لا شيء يمكن أن يعوضنا عن فقد مبدع جميل. كان الكل يعرف أن النهاية اقتربت، ومع ذلك كان الجميع ينتظرون معجزة تعيد الساحر الجميل ليستمر في اثراء الحياة والفن. ثم يأتي خبر الرحيل، فتحس بأن الدنيا كلها تشاركك الحزن، وهي تودع الفنان الجميل حقا. محمود عبدالعزيز. غيري بالطبع أقدر علي تقييمه فنيا. لكني اكتب كواحد من ملايين اسعدهم هذا الفنان الرائع علي مدي سنوات عديدة من العطاء الفني.. واكتب كواحد اقترب من محمود عبدالعزيز وعرفه انسانا جميلا تصاحبه البهجة اينما حل، ويمنح حبه بلا حدود للناس، فيبادلونه الحب. ويظل كما هو علي الدوام.. ابن البحر الذي يعشق معانقة الحياة. وصاحب الفرحة التي يحب ان يشارك فيها الاصدقاء والناس جميعا. والفتي الذي ينقل الحياة إلي الفن، ويعيش الحياة بروح الفنان الحقيقي. سيكتب الكثيرون أفضل مني بكثير عن عبقرية الأداء التي قدمها الراحل الجميل في أدوار لا تنسي من »الكيت كات»، و»العار»، وحتي »رأفت الهجان»، وغيرها. وسيكتب الكثيرون عن قدرته الرائعة علي تقديم كل الأدوار، والتقلب - بنفس الابداع- بين الكوميديا والتراجيديا، والاهتمام بكل شخصية يقدمها وبث روحه الجميلة فيها. لكني أتوقف عند ما قاله مخرجنا الكبير داود عبدالسيد وهو يرثي الفنان الراحل، فيلقي باللوم علي السينما المصرية التي لم تعرف كيف تستفيد كما ينبغي من ممثل عالمي بكل المقاييس، كان يستطيع أن يقدم أضعاف ما قدم من إبداع لا ينسي لو أننا نعرف كيف نتعامل مع هذه القامات الفنية. الفنان بحجم محمود عبدالعزيز رحمه الله، هو جوهرة ثمينة لابد أن نعرف كيف نحافظ عليها، وكيف نضعها علي الدوام في المكانة التي تستحقها، وكيف نوفر لها- حتي في ظل موجات الأفلام الهابطة التي كان يرفضها - الأدوار التي تليق بها، والتي تضيف للسينما المصرية قبل أن تضيف للنجم نفسه. لكننا- للأسف الشديد- لا نعرف قيمة الجواهر الفنية التي نملكها، ولا نوفر لها ما يمكنها من أن تكون حاضرة معنا علي الدوام بما تبدعه رغم أي ظروف تحيط صناعة السينما. وهكذا كان علينا أن ننتظر سنوات لنري تحفة جديدة يقدمها نجم عالمي مثل محمود عبدالعزيز، فيبهرنا كالعادة بأدائه، ويذكرنا بتقصير الدولة والمسئولين عن السينما والفنون في حق السينما الحقيقية، وفي تمهيد الطريق أمام المبدعين الحقيقيين، ليستمر ابداعهم ويتواصل بلا انقطاع، فلا يتركون الفن في يد محدودي الموهبة، ولا يحرمون الفن من اجمل مبدعيه. رحم الله صانع البهجة وساحر السينما. والعزاء لأسرته وللملايين التي اسعدها بفنه، رحل فنان عالمي، كان يحب أن ينتج عسل النحل ويهديه لاصدقائه، وكان يصنع عسل الفن فيجعل الحياة أجمل كما يفعل كل فن أصيل، ويجعل الوداع مريرا بقدر ما فقدناه.