عقيدة التواجد الدائم بين الجنود والضباط واحدة من شيم قادة القوات المسلحة علي مدار تاريخا، وفي مايو 1973 زار الرئيس الراحل محمد أنور السادات جبهة القتال، وسأل الجنود في أحد التشكيلات الميدانية: «هل أنتم جاهزون للعبور؟.. فردوا وقتها في صوتا واحد: إننا مستعدون الليلة للعبور إلي الضفة الشرقية». وفي ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر، ازدحمت القناة بالقوارب الخفيفة وعبر الرجال مصر في زمن قياسي، وكانت القيادة العليا للقوات المسلحة وقتها قد وضعت في اعتبارها قيام العدو بأعمال عدوانية ضد الجنود، فوضعت كافة الخطط التي يمكن أن تردع العدو ردعا قوية. وبالفعل حققت القيادة في هذا اليوم المعجزة وهي حشد أكبر قوات ممكنة لرد العدوان، والمفاجأة الكاملة للعدو بدون أن يشعر العدو رغم من يمتلكه من أجهزة استطلاع وأقمار صناعية سخرها حلفاؤه له. صعود «بارليف» اندفع رجالنا كالأسود يتسلقون الساتر الترابي الذي يصل ارتفاعه 32 مترًا، كل منهم ينادي الأخر مشجعا إيه ب«شد حيك»، وقبل كل ذلط يغطي هدير المقاتلين «الله أكبر.. الله أكبر»، كل يحمل ما يحمله ولا يلقي بالا لثقله. وعلي الجانب الآخر، بدأت وحدات المهندسين في شق الساتر الترابي في عدة مواضع، وبدأت السيارات في المرور، ويقول أحد المهندسين إن شق كل فتحة في الساتر الترابي كان لابد من إزالة كمية ردم تعادل 2800 متر مربع أي ما يوازي عمارة مكونة من ثمانية أدوار . رفع العلم بدأت طلائع الهجوم المصري إلي النقاط المرتفعة المتحكمة في الأرض ودفع مع هذه المغارز 25 علمًا مصريًا بين دخان القنابل وسحابات الغبار وتناثر الشظايا والموت المحلق و الدما. اعتلوها وغزوا العلم وعندما خفقت تلك الأعلام اندلع لهيب من صدور المقاتلين «الله أكبر»، وتسابق الجنود وتسلقوا الساتر الترابي واقتحموا حقول الألغام وأحاطوا بالنقط القوية. ولأول مرة في تاريخ الحروب يتصدي المشاة للدبابات عندما بدأ العدو في تحريك مدرعاته التي تقف في العمق إلي جنود، ويفجر كل منهم بسلاحه القاذف دبابة شل العدو من المفاجأة، ولأول مرة تري ساحات المعارك مشهدا لم يحدث من قبل جندي المشاة المصري يجري وراء الدبابة يدمرها . اللواء مدرع 190 خلال الليل، دفع العدو الإسرائيلي بأكفأ المدرعات وهو اللواء المدرع 190 الذي يتكون من 110 دبابات مدعومة بكتيبة مشاة ميكانيكية وكتيبة مظلات وسرية هاون ثقيل ومدفعية معاونة وبالطبع الطيران. وتعاملت معه هذا اللواء القوات المصرية فدمرت له في بادئ الأمر 7 دبابات، وتم فتح مصيدة قاتلة بالأسلحة المضادة للدبابات لدرجة أن لكل دبابة خصص لها أسلحة مضادة أضعاف أضعافها، وثأر الغبار في سيناء وكان العدو الإسرائيلي يتقدم بسرعة 40 كيلومترا في ساعة ولكن ما إن عبرت قوات العدو إلي الأمام حتي فوجئت بسيل عاصف من النيران من الأمام والخلف ومن كل الاتجاه. وهناك في المؤخرة لمح رجالنا مركبة القيادة اتجهوا إليها وتعاملوا معها وتم أسر القائد عساف باجوري قائد اللواء مدرع 190 . مقبرة الدبابات وفوق مساحة واسعة من رمال سيناء تناثرت بقايا اللواء المدرع 190 وأعداد كثيرة من الدبابات التي أبيدت خلال المعارك العديدة. كانت هذه المعركة نقطة تحول في تاريخ الحروب التقليدية لأول مرة تقوم وحدات مشاة خالصة غير مدعمة بالمدرعات مسلحة بقاذفات مضادة للدبابات بتدمير لواء مدرع كامل بكل ما يضمه. الأخبار 30 أكتوبر 1973