم الفاعلون فيما راء مشاهدها العنيفة والمضطربة والوحشية؟ وما هي مآلات الأوضاع الحالية؟
2‮- ‬في ظل‮ ‬غياب سياسة الأمل،‮ ‬أو الآمال الغائمة تتوالد حاجة إلي البحث عن رؤي موضوعية وتحليلية تستكشف الأمل من بين ثنايا حالة السيولة والعنف الإرهابي،‮ ‬والمشكلات الاقتصادية الصعبة،‮ ‬وأزمات الأمن الإقليمي والأمن الداخلي‮.‬
3‮- ‬الأفكار واللغة والسلع الثقافية باتت مستهلكة ومتجاوزة،‮ ‬وغير قادرة علي تلبية الاحتياجات الفكرية والوجدانية والروحية،‮ ‬لاسيما لدي قلة من بعض الأجيال الشابة من أبناء الفئات الوسطي‮- ‬الوسطي،‮ ‬والوسطي العليا المدينية‮.‬
4‮- ‬ثمة بعض من الحراك الثقافي الطوعي خارج إطارات السلطة الثقافية الرسمية‮ ‬يتمثل في نمو نسبي في قاعدة القراء الورقيين أو الرقميين في أعقاب الانتفاضات العربية المجهضة،‮ ‬عما قبلها‮.‬
5‮- ‬نمو المنظمات والجمعيات والجماعات الثقافية بالمعني الواسع خارج المؤسسات الثقافية الرسمية في مجال الفن التشكيلي،‮ ‬والفعاليات الأدبية والمسابقات،‮ ‬والمسرح المستقل،‮ ‬والسينما المستقلة ومهرجاناتها،‮ ‬وفي مجال الحكي،‮ ‬وفي المؤتمرات والندوات الأدبية وفي مجال الغناء المغاير قصائد وأغنيات،‮ ‬وأشعار وسرديات صوفية مغناة ومموسقة‮.‬
6‮- ‬تزايد التفاعلات الثقافية الطوعية البينية علي مستوي الثقافات العربية،‮ ‬سواء في الواقع الفعلي،‮ ‬أو الواقع الافتراضي‮/ ‬الرقمي،‮ ‬وتزايد الطلب علي هذا النمط من الفعاليات والتظاهرات الثقافية،‮ ‬وهو ما أدي إلي بناء بعض الشبكات بين هذه الجمعيات والمراكز الثقافية الأهلية‮.‬
7‮- ‬ساهم النشر الإلكتروني،‮ ‬وعلي المواقع الثقافية الرقمية إلي كسر حواجز الأنظمة الرقابية علي الكتب‮ ‬والروايات والدواوين والأعمال السينمائية،‮ ‬وانكسار مثلث المحرمات التقليدي‮- ‬الدين،‮ ‬والجنس،‮ ‬والسياسة‮-‬،‮ ‬وغيره علي نحو أتاح فضاءات بلا حدود من حريات التعبير والنشر الرقمي‮.‬
8‮- ‬بروز بعض المبادرات الثقافية والفنية المحدودة،‮ ‬في بعض مجتمعات الهجرة السورية في الأردن،‮ ‬وبلدان أخري مضيفة للهجرة القسرية بسبب الحرب في سوريا‮.‬
9‮- ‬نمو نسبي في حركة الترجمة عن الإنجليزية والفرنسية،‮ ‬تشمل بعض المراجع الأساسية في العلوم الاجتماعية والثقافية،‮ ‬وبعض المراجع الحديثة،‮ ‬وذلك علي الرغم من عشوائية وعدم تخطيط بعض هذه المشروعات الثقافية للترجمة ومراكزها‮.‬
10‮- ‬ظهور بعض الخطابات النقدية الحادة لبعض مصادر النظام القانوني الديني،‮ ‬وذلك علي الرغم من بعض ردات الفعل العنيفة من السلطتين السياسية والدينية الرسمية،‮ ‬وهو اتجاه لم‮ ‬يكن حاضراً‮ ‬طيلة أكثر من خمسين عاما مضت إلا قليلاً،‮ ‬ومن الشيق ملاحظة بعض من ترحال قلة من الشباب من دائرة الإيمان إلي دائرة اللا تدين،‮ ‬وهو ما‮ ‬يتيح مساحة ولو محدودة للحركة نحو نقد الخطاب الديني الوضعي المتشدد السائد من بعض هؤلاء وغيرهم وهو ما قد‮ ‬يشكل تحدياً‮ ‬قد‮ ‬يدفع المؤسسة الدينية الرسمية إلي الاستجابة له من خلال نزعة إصلاحية أو تجديدية في أفضل الأحوال‮.‬
11‮- ‬تحول الفضاء الرقمي والأحري المجال العام الرقمي إلي ساحة مترعة بالحريات في إبداء الرأي،‮ ‬وطرح قضايا السلطة السياسية،‮ ‬وسياسات النخبة،‮ ‬ونظام القيم والسلوك الاجتماعي،‮ ‬وغيرها للنقد الساخر،‮ ‬واللاذع بحيث باتت تؤثر علي بعض السلوك السياسي السلطوي،‮ ‬ورجال السياسة والأحري نخبة اللا سياسة‮. ‬خطاب التغريدات بات مؤثرا ويشكل قوة ضغط رقمية مؤثرة نسبيا في الواقع الموضوعي وفي المجال العام الفعلي‮.‬
12‮- ‬ميراث الدور الإيجابي لبعض المثقفين النقديين المصريين في التمهيد ودعم وتحريك الواقع الذي أنتج بعض الحراك السياسي والمطلبي وجماعاته منذ حركات كفاية،‮ ‬و‮ ‬6‮ ‬أبريل،‮ ‬وكلنا خالد سعيد،‮ ‬ومشاركة بعضهم في الانتفاضة الجماهيرية في‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011،‮ ‬وفي حراك‮ ‬30‮ ‬يونيو‮ ‬2013.‬
من الممكنات السابقة‮ ‬يمكن القول إن بعض أدوار المثقف المصري والعربي‮ - ‬وفق التعريف الشائع الذي‮ ‬ينتمي إلي المرحلتين شبه الليبرالية ومعها مراحل ثورة‮ ‬يوليو‮ ‬1952،‮ ‬والأحري أدوار مثقف حركة التحرر الوطني‮ ‬يمكن أداء بعضها وذلك علي النحو التالي‮:‬
1‮- ‬الدور التحليلي النقدي لأوضاع الثقافة والسياسة والدين والمجتمع،‮ ‬وأوضاع الاضطراب في المنطقة،‮ ‬ونقد التسلطية السياسية والدينية الوضعية واستمرارية التسلطية في المجال الثقافي الرسمي‮.‬
2‮- ‬تقديم التجارب التاريخية لبناء الدول الحديثة وهوياتها المتخيلة ورمزياتها والتحولات التي اعترتها كأنساق مفتوحة وليست مغلقة‮. ‬والأخطر النهوض بمهمة تفكيك وتحليل وتفسير العودة مجدداً‮ ‬للتسلطية السياسية في بعض الدول في أعقاب تراجع الحراك الثوري‮.‬
والأهم تقديم جوهر تجارب الانتقال المقارنة من النظم الشمولية والتسلطية إلي نظم سياسية ديمقراطية وتشاركية‮.‬
3‮- ‬نقد المثقف للمثقف وحقله وممارساته ليس جلداً‮ ‬للذات وإنما لتحرير المثقف من بعض أوهامه وخوفه وهشاشته وخياناته بتعبير بندا،‮ ‬ومن بعض الجنوح إلي امتلاك الحقائق المطلقة في عالم هادر بالنسبيات‮.‬
4‮-‬إعادة التفكير مجدداً‮ ‬في الفكرة العربية في مواجهة انهيار الفكرة القومية العربية ليس بهدف الوحدة علي المثالين البعثي والناصري،‮ ‬وإنما نحو التكامل الطوعي،‮ ‬والرسمي في المجال الثقافي بين المثقفين والمبدعين‮ / ‬المثقفين العرب‮.‬
5‮- ‬مطاردة النسيان وتآكل الذاكرات الجمعية المتعددة والموحدة داخل كل بلد عربي،‮ ‬وفي الإطار العربي الكبير،‮ ‬لاسيما في الدول التي تجتاحها الحروب الأهلية وفي مواجهة عمليات تحطيم الآثار والرموز ودور العبادة المسيحية والأزيدية،‮ ‬ويمتد هذا الدور للمساهمة في بعض الأنشطة والفعاليات الثقافية الطوعية في مجتمعات الهجرة القسرية،‮ ‬من خلال المبادرات الفردية أو الجماعية‮. ‬والمساعدة علي بلورة وتأسيس القيم الجامعة والموحدة بين مكونات الشعب في المجتمعات الانقسامية،‮ ‬من خلال الفنون،‮ ‬والقيم الدينية المشتركة،‮ ‬والحوار‮.‬
6‮-‬المساهمة في تجديد الفكر والخطابات الدينية من خلال نقد السائد والتاريخي الوضعي وبلورة أسئلة وأفكار جديدة قادرة علي تحويل الركود في مجال الفكر الديني النقلي،‮ ‬وأنماط ومناهج التعليم في المدارس الدينية والمدنية‮.‬
7‮- ‬نقد الإيديولوجيات الإرهابية الوحشية وثقافة العنف الديني والسلطوي معاً،‮ ‬من خلال تفكيك مقولاتها ومرجعياتها وقيمها المؤسسة‮.‬
8‮- ‬المساهمة،‮ ‬في تطوير مناهج التعليم المدني والديني من خلال دمج الثقافة النقدية،‮ ‬والإبداع في بنية هذه المناهج‮.‬
9‮- ‬المساعدة علي تبني مفهوم الثقافة للشارع،‮ ‬والثقافة للناس في جميع أنحاء البلاد،‮ ‬وليست استعراضات في العاصمة‮.‬
الأدوار السابقة تتناسب مع الفهم السائد للمثقف مصرياً‮ ‬وعربياً‮ ‬وهي الأكثر ملاءمة لتطوره في هذه المرحلة الخطيرة والمضطربة في الإقليم العربي‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.