الأول "جامعيين": التحاقي بالقوات المسلحة كان حلم الطفولة وشرف العمر    وزير الاتصالات: تنفيذ عدد من المشروعات لتوظيف تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعى فى إدارة الموارد المائية    ترامب يغادر البيت الأبيض بعد قليل متجها إلى الشرق الأوسط    نتنياهو: الحرب لم تنته لأن جزءًا من أعدائنا يبني قدراته ويستعد للهجوم علينا    الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية ربط خطة ترمب للسلام بمرجعيات القانون الدولي    الصحفي الذي لم يغادر الميدان إلا شهيدًا.. من هو صالح الجعفري الذي اغتيل على يد ميليشيات مسلحة في غزة؟    منتخب مصر يتقدم على غينيا بيساو بهدف نظيف في الشوط الأول    تدريبات تأهيلية لثلاثي الزمالك خلال مران اليوم    تريلا تدهس توك توك أعلى كوبري بدمياط ومصرع شخص جراء الحادث    "السياحة": منصة رحلة تتيح زيارة 112 موقع أثري في مقدمتها الأهرامات والمتحف الكبير    عضو بالحزب الجمهوري الأمريكى: السيسي أنقذ الشعب الفلسطيني من التهجير    وائل جسار يُحيى حفلا غنائيا فى لبنان الأربعاء المقبل    وكيل صحة سوهاج: انطلاق الفحص الطبى الشامل لطلاب المدارس لمدة 3 أشهر    تعرف على تشكيل كرواتيا ضد جبل طارق بتصفيات المونديال    «مدبولي» يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الجزائري لمتابعة تحضيرات اللجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة    التحريات تكشف تفاصيل جديدة في حادث سقوط السقالة بمدينة السادات في المنوفية    أحمد موسي: كانت هناك محاولات لإفشال مفاوضات شرم الشيخ لكن ترامب ضغط لإجرائها    خطوات إضافة مواليد على بطاقة التموين 2025    نتائج اليوم الثاني لمنافسات الكبار ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    إصابة أولمو تربك حسابات فليك قبل مباراة جيرونا    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    بسبب عدم مشاركته ضد بلغاريا.. حارس تركيا يترك المعسكر دون إذن    قيادات وأساتذة جامعات بقائمة المعينين بمجلس الشيوخ.. بالأسماء    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس وزراء لبنان يطلب من الخارجية تقديم شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    نجوم الأهلي في زيارة حسن شحاتة بالمستشفى للاطمئنان على حالته الصحية    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    غدًا.. عرض أفلام مهرجان بردية السينمائي في ضيافة المركز القومي للسينما بالهناجر    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى جلسة «المثقف والدولة فى إقليم مضطرب»..
رئيس تحرير «الأهرام» يقرر إطلاق صالون ثقافى شهرى يبدأ نوفمبر المقبل
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 10 - 2016

◄ سلماوى: دور المثقفين والمفكرين لم يتغيب لمصلحة النشطاء السياسيين والدعاة

فى مستهل الجلسة الثالثة بالملتقى الثقافى المصرى - اللبناني، والتى كانت بعنوان «المثقف والدولة فى إقليم مضطرب»، أكد الكاتب الكبير محمد سلماوى الذى ترأس الجلسة أهمية الحوار بين النخب الثقافية والفكرية فى الوطن العربي، والذى يجسده الملتقي، كاشفا عن قرار للأستاذ محمد عبد الهادى رئيس تحرير «الأهرام» بإطلاق صالون ثقافى شهرى بإشراف الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق، والذى سيبدأ أولى فعالياته خلال شهر نوفمبر المقبل، سيركز على مناقشة مختلف القضايا الثقافية والفكرية، سواء فى مصر أو فى الوطن العربي، وذلك على نمط الملتقى الثقافى المصرى - اللبنانى الذى نظمته مؤسسة «الأهرام». وحيا سلماوى مبادرة رئاسة تحرير «الأهرام»، التى رأى أنها ستسهم فى إعلاء الفعل الثقافى العربي، فضلا عن تعميق التقارب العربى على هذا الصعيد، وهو ما يتصدر دوما أولويات «الأهرام»منذ تأسيسها.
ثم تناول سلماوى فى تقديمه للجلسة التى شهدت حضورا كبيرا من مثقفى ومفكرى الجانبين المصرى واللبناني، موضوع العنوان الذى تعقد تحت ظله وهو «المثقف والدولة فى عالم مضطرب»، وذكر أن مفردة مضطرب بالذات لم تكن من الكلمات الدالة على الواقع مثلما هى عليه فى المرحلة الراهنة، فنحن كما يضيف نلتئم ضمن هذا الملتقي، بينما على حدودنا الغربية والشرقية والجنوبية وعلى مشارف الوطن العربى كله، نشهد الاقتتال والفوضى وكل الممارسات التى لا نرضاها لوطننا العربي، وخطورة ما يحدث أنه لا يجرى بين قوى وطنية ومحتل غاصب للأرض، ولكنه للأسف يجرى بين شعب وشعب وداخل الدولة الواحدة بين أتباع الديانة الواحدة والطائفة الواحدة ،وهو ما يجعل مفردة مضطرب هى الأكثر قدرة على تجسيد هذا الواقع البالغ الخطورة، الأمر الذى يستوجب دورا فاعلا للفكر والمثقفين فى التعامل معه وبلورة التصورات التى من شأنها تجاوزه.
وانتقد سلماوى مقولات سادت فى وسائط الإعلام المختلفة خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ومن بينها تراجع دور المثقفين والثقافة لمصلحة بروز دور النشطاء السياسيين والدعاة، مبديا اختلافه الشديد مع هذه المقولات والتى لاتجسد الحقيقة والتى تتمثل فى أنه لولا دور المثقفين على امتداد الوطن العربى بالكامل، ما كان بالإمكان القيام بثورات الشعوب فى 2011 وما تلاه، مشيرا فى هذا السياق الى أن مجموعة من شباب ثورة يناير جاءوا لمقر اتحاد كتاب مصر ليعربوا عن شكرهم للكتاب والأدباء والمثقفين، مؤكدين يقينهم بأنه من دون ما قرأوه لهم و لما كان بوسعهم القيام بالثورة وقال إن هذه الدور استمر فيما بعد قبل وأثناء ثورة الثلاثين من يونيو 2013، لافتا بشكل خاص الى اجتماع الجمعية العمومية لاتحاد كتاب مصر قبل الثورة والذى أعلن فيه سحب الثقة من الرئيس الذى ينتمى الى جماعة «الإخوان المسلمين «وهو فى السلطة، وأعقب ذلك مباشرة توجه الكتاب والمثقفين والفنانين الى وزارة الثقافة، وحالوا دون دخول وزير الثقافة المنتمى للجماعة مكتبه بالمبني، وذلك لم يكن تحركا لنشطاء أو دعاة وإنهم كانوا مجموعة من المثقفين والذين نجحوا فى تحرير وزارة الثقافة من قبضة الوزير الإخوانى وهو ما شكل الشرارة الأولى باتجاه ثورة الثلاثين من يونيو .
وتابع سلماوى : إننا الآن بعد الثورة والقضاء على النظام السابق على مشارف مرحلة إعادة البناء وهو ما يستوجب أن يكون للمثقف دور مختلف عن الأدوار التى لعبها فى المراحل السابقة للمساهمة فى صياغة المرحلة المقبلة بكل ما تنطوى عليه من رواسب الماضى وتطلعات الزمن الآتى والتى باتت تلوح فى الأفق، وهذا الدور يصب فى خانة البناء ،وهو مختلف عن دور المثقف المقاوم والرافض والغاضب والثائر وبالتالى فإن ملتقي»الأهرام» يمثل فرصة لتحديد أبعاد وتجليات هذا الدور وهنا أخذ يقدم المتحدثين فى الجلسة .
الخوف من الدولة أو عليها
وبدأ الدكتور رضوان السيد المفكر المعروف حديثه بالإشارة إلى أن العنوان السابق أو الثنائية كانت عنوانا لفصل فى كتابه أزمنة التغيير، الدين والدولة والإسلام السياسى « الصادر عام 2014، ومع ذلك لا تزال أى الثنائية - هى الحاكمة للعقول والأفئدة فى سائر أنحاء العالم العربي، وفى مصر ولبنان على وجه الخصوص . ففى الدول التى حدث فيها الاضطراب عام 2011 يغلب لدى الفئات الوسطى والمثقفين الخوف على الدولة أما فى فى الدول التى نجت حتى الآن من الاضطراب، فإن التوجس والخوف حاصلان من الدولة أو السلطة القائمة، بيد أن هذا الانقسام أو الثنائية - يضيف -لايتركز أحد طرفيها دون اللآخر فى هذا البلد العربى أو ذاك، بل إن طرفى الثنائية يتغلغلان فى الفئات الشعبية المختلفة فى البلد الواحد, وإنما يغلب أحدهما على الآخر فى هذا البلد أو ذاك حسبما شهده البلد فى السنوات الخمس الماضية من اضطراب أو هدنة.
عاصفتان.. دينية واستراتيجية
ويشير رضوان الى أن العالم العربى شهد فى العقدين السابقين على العام2010 عاصفتين ضربتا بقوة، الأولى ناجمة عن انفجار الاسلاميين الشيعى والسني، ويمكن تسميتها بهذا المعنى -كما يقول بالعاصفة الدينية وعاصفة استراتيجية إذ صح التعبير أيضا وهى ناجمة عن الغزو الأمريكى للعراق مرتين ويستطرد: فى العاصفة الأولى أى الدينية، ظهرت فى كل بلد عربى وتنظيمات حزبية مسلحة أو غير مسلحة حسب وضع الدولة، تحمل إسلاما جديدا ، الاسلام الشيعى وبقيادة إيران اتجه لزعزعة الأنظمة والمجتمعات ساعة باسم التحرير وساعة باسم رفع المظلومية والحصول على الحقوق، وساعة بدون دعوى ظاهرة غير الخصوصية الخاصة .وزاد الطين بلة أن هذا التشيع لم يكن دينيا فقط، بل ظهر له فرع سياسى فى فلسطين ومن حولها على وجه الخصوص .
أما الانفجار الكلام للمفكر رضوان السيد فقد كان فى قلب الاسلام السنى وكلا الوجهين أو الفرعين ثائر على الدولة الوطنية ، تارة بالجهاد وطورا بالحشود و وقد بدأ لأول وهلة أنه الأخطر والأفعل لأنه ظهر ضمن اسلام الأكثرية الشعبية، وأنه لم يتردد فى قتال الدولة الوطنية وفى قتال العالم، وفى رأيه فإن هذين الاسلاميين اللذين شكلا تحديا كبيرين لأمن المجتمعات العربية والدول وصارا قاتلين تماما عندما عزمت الولايات المتحدة على إسقاط الدولة العراقية، بذريعة غزو العراق للكويت عام 1991 وبدون ذريعة فى 2003 متسائلا عن كيفية تحولهما الى تحديين قاتلين ثم أجاب: لقد صارا كذلك لأن الجهاديين السنة اتجهوا لمقاتلة الولايات المتحدة والعالم الغربى فى كل مكان بحيث صارت الكيانات العربية الضعيفة أو حليفة الولايات المتحدة مسرحا للصراع ولأن إيران قررت استخدام التنظيمات الشيعية فى الاستيلاء على البلدان العربى التى فيها تنظيمات شيعية مذهبية أو سياسية وذلك مثل العراق ولبنان وسوريا وغزة واليمن والطريف أنه كما كان الجهاديون السنة يدعون أنهم يقاتلون الأمريكيين وحلفاءهم فإن التنظيمات الإيرانية و»المتأيرنة « كانت تدعى ولا تزال أنها تقاتل أمريكا واسرائيل إنما فى البلاد العربية .
وبعد هذا الاستطراد عاد الدكتور رضوان السيد الى ثنائية الخوف من الدولة والخوف عليها مشيرا الى أنه فى سائر الأديان باستثناء الكاثوليكية يوجد ثوران مشهود, بيد أن الدولة القوية الشرعية تستطيع فى العادة استيعاب الثوران الدينى أو السياسى واصطناع مسارب له تخفف من عصفه وآثاره ,ولكن لاشك أن معظم الجمهور العربى لايدعم الإسلاميين السياسيين أو الحزبيين المقاتلين , إنما كان هناك حماس لدعم السلطات الخالدة وبخاصة أن الذين أطلوا فى عام 2011 ماكانوا من الاسلاميين ثم وفى موازاة عنف الأنظمة القائمة صعد الاسلاميون بجميع أشكالهم فخافت الفئات الوسطى من حماس العامة ومن الفوضى ونسيت حذرها من السلطات القائمة ولجأت الى ما صار يعرف بالدولة العميقة , وما أفادت من هذا التروع الأنظمة الأقل عنفا فقط مثل تونس ومصر بل وأفادت أيضا سلطة مثل سلطة بشار الأسد
وفى ختام المداخلة أشار الدكتور رضوان السيد الى ما وصفه بثنائية النهوض بين مصر ولبنان وقال إنه ليس المطلوب استعادتها بل تجديدها فى ظروف وشروط مختلفة تماما فالشرط الأول للتفكير فى الخروج من هذه الثنائية يظل فى الخروج من الثنائية التى نحن أسراها كأنما هى شبكة عنكبوتية، حيث إنه بالخوف من الدولة نظل فى حالة تذمر وثوران، وبالخوف عليها نعود أو نبقى فى الدولة الشمولية .
دعوة «الأهرام»مبدعة
وفى مداخلته فى الجلسة امتدح الدكتور جورج قرم المفكر والوزير اللبنانى السابق مبادرة «الأهرام» بتنظيم الملتقى الثقافى المصرى اللبناني، ووصفها بأنها تمثل دعوة مبدعة لإعادة الذاكرة لما كانت عليه الروابط القوية بين البلدين العربيين الشقيقين ،خاصة أن انقطاع الذاكرة عن مشروع النهضة العربية فى القرن التاسع عشر أضيف اليه حالة نسيان تكاد تكون كاملة لدى الأجيال الجديدة لما كانت عليه الحضارة العربية الاسلامية فى القرون العتيدة وهو الأمر الذى يتعين التعامل معه لمعالجته لاسيما أنه كان واحدا من أهم أسباب غزو الفكر المتطرف والتكفيرى للأمة.
ثم لفت الى أن علاقة المثقف بالسلطة فى تاريخنا تراوحت بين الممانعة والمعانقة ولاتزال هذه الوضعية سائدة حتى اليوم الى حد بعيد فكلما يتزايد ضغط السلطة على المثقف يتحول الى خانة المعانقة، وإذا ما كان لديه موقف مناهض لها يدخل خانة الممانعة ولكنه أضاف الى السلطة أو الدولة قوة جذب أخرى للمثقف قد تجعل الممانعة معها مستحيلة مثل الأحزاب ذات المرجعية الدينية والتى تمكنت بالفعل فى استقطاب العديد من المثقفين خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى مطلع تسعينيات القرن الفائت ومن ثم وفقا لمنظوره بات الحير الثقافى يتعرض لغزو المناقشات الدينية على نحو جعل معظم جلسات المثقفين والمفكرين العرب زاخرة بالقضايا السياسية ذات الطابع الدينى مع غياب القضايا الاجتماعية والتنموية ذات الصلة بمتطلبات المواطن العربى .
وأعاد قرم فى مداخلته قضية هجرة الأدمغة أو العقول العربية الى الخارج والتى باتت منتشرة فى مراكز البحوث والجامعات الأوروبية والأمريكية، فضلا عن وسائل الإعلام الدولية، معربا عن قناعته بأن مراكز القوى الناعمة فى الخارج تعمل وفق مخطط ومنهجية محددة على خروج الكثيرين من المثقفين العرب فضلا عن أن أعدادا كبيرة من الطلاب النابهين عندما يتوجهون الى الجامعات الأجنبية لايفكرون فى العودة الى أوطانهم .
وأبرز قرم ظاهرة آخذة فى الاتساع على مستوى المثقفين العرب وتتمثل فى التركيز على التخصص العلمى فقط دون الإلمام بالأوضاع العامة للأمة وبالتالى لم تعد هناك العقول الموسوعية داخل الأوساط الثقافية المدركة لأحوال الواقع مثلما كان يحدث فى الفترات الماضية وهو ما جعل الأجيال الجديدة تركز على التخصصات التى تدرسها دون أن تنفتح على الأبعاد الأخرى فى الثقافة والفكر ويربط ذلك بظاهرة أخرى تحدث فى المجتمعات العربية ناجمة عن توغل الليبرالية الجديدة وتقلص دور الدولة، الأمر الذى بات معه الحديث عن الفئات المهمشة - على سبيل المثال هو من قبيل التخفيف عن معاناة الفقراء دون التركيز على تفعيل مشروعات تنموية يكون من شأنها إحداث التغيير المطلوب اجتماعيا واقتصاديا معربا عن اعتقاده بأن البيئة الحاضنة لحركات العنف المسلح لعبت دورا فى إخفاق التنمية فى العقود الأخيرة .
ويتساءل وظيفة المثقف العربي وآلية عمله فى المرحلة الراهنة والمراحل المقبلة ويقدم تعريفا مغايرا للمثقف كما ينبغى أن يكون فى الحالة العربية ويقول: إنه الذى يزيد من معارف الأمة أو الوطن ثم يدعو الى كسر ما وصفه بالحوار الحصرى مع الثقافة الغربية من والقائم على علاقة كره أوإعجاب ملتبسة والتوجه الى حضارات شرق أسيا ( اليابان وكوريا )و أمريكا الجنوبية (البرازيل) فلم يعد من المقبول الاستمرار فى هذه العلاقة الملتبسة مع الثقافة الغربية سياسيا واقتصاديا .
سلطة المعرفة
ويقدم الدكتور طارق مترى وزير الإعلام اللبنانى السابق والأستاذ الجامعى أطروحته خلال الجلسة قائلا: مفهوم المثقف وفق رؤيته يتحدد فى أنه من يملك سلطة المعرفة فى مواجهة سلطة القوة منتقدا الخلط المتعمد أحيانا بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة، فالدولة تتسم بالديمومة بينما السلطة فيها شبه متداولة وذلك إذا سلمنا بالفكرة الديمقراطية التى ينادى بها الجميع فى المنطقة ويقول : قد يكون الخلط المذكور نظريا لكنه فعلى فى الكثير من بلداننا العربية وهو مشروع حرب أهلية فى الكثير منها مثلما يحدث فى غير دولة منذ عام 2011 لافتا فى هذا الصدد الى بروز فاعلين جدد على نحو ينبئ عن تجاوز ثنائية الدولة والمثقف، وفى الوقت نفسه ما زال هناك قدر من الالتباس يكتنف علاقة السلطة به، مرجعا ضعف مؤسسات المجتمعات العربية الى ضعف الدولة وهشاشة مؤسساتها.
ومع ذلك فإن مترى يرى أن المثقفين هم أكثر من غيرهم قدرة على التمييز بين الدولة والسلطة خاصة أنهم قادرون على الدفاع عن الدولة ودورها وعلى العمل من أجل بنائها أو بالأحرى إعادة بنائها وفى الوقت ذاته على مساءلة السلطة وانتقادها انطلاقا من الحكم القيمى الذى يضع سلطة المعرفة فى مواجهة سلطة القوة الى حد ذهب البعض مذهبا -وفقا لما يقوله يحمل المشتغلين بالمعرفة المسئولية الأولى لإصلاح مجتمعاتنا والنهوض بها، وهى مسئولية كادت تتفوق فى نظرهم على مسئولية النخب السياسية ثم تساءل : فى ظل هذه المعطيات بوضوح كيف تقود الأفكار الى العنف الإجرامى والدمار وكيف يقود الى غياب الفكر الى عنف أكبر فى حين أن العبض الآخر فيرى أن دور المثقف الأول هو العمل على عقلنة المجتمعات استنادا الى المعرفة الميدانية لاترى ما آلت اليه هذه العقلنة من استعادة علاقات قديمة أو إصلاح النظم الحاضرة أو الثورة عليها، مستدركا أنه مهما كان من تباين بين هذين الرأيين فإنهما يتلاقيان على أهمية استخدام العقل من غير وصاية وعلى ضرور كسر الادعاء بامتلاك الحقيقية من قبل قوى الفرض ووسائل الإقناع غير أنهما يفترقان فى تحديد الوظيفة الاجتماعية والسياسية لهذه المعرفة، ففى الحال الأولى يخاطب المفكر المجمتع ويستنهض من أجل التغيير ويكشف أخطاء السلطة وقصورها أو تعسفها، أما فى الحالة الثانية يقف التمييز موقف المنتج للمعرفة التى من شأنها- إن تمت على النحو المطلوب واسترشد بها فى صنع السياسات - أن تسهم فى تحديث مجتمعاتنا وتقدمها .
ثقافة بنيوية ومؤسسات مترهلة
وجاءت المداخلة المهمة والطويلة التى قدمها الدكتورنبيل عبد الفتاح المفكر والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لتحدد وفق منهجية عملية اعتاد عليها فى دراساته وأوراق العمل التى يقوم بإعدادها جذور وأسباب القضية التى يتناولها ثم التصورات والخطوات المطلوبة لمعالجتها ,وهو يشير فى هذا السياق الى أن الدولة الوطنية - فى مرحلة ما بعد الاستقلال الوطنى ولدت ثقافة بنيوية ولم تتمكن من أن تطور سلطاتها وأجهزتها من خلال الأدوات السياسية والمؤسسية والسياسات الاجتماعية والرمزية , ومن ثم اتسمت بعديد من الاختلالات والترهل وتمددت الشروخ والترهل اليها والتى طالت نخبة الحكم وبالتالى أدت موجة الانتفاضات الثورية فى السنوات الأخيرة الى حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار والأمنى فى المنطقة مما فاقم من أزمات المنطقة الوطنية وأدى الى انهيار بعضها كما فى المثالين اليمنى والليبى فضلا عن الحروب الأهلية فى سوريا والعراق مما أدى كما يضيف الى بعض التغيرات التى أثرت بدورها على الدولة الوطنية وتماسكها وأبرزها ما يلى :
- إنكشاف الاختلالات الهيكلية للدوة وسلطاتها وأجهزتها فى ظل سياقات سريعة ومضطربة تضخمها وتمددها, فضلا عن غياب سياسات إصلاحية أو تجديدية للدولة ومؤسساتها.
-انهيار النخبة وعدم تبلور قيادة بديلة لديها بتصورات سياسية واقعية قابلة للتحقيق و قدرات وملكات سياسية على قيادة القوة المنتفضة وبلورة حد أدنى من التوافق العام .
- صعود الجماعات الاسلامية السياسية ودخول الجماعات السلفية ودعاتها وقادتها من بعض المشايخ الى إشاعة خطابات دينية نقلية ومحافظة ومتشددة أنتجت حالة من الخوف لدى قطاعات اجتماعية والأقباط ( حالة مصر) وبعض الأقليات الدينية فى سوريا والعراق
- فى المرحلتين الانتقاليتين الأولى والثانية فى مصر أدت خارطة الطريق والتوافق عليها بين جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والسلطة الفعلية الى فتح الباب أمام كليهما بعمل استعراضات للقوة فى الشارع والقيام ببعض أعمال الحسبة على نحو أِشاع الخوف لدى بعض الفئات الاجتماعية فضلا عن الإفراج عن بعض المحكوم عليهم من عناصر الجماعة الإسلامية فى قضايا عنف وإرهاب وبعضهم ينتمى الى جماعتى حماس وحزب الله وبعضهم تم الإفراج عنه بالقوة بعد مهاجمة السجون وفى الوقت نفسه كان هناك تسامح تجاه دخول عناصر مسلحة من حماس الى البلاد لدعمها.
-بعد ثورة الثلاثين من يونيو فى مصر بدأت جماعة الإخوان المسلمين وبعض حلفائها من عناصر الجماعة الاسلامية والجهاد فى ممارسة أعمال التظاهر المصحوب بالعنف لمواجهة عملية التغيير التى تمت وإزاحة محمد مرسى عن سدة السلطة وهو ما استمر طوال السنوات الماضية.
- أدت الانتفاضات الثورية فى تونس ومصر الى تمدد آثارها على الأوضاع فى اليمن وسوريا وليبيا وأيا كانت أسباب الحراك الجماهيرى فى هذه الدول وطبيعة التدخلات الإقليمية والدولية الى فتح الأبواب الى عنف مفرط وسرعان ما تحول الى حروب أهلية ساهمت فى كشف هشاشة الدولة وانهيارها فى هذه البلدان وعن طبيعة تركيبة الحكم وقواعده الدينية والمذهبية والمناطقية بالذات فى سوريا والعراق وهو ما ساهم فى تمدد الحركات الاسلامية السياسية الراديكالية وحضورها الفاعل والمؤثر .
أهم أزمات الدولة الوطنية
وفى ضوء هذه المعطيات وغيرها يتوصل الدكتور نبيل عبد الفتاح الى أن أهم أزمات الدولة الوطنية فى الإقليم العربى تكمن فى :
- أزمة الهشاشة البنيوية لبناها وهياكلها وجمودها وتآكل بعض أسسها وشرعيتها ومكوناتها كنتاج لخطابات دينية اسلامية وراديكالية وغيرها متشككة فى شرعيتها الدينية والسياسية.
- غياب الإصلاح الهيكلى للدولة وسلطاتها وأجهزتها وتجديد ثقافتها فى الوعى الاجتماعى واستمرارية الجمود السياسى والعودة مجددا الى التسلطية السياسية فى بعض البلدان وتراجع النمو الاقتصادى وانعكاساته الاجتماعية من حيث سياسات التوزيع وارتفاع معدلات البطالة والتضخم الركودى على نحو بات مؤثرا على الفئات الفقيرة وبعض شرائح الفئات الوسطي.
- انهيار الدولة فى بعض التجمعات العربية كليبيا واليمن فى ظل الحرب الأهلية وتفككها الى مجموعة من الميليشيات المسلحة أو المجموعات والمناطق القبلية المتصارعة.
- الاعتداءات الدامية والجسيمة على بعض المكونات الاجتماعية من المسيحيين العرب والأزيديين وغيرهم فى العراق وسوريا مع قيام تنظيم داعش بتحطيم لجزء من الآثار التاريخية وبيع بعضها فى الاسواق الدولية من خلال تهريبها عبر عصابات منظمة.
ثم يطرح الدكتور نبيل عبد الفتاح بعض تصوراته لتعامل المثقف العربى مع هذه التداعيات على النحو التالي:
- ممارسة الدولة التحليلى النقدى لأوضاع الثقافة والسياسة والدين وأوضاع الاضطراب فى المنطقة ونقد السلطة السياسية والدينية الوضعية واستمرارية التسلطية فى المجال الثقافى الرسمي.
- تقديم التجارب التاريخية لبناء الدولة الحديثة وهوياتها المتخيلة ورمزياتها والتحولات التى قامت بها كأنساق مفتوحة وليست مغلقة والأخطر النهوض بمهمة تفكيك وتحليل وتفسير العودة مجددا للتسلطية السياسية فى بعض الدول فى أعقاب تراجع حالة الحراك الثورى والاهم تقديم جوهر تجارب الانتقال من النظم الشمولية والتسلطية الى نظم سياسية وديمقراطية وتشاركية.
-نقد المثقف للمثقف ليس من قبيل جلد الذات وإنما لتحرير المثقف من بعض أوهامه وخوفه وهشاشته ومن بعض الجنوح الى امتلاك الحقائق المطلقة فى عالم هادر بالنسبيات
- إعادة التفكير مجددا فى فكرة العربية فى مواجهة انهيارية الفكرة القومية العربية ليس بهدف الوحدة على المثالين البعثى والناصرى وإنما نحو التكامل الطوعى والرسمى فى المجال بين المثقفين والمبدعين العرب.
- المساهمة فى تجديد الفكر والخطابات الدينية من خلال نقد السائد والتاريخى الوضعى وبلورة أسئلة وأفكار جديدة قادرة على تحريك الركود فى مجال الفكر الدينى النقلى وأنماط التعليم ومناهج التعليم .
- نقد الأيديولوجية الإرهابية، الوحشية وثقافة العنف الدينى والسلطوى معا من خلال تفكيك مقولاتها ومرجعياتها وقيمها المؤسسة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.