أجمل ما في يحيي الفخراني هو بحثه الدائم عن تقديم كل ما هو جديد، فقد سبق أن قدم لنا منذ سنوات طويلة ولدا صغيرا في العمر، كبيرا في الموهبة هو المؤلف والسيناريست أسامة غازي رحمه الله الذي كان البديل الأوحد للعبقري أسامة أنور عكاشة رحم الله الجميع. لم يكتف هذا الفنان الجميل بفتح الأبواب أمام المواهب الجديدة الصاعدة، لكنه أعاد اكتشاف قدرات خافية حتي عن أصحابه عندما رشح محمد كامل الفنان المهضوم الحق في مسلسل «عباس الأبيض» فإذا به يحلق في مدارات بعيدة ويسفر عن موهبة دفينة لا أدري كيف ظلت خافية عن مخرجي ومبدعي مصر كل هذه السنوات، وفي ذات العمل أيضاً تألق حسن مصطفي كما لم يحدث من قبل لأن الورق المكتوب شكل له أرضية مناسبة للانطلاق وحافراً للإبداع. لكن عيب يحيي الفخراني أنه يقدم المواهب فقط ولا يواصل عملية رعايتها أو يعيد اكتشاف قدرات خاصة للفنانين من زملائه، ثم لا يحرص علي مواصلة رحلة البحث في أعماقهم عن المزيد، وفي هذا العام واصل الفخراني لعب دور منصة الصواريخ التي من مهامها الأصيلة إطلاق المواهب في مدارات عالية وتركهم بعد ذلك لتحديد المسارات والأهداف، ولا أخفي عليكم أن «شيخ العرب همام» كان عبارة عن قنبلة عنقودية متعددة الانفجارات بزغ من خلالها نجم كاد يأفل وهو نجم الفنانة صابرين التي ارتفعت بالأداء الدرامي إلي أقصي مدي ممكن في مسلسل «أم كلثوم»، لدرجة أن الجميع اتفقوا علي أن دور أم كلثوم بالنسبة لصابرين كان عبارة عن شهادة ميلاد ووفاة في الوقت نفسه، ولكن «شيخ العرب همام» ظهرت كراماته علي العديد من النجوم والفنانين الذين شاركوا فيه ومنهم المتمكنة القادرة المتلونة العائدة بقوة وصلابة المبررة لكل خطواتها حتي خلع الحجاب الجميلة العزيزة صابرين ويا سيدتي الفاضلة المسألة ليست في البحث عن فتوي لخلع الحجاب أو ارتداء الباروكة، لكن القضية في الفن هي مواصلة العطاء والاجتهاد والدور التنويري الذي يمارسه الفنان في مجتمعه باعتباره قدوة حسنة وصاحب رصيد من الحب والتقدير، ولا ينبغي أن ننسي أيضا ريهام عبدالغفور الناعمة كالحرير الخفيفة علي النفس والقلب كما النسمة الطرية التي لعبت أقوي أدوارها التمثيلية من خلال الشاشة الصغيرة، وربما الكبيرة أيضا ذلك لأن الوقوف أمام يحيي الفخراني يستدعي أن تحفز قدراتك وتسن أسلحتك الفتاكة وتكون علي أهبة الاستعداد لتحفظ للموقف الدرامي قامته الشامخة عندما يكون طرفها هو يحيي الفخراني وأما الممثل الجميل سامح الصريطي فأقول أنت تمثل في هذا العمل الاستثناء الوحيد فأنت سبق لك المشاركة في المعزوفة الدرامية الجميلة «الدانتيلا» «حمادة عزو» وأنت الوحيد الذي عاد الفخراني عن عادته الأثيرة بعدم التعاون لأكثر من مرة واحدة فقط، وهذا يعني أنك حصلت علي قناعة هذا الفنان والتي تطابقت مع شهادة المتلقي الذي وقف موقف الإعجاب لما قدمت من أداء متميز في دور الشرير الظريف الذي لا يتعمد المبالغة ويمثل وهو سايب إيديه فكنت أقرب إلي السهل الممتنع وبالنسبة إلي شخصي الضعيف فقد بهرني عبدالعزيز مخيون وهو الممثل صاحب القدرات الجبارة والحظ التعيس فلم أشهد ذلك الممثل متلبسا في لعب دور بهذه المساحة وتلك العبقرية وأما البهجة والسعادة والبسمة فقد تمثلت في الدور الذي لعبه القدير الكبير العملاق الذي لم يأخذ حظه رغم رحلة العطاء والعمر الطويل الذي كرسه للعملية الفنية، إنه الغالي عمر الحريري الذي كان بركة هذا العمل، فقد لعب دور شيخ العرب وأعطي درسا في الأداء دون أن يجنح إلي مبالغة في الحركة أو اللفظ أو مط الكلام، وهي ميزة يشترك فيها جميع الذين عملوا في هذا المسلسل وكأنهم دخلوا أكاديمية لتعلم اللكنة الصعيدية علي أصولها، ويبقي في النهاية هذا الولد السمين الخفيف الروح والظل معا مدحت تيخة الذي يتجه ببطء وثقة لتولي عرش أظرف ممثل كوميدي من الحجم الكبير أو بالأصح التخين وهو العرش الذي خلا برحيل علاء ولي الدين رحمه الله، وحاول الجميع عبثا الوثوب إليه، لكن الفشل الرهيب كان من نصيبهم وعلي رأسهم ماجد الكدواني، أقول إن مدحت تيخة لعب الدور وكأنه في حقيقة الواقع لا يمثل لدرجة أن بعض الناس ظنوا أن هذه هي شخصيته الحقيقية، سماحة بلا حدود، وطيبة ترتسم علي ملامح الوجه وأداء سلس بلا تقعر أو تعقيد وانطلاق محمود أمام مَنْ العملاق يحيي الفخراني وأخشي أن أقول إن هذا الفتي في بعض المشاهد شعرت من عظمة أدائه أنه راكب حصان ارتفع بقامته كأحد فرسان فن التشخيص فيما هو قادم من أعوام، وأخيرا لا ينبغي إغفال هذا المقتدر الموهوب الذي لا أعرف عمره ولا مهنته ولا من أين جاء، لكني أتمني له الاستمرار كأحد المبدعين علي الورق والذي أثبت أن مصر لا تزال بخير رغم كل دعاوي اليأس والإحباط وأنها ولادة في كل الظروف وأنها ستظل رائدة رغم المكائد والدسائس، إنه الفتي المنير العقل عبدالرحيم كمال الذي وضع حجر الأساس لهذا الصرح الفني الكبير الذي أسعدنا خلال شهر رمضان، وأتمني من الله أن يواصل هذا الموهوب حتي النخاع عملية الإبداع في كل رمضان، أحيانا الله وإياكم لنشهد المزيد من المبدعين فيما هو قادم من أيام الشهر الكريم!