انتخابات النواب، إقبال متواصل للمصريين بالخارج في اليوم الثاني داخل 4 دول    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    غرفة السياحة تشيد بجهود الأجهزة الأمنية في مكافحة عمل سماسرة الحج والعمرة    جهاز تنمية المشروعات يشارك في قمة المعرفة التي تنظمها مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة    تنفيذ 9 مشروعات تنموية ومتناهية الصغر للأسر ضمن جهود التحالف الوطنى بسوهاج    رئيس الوزراء يشارك في فعاليات قمة مجموعة العشرين «G20» بجوهانسبرج    قوة "يونيفيل" تؤكد التزامها بدعم الجيش اللبناني    سوريا.. فرق الإطفاء تكافح لإخماد حرائق غابات في اللاذقية وسط صعوبات    العين والجزيرة.. صدام مصري بالدوري الإماراتي    تشكيل الأهلي المتوقع أمام شبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا    لاعب الاتحاد: تأهلت للممتاز 3 مرات متتالية ولم ألعب.. وهذا الثلاثي "كلمة السر" في مسيرتي    بحوزتهم مخدرات بالملايين.. كواليس اشتباكات بين الشرطة وعناصر مسلحة بقنا| صور    حملات مرورية.. الأوناش ترفع 39 سيارة ودراجة نارية متهالكة    خاص| لجنة من «تعليم القاهرة» تبدأ التحقيق في وقائع مدرسة سيدز للغات    وفاة شاب إثر اصطدام دراجته النارية بشجرة على طريق بحيرة قارون بالفيوم    وزارة التضامن تشكل لجانا ومجموعات عمل لخدمة حجاج الجمعيات الأهلية    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    إنقاذ حياة مريض بعد جراحة معقدة لإزالة سدة بالشريان السباتي بمستشفى السنبلاوين    إقبال المصريين على سفارة مصر بباريس في اليوم الثاني للتصويت بانتخابات مجلس النواب    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام نيوكاسل.. موقف مرموش    وزير الرياضة يدعم البطل الأولمبي أحمد الجندي في رحلة علاجه بألمانيا    تشيلسي في مواجهة سهلة أمام بيرنلي في البريميرليج    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    عاشور يناقش مع خبراء تطوير التعليم العالي بالاتحاد الأوروبي تعزيز آفاق التعاون الدولي    وزير الخارجية يشيد بما وصلت إليه العلاقات بين مصر وإسبانيا    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    موسكو: المسيرات الروسية تضرب نقطة انتشار اوكرانية مؤقتة    وزيرة «التخطيط» تبحث مع «بروباركو» الفرنسية خطط تمويل و تمكين القطاع الخاص    مخرجة لبنانية: مهرجان القاهرة منح فيلمي حياة مستقلة وفتح له أبواب العالم    بعد تصدره التريند.. موعد عرض برنامج «دولة التلاوة» والقنوات الناقلة    استخدمت لأداء المهام المنزلية، سر عرض تماثيل الخدم في المتحف المصري بالتحرير    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    مركز بحوث الصحراء يستقبل وفدًا طلابيا لتعزيز التعلم التطبيقي في البيئات الصحراوية    دايت طبيعي لزيادة التركيز والمزاج الإيجابي، نظام غذائي يدعم العقل والنفس معًا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 22 نوفمبر 2025    شيكو بانزا يظهر فى مران الزمالك الأخير استعدادا ل زيسكو بعد وفاة شقيقه    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    إصابة 28 عاملا بانقلاب سيارة ربع نقل بقرية الشنطور ببنى سويف.. «بالأسماء»    موعد تطبيق منظومة السيارات الجديدة بديلة التوك توك فى الجيزة    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 16.5 ألف مريض بغزة في انتظار الإجلاء الطبي    دراسة جديدة.. عصير البرتقال يؤثر على نشاط الجينات    سعر الجنيه الإسترلينى اليوم السبت فى البنوك 22-11-2025    فرنسا لمواطنيها: جهزوا الطعام والماء لحرب محتملة مع روسيا    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    محمد التاجي: اعتذار محمد سلام اللحظي خلق «شماتة» ويتعارض مع تقاليد المهنة    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد تنظيم الملتقى الثقافى المصرى - اللبنانى الأول.. "الأهرام" تستعيد "لبنان" لقلب القاهرة

صالون ثقافى شهرى وبيروت تستضيف الملتقى الثانى فى فبراير المقبل
- إعادة بعث مشروع النهضة المشترك والتفكير فى توسيع نطاقه عربيا

حققت استضافة "الأهرام "للملتقى الثقافى المصرى اللبنانى الأول نهار الأحد الماضى، بحضور مميز من مثقفين ومفكرين بارزين من الجانبين جملة من الأهداف الرئيسية، التى يأتى فى صدارتها استعادة الزخم الذى كان يتسم به التواصل والتقارب الثقافى والفكرى بين البلدين، اللذين يعدان رمانة الميزان فى النظام الإقليمى العربى على هذا الصعيد بل وتفعيله وتوسيع مداراته، ليكون تواصلا وتقاربا على المستوى العربى.
هذا أولا أما ثانيا فإن الأهرام بتنظيم هذا الملتقى بدأت فى استعادة دوره الثقافى والتنويرى والذى تراجع فى السنوات العقود الأخيرة لأسباب خارجة عنه.
ثالثا: لم تقتصر وقائع الملتقى على البعد الثقافى الثنائى بين مصر ولبنان ولكنها بحثت بعمق فى المشروع الثقافى والنهضوى العربى بكل تجلياته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو ما منحها بعداً قوميا سيكون له مردوده الإيجابى على المشهد العربى فى المراحل المقبلة.
وفى هذا السياق، فإن الملتقى الذى استمر لمدة نهار كامل وعقد أربع جلسات لم يكتف بالمناقشات والمداخلات التى شارك فيها مثقفون ومفكرون مصريون ولبنانيون من الصف الأول، وإنما بلورة ما يمكن بالتفاهمات التى وضعتها اللجنة التحضيرية والمكونة من الأهرام وجمعية الصداقة المصرية اللبنانية واللتين تعاونتا على تنظيمه ومن عدد من مثقفى الجانبين، صبت فى تحقيق الأهداف التى عقد من أجلها الملتقى، وقد لخصها المفكر والدبلوماسى اللبنانى الدكتور خالد زيادة فى النقاط التالية:
أولا: نجاح فى إعادة طرح القضايا المتعلقة بالثقافة والعلاقات الثقافية بين البلدين.
ثانيا: التأكيد أن العلاقات الثقافية بين البلدين ليست شأنا ثنائيا يخصهما فقط، وإنما هى شأن عربى بالدرجة الأولى.
ثالثا: فى ظل تعدد المفاهيم والتعاريف التى طرحت لا يمكن استخلاص مفهوم أو تعريف واحد للمثقف، بيد أن ذلك لايعنى أن يتخلى – أى المثقف – عن الاضطلاع والمشاركة فى العديد من القضايا العامة التى تتصل بالوطن والأمة والمواطن فذلك من صميم دوره الثقافى والتنويرى.
رابعا: ضرورة تكرار هذا الملتقى فى وقت قريب، وهو ماتم الاتفاق على عقد دورته الثانية فى بيروت خلال شهر فبراير المقبل على أن يتم تحديد موضوعاته ومحاوره وتوجيه الدعوات للمشاركين فيه فى وقت مبكر، مع تشكيل لجنة للقيام بتحديد الموضوعات والمحاور التى سيتم مناقشتها فى العاصمة اللبنانية على أن يحاط المشاركون بها لكى يتم التحضير لها بشكل جيد.
سادسا: البدء فى اتخاذ خطوات عملية باتجاه جمع تراث النهضة المصرى اللبنانى، والذى يعود إلى أكثر من مائة عام عبر تجميع الدوريات والمطبوعات والكتب وأعمال الفنانين، الأمر الذى يعد خطوة نوعية فى اتجاه حفظ تراث هذه النهضة التى انطلقت فى نهاية القرن التاسع عشر.
سابعا: السعى الى تطوير الملتقى ليصبح عربيا فهناك مشكلات وموضوعات عديدة تستوجب نظرة جديدة فى التعامل معها فى ضوء المتغيرات التى تشهدها المنطقة العربية بالذات، على صعيد الملفات والقضايا الثقافية والفكرية.
وثمة نتيجة عملية للملتقى تم الإعلان عنها على لسان الكاتب محمد سلماوى رئيس اتحاد كتاب مصر خلال ترؤسه لإحدى جلسات الملتقى وتتمثل فى القرار الذى اتخذه محمد عبد الهادى رئيس تحرير الأهرام فى إطلاق صالون ثقافى شهرى بالأهرام بإشراف الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة المصرى الأسبق بداية من شهر نوفمبر المقبل، وسيخصص لطرح قضايا الثقافة والفكر العربى وهو ما يعد تحولا عمليا باتجاه استعادة الأهرام لفعاليته الثقافية التى تستوجب دعما من قبل مؤسسات الدولة الثقافية ومشاركة نشطة من قبل المثقفين والمفكرين سواء من مصر أم من الدول العربية.
وما لفت الانتباه فى الملتقى هو درجة الحماس والتفاعل الرفيع المستوى من قبل المشاركين فيه من مثقفى ومفكرى البلدين، وكان فى مقدمتهم من الجانب اللبنانى: فؤاد السنيورة رئيس الوزراء السابق والذى يرأس حاليا المجموعة البرلمانية لكتلة المستقبل فى مجلس النواب والدكتور فؤاد مترى وزير الإعلام السابق والدكتور جورج قرم وزير الاقتصاد الأسبق والدكتور رضوان السيد المفكر والأكاديمى المعروف والمفكر الكبير الدكتور كريم مروة، والدكتور محمود حداد أستاذ التاريخ العربى الحديث والمعاصر بالجامعة اللبنانية والدكتور خالد زيادة المفكر والدبلوماسى والكاتب حسام عيتاتى.
ومن الجانب المصرى محمد عبد الهادى رئيس تحرير الأهرام والدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق والدكتورعماد أبو غازى وزير الثقافة الأسبق والدكتور مصطفى الفقى المفكر السياسى المعروف، والدكتور السيد يس المفكر المعروف والدكتور على الدين هلال المفكر وأٍستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومحمد سلماوى الكاتب الكبير بالأهرام رئيس اتحاد كتاب مصر سابقا، والدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومى للترجمة ممثلا لوزير الثقافة والدكتورسمير مرقص والدكتور توفيق إكليمندوس والدكتور نبيل عبد الفتاح إلى جانب الدكتور المهندس فتح الله فوزى رئيس الجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال.
وفى مستهل الملتقى طرح محمد عبد الهادى تساؤلا عن جدوى إقدام الأهرام على استضافة وتنظيم الملتقى، ثم أجاب بنفسه قائلا: إن الأهرام طوال تاريخها المديد احتضنت القامات اللبنانية أمثال خليل مطران وداود بركات وغيرهما حيث قدمت الأهرام إبان نشأتها نموذجا للتعددية وقبول الآخر، عاكسا بذلك صورة مصغرة لمصر، وها هو يستعيد تقليدا تاريخيا فى العلاقات المصرية اللبنانية، ببناء ومد جسور عربية ليس فقط بين البلدين الشقيقين، وإنما بين البلدان العربية كافة، فى فترة تعصف بالمنطقة أحداث جسام.
وطبقا لمنظوره، فإن النهضة المصرية التى جنينا ثمارها فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والقرن العشرين، جاءت من خلال مصادر عدة داخلية وخارجية، لعل أبرزها العلاقات الثقافية المصرية اللبنانية، خصوصا فى مجال النشر والصحافة الذى أتاح الفرصة للتعبير وظهور وشيوع الأفكار من خلال: دار الأهرام، ودار الهلال ودار المعارف، ولا أبالغ إذا قلت - الكلام لعبد الهادى - إن إحياء حركة الثقافة العربية بل السياسة فى العالم العربى يبدأ بمصر ولبنان مستعيرا عبارة لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى محاضرة ألقاها ببيروت فى صيف عام 1949 وكشف عنها زوج ابنته محمد حسن الزيات عام 1990 ونشرت بعد تحقيقها فى كتاب الهلال عام 2004 وهى "من حق لبنان أن يكون حفيا بمصر.. ومن حق مصر أن تحتفى بلبنان، فهذان الوطنان الكبيران تعاونا دائما على الخير وتظاهرا دائما على تحقيق الإنسانية الكبرى، فنحن لا نكاد نرى وطنينا منذ فجر التاريخ القديم إلا متعاونين على الخير متظاهرين على نشر الحضارة والثقافة.
والمؤكد أن المثقفين اللبنانيين - والكلام للدكتور جابر عصفور - أسهموا بالدرجة الأولى فى تأسيس ثقافة النهضة والتنوير، وهذا واضح على مستويين أولهما على مستوى الأدوات والمؤسسات من قبيل، تأسيس المدارس والجامعات ومؤسسات الفنون وبناء دور الصحافة والسينما والمطابع والمستوى الثاني: يتمثل فى أفكار النهضة والتنوير التى تدين إلى حد كبير للمثقفين والمفكرين اللبنانيين، متوقفا على هذا الصعيد عند شخصيتين لبنانيتين أسهمتها بفعالية فى ترسيخ هذه الأفكار أولهما هو فرج أنطون، الذى أستطاع عن طريق مجلته «الجامعة»، أن يؤسس لمفهوم الدولة المدنية الحديثة فى مصر، وخاض معارك كبيرة من أجل ذلك مع الإمام محمد عبده مطلع القرن الماضى 1903، وكان هذا الخلاف حول مفهوم الدولة المدنية الحديثة من ناحية، وحول حرية الفكر واضطهاد المفكرين من ناحية أخري والشخصية الثانية، كانت امرأة تسمى هند نوفل، والتى جاءت من لبنان إلى الإسكندرية وأسست فيها أول مجلة للمرأة العربية وهى مجلة «الفتاة» 1892، وأرست من خلال كتاباتها لقيمة المرأة فى المجتمع، وبشرت بتحرير وتحرر المرأة، ومشاركتها الفاعلة داخل المجتمع.
باختصار كما يرى عصفور، فإن المثقفين اللبنانيين نجحوا فى أن يضعوا بصماتهم ويؤسسوا مع الطليعة المصرية لكل أفكار الاستنارة والنهضة، وأفكار الدولة المدنية الحديثة، ظل هذا التأثير باقيا وقائما ومتفاعلا إلى أن توقف مشروع النهضة متسائلا عما إذاكان بالإمكان استعادة هذا المشروع النهضوى والتنويري؟ ثم يجيب بنعم بشرط تكاتف جهود طليعة المثقفين فى مصر ولبنان.
من دواعى سرورى أن أُدْعى إلى ملتقى ثقافي، لكنه معنيٌّ بالثقافة السياسية، أو بالتضافر السياسى والثقافى فى صناعة الأحداث، والعلاقات بين الدول والمجالات الحضارية. وكما تعلمون، فإنه فى حالنا الراهنة، صارت الثقافة شأنا ملحا لما نشهده من تدهور فى الوعى الوطنى والقومى والإنسانى المؤثّر فى السياسات، وبالتالى التدهور فى القدرة والرؤية الواضحة والإرادة المصممة والمثابرة على صناعة الحاضر والمستقبل. فهناك تعثرٌ فى مواكبة العصر وتعثرٌ فى التعليم ومستوياته ونوعية مخرجاته، وتعثرٌ فى التنمية ومكافحة الفقر، وازديادٌ فى حدة الفروق فى المجتمعات العربية وبين الدول العربية فيما بينها، وتراجعٌ فى التضامن والتضافر القومى واستنكافٌ عن التعاون والتكامل فيما بين الدول العربية، وعودةٌ إلى سياسات المحاور والعصبيات وردود الأفعال، وانخذالٌ وتفرق فى مواجهة التدخلات الأجنبية فى الشأن العربي، وانتشار التيارات المتشددة والمتطرفة التى تدّعى الإسلام والتى تهشّمُ ديننا وثقافتنا وعيشَنا المشترك، وعلاقاتِنا بالعالم.
وبالطبع لم تغب عن مداخلة فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبنانى السابق أهميةُ الملتقى، لاسيما فى ظل فى هذه الظروف الدقيقة والحرجة، التى تمرّ بها أمتنا العربية، فضلا عن تضاعفها كونَهُ لبنانياً مصرياً، بحسبان أن البلدين شكَّلا معا مهدَ النهضة العربية الحديثة،فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، عرفت مصرُ أولَ تجربةِ تحديثٍ شَمَلَت الصناعةَ والزراعةَ والتعليمَ وبناءَ جيشٍ نظامي، كما عرفت النشرَ الجديدَ، والطباعةَ والترجمة. وفى الوقت نفسه شهد لبنانُ ظهورَ المدارس الإرسالية والوطنية على السواء، وإنشاء الجمعيات، وهو الأمرُ الذى أدّى إلى نشوء فئة جديدة من المتعلمين تعليما حديثا، والعارفين باللغات الأجنبية والقديمة، فضلاً عن إتْقان العربية الفصحى الكلاسيكية، ومحاولة تطوير لغة عربية حديثة تستوعب فكر وحضارة العصر.
فى تلك الأثناء – يضيف السنيورة - ضاقت مساحة لبنان بخبراتهم، فضلاً عن القيود التى كانت تفرضها السلطة العثمانية آنذاك، فوجدوا فى الهجرة إلى مصر ملاذاً للتعبير عن تطلعاتهم العصرية، وكانت مصر فى تلك المرحلة تضج بمشاريع الخديو إسماعيل التحديثية فى كل المجالات، فوجد هؤلاء اللبنانيون فيها مجالاً رحباً لتحقيق طموحاتهم فى إنشاء الصحف، وتأسيس دور النشر والإسهام فى نهضة المسرح، والحياة الثقافية وحسب تصوره فإن دَورُ اللبنانيين فى مصر كان يتجاوزُ إنشاءَ الصحيفة والمطبعة وإثراء الحياة الفكرية والأدبية. فالتفاعُلُ بين اللبنانيين والمصريين فى الرُبْع الأخير من القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين أوجد الخطوطَ العريضةَ لما يمكن أن نسمِّيَهُ ثقافةً عربيةً حديثة، إنْ فى الفكر والآداب أو العلوم أو فى المسرح والسينما والموسيقى وسائر الفنون لاحقا.
ويتابع قائلا: لقد أصبحت جامعةُ القاهرة بعد تأسيسها عام 1908، جامعةَ العرب يتوافدُ إليها الطلابُ من العراق وسوريا ولبنان واليمن وبلدان الخليج. هؤلاء الطلبة الذين يتزودون بالعلم والمعرفة الحديثة، يعودون إلى بلدانهم ليصبحوا قادة الرأى والفكر والسياسة. هذا فضلاً عن البعثات التى كانت مصر ترسلها إلى البلدان العربية ومنها لبنان طوال ستين عاماً لتطوير التعليم والحياة الجامعية، فى حين كان كل ناشدى العلم الدينى المعتدل والمستنير، يأتون إلى الأزهر الشريف بمصر من أجل التعليم الدينى العالى بمختلف كليات الأزهر، فضلاً عن الجامعات المصرية الأخري.
وأولئك الذين لم تتوافر لهم فرصة الذهاب إلى القاهرة لمتابعة التحصيل العلمى فى جامعاتها – الكلام ما زال للسنيورة - كانوا ينتظرون المجلات القادمة من القاهرة، من الهلال إلى الرسالة إلى المقتطف وغيرها، أو ينتظرون ما يكتبه وينشره الأعلام الكبار أمثال طه حسين ومحمود عباس العقاد وسلامة موسى وأحمد أمين وقاسم أمين الرائد فى تحرير المرأة، أو ينتظرون الأعداد الشهرية من سلاسل الكتب التى تقدم الموضوعات التاريخية والمؤلفات الروائية والأبحاث العلمية، متوقفا عند تجربته الشخصية قائلا: حيث نَعِمْتُ بأن والدى كانت تصلُهُ أعدادُ الهلال بشكل دورى وكذلك المقتطف وروايات جرجى زيدان مما مكننى من أن تكون تلك المجلات والكتب وغيرها فى مكتبته مصدراً مهما من مصادر المعرفة بالنسبة لى ولأخوتى وأخواتي. كذلك كانت سلسلة كتابي، إذ إنّ سلسلة حلمى مراد التى تترجم روائع الأدب العالمي، كانت هى أيضاً مفتاحى السحرى للدخول فى عوالم المعرفة، والتى أسهمت فى نشأتى الفكرية من خلال متابعتى لإصداراته فى الآداب العالمية. كذلك أيضاً شكلت الإذاعة المصرية وبعدها كذلك التليفزيون المصرى فى مطلع الستينيات معيناً لا ينضب من الثقافة العربية والعالمية وتعزيزاً للانتماء العربى والقومى لأجيال واسعة فى لبنان ومصر ومختلف أنحاء العالم العربي. ولا يفوتنى ما كان لعمالقة الفن والموسيقي، والغناء أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ وصباح ونجاح سلام ووديع الصافى من أثرٍ كبيرٍ فى مخيلة ووجدان ليس فقط المصريين واللبنانيين بل والعرب جميعاً بما أسهم فى تعزيز التعارف والوئام والتواصل العربي.
وخلال ما يقرُبُ من القرن من الزمن – كما يؤكد - تبادل لبنان ومصر الأدوار الثقافية. فمع إطلالة الخمسينيات من القرن العشرين، أصبحت بيروت مركزاً للطباعة والنشر والصحافة، واحتضنت التيارات المعاصرة فى الشعر والمسرح، وأصبحت مركزاً لترجمة التيارات الفكرية والأدبية التى تظهر فى أوروبا والعالم وتأثيراتها. وفى مطلع السبعينيات هاجر إليها العديد من الكتّاب والصحفيين الذين احتضنتْهم صُحُفُها ومجلّاتُها ودُورُ النشر فيها وحتى الانتاج السينمائى المشترك.
وحسب قناعته فإن ما أنجزه المفكرون والمثقفون والأدباء العرب، بين لبنان ومصر، خلال سحابة قرنٍ من الزمان، يرقى إلى المشروع الثقافى المتكامل، ففى مرحلة النهضة الأولى مع الرواد أمثال الطهطاوى وبطرس البستانى وعلى مبارك ومحمد عبده وأحمد فارس الشدياق، وإبراهيم اليازجي، وقاسم أمين وُضعت أسس مفاهيم الحرية الوطنية والتربية، وتعليم المرأة وتحريرها، وأصبحت هذه القيم جزءًا من الفكر العربى الحديث، وفى المرحلة اللاحقة وهى مرحلة التحرر الوطنى أصبحت قيم الديمقراطية والدستور والبناء والتنمية، والوعى العربى والوحدة العربية، هى القيم التى اضطلع بها المفكرون والمثقفون، ليس فى مصر ولبنان فحسب. ولكن من العراق وسوريا وتونس والجزائر والمغرب، وانطلاقاً من مصر غالباً، شاركوا فى صياغة المشروع العربى التحررى الذى حقق إنجازاتٍ فى الستينيات، تجلّت وبزعامة مصر، فى استقلال العالم العربى فى كل أرجائه، وتحوُّل العرب إلى قطبٍ عالميٍ من خلال الحياد الإيجابى وجبهة عدم الانحياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.