قد يبدو لأول وهلة في هذا العنوان شيء من التناقض فالقراءة الحرة الرحبة لايمكن أن تشد إلي الحساب الجامد الذي قرر أن 1+1 = 2 ثم يرفض المناقشة في هذه الحقيقة لكي معني القراءة من الناحية العلمية أنها عمل عقلي وانفعالي، فهي تقتضي التعرف علي الكلمات، وفهم معناها، والإحساس بما يقدمه كاتبها فيها من توجيهات، ثم تقييم هذه التوجيهات قبل وضعها موضع التطبيق وهذا التفسير يؤلف بين القراءة والعمل فالقراءة هكذا أداة لاصطياد المعلومات وإثارة الإحساسات. وهذه تتفاعل في نفس القاريء مع تجاربه القائمة، فتؤثر في سلوكه الذهني والإنساني، وتصبح قوة تحركه لينطلق في الحياة وفقا لسلوكه الجديد، فيأتي من التصرفات مايعود بالخير أو بالشر علي حياته وحياة المجتمع الذي يعيش فيه ومن هنا تصبح القراءة وسيلة للتنمية أوللهدم، فلابد من الرقابة العلمية عليها، ومتابعة آثارها علي مختلف الطبقات، وقياس نتائجها بالأرقام في حياة الأفراد أرأيت إذن أنه لاتناقض بينها في النهاية وبين الحساب؟ إن القراءة من شأنها أن تسهم إيجابا في تطوير الشخص فتزيد دقته في تقصي المعلومات والحكم علي الأشياء، وتؤثر في اتجاهاته ومستواه الخلقي، ومعتقداته وتصرفاته ولكنها أيضا قد تسهم سلبا في تطويره فتقدوه الي أعمال ضارة، ولذلك ينظر المصلحون في قلق إلي ماينشر عن الجنس والحريمة وقد أصبحت القراءة اليوم من أدوات الدعاية الفعالة، ولذلك عنيت الحكومات بتعويد شعوبها التفكير فيما تقرأ، وتقبيم مصادره وقد وضعت الحكومة الأمريكية بين سنتي 0391، 0591 دراسات لتحسين فن القراءة، وقامت المؤسسات الصناعية الكبيرة بعذ ذلك بوضع دراسات خاصة بموطفيها لتعليمهم هذا الفن. المراحل الاربع لتعليم القراءة: أظهرت الابحاث أن تحصيلات التلاميذ من القراءة تختلف اختلافا كبيرا، فبعضهم من يصل في المرحلة الأولي إلي مالا يصل إليه سواه إلا في المرحلة التالية أوالتي بعدها. والمرحلة الاولي هي التي يبدأ فيها الطفل في تكوين ملكاته العقلية والاجتماعية والعاطفية واللغوية، حتي رذا وصل في عمره الي ست سنوات بدأ يهتم بالكتاب وبالكلمة المطبوعة فيدخل المرحلة الثانية. وفي هذه المرحلة يتعرف بتظره علي نحو ثلثمائة كلمة ويزداد اهتمامه بالقراءة لأنه يبدأ يفكر فيما يقرأ، مع تزايد سنه يتعلم كيف يستقل بنفسه في القراءة فيدخل المرحلة الثالثة. وفي هذه المرحلة تزداد سرعته في القراءة الصامتة وفي فهم مايقرأ ويزداد عدد الكلمات التي يتعرف عليها بظنره الي ألف وخمسمائة أو ألفي كلمة، ثم يتعلن القراءة بصوت مسموع، ويكتسب المهارات اللازمة للتحدث بما يجمعه من قراءاته، كما يستخدم القراءة لإشباع حب الاستطلاع في نفسه، ولجني المعلومات من العلوم المختلفة. بقيت المرحلة الرابعة ومن خصائصها أن تكون القراءة باهتمام أكبر وتذوق أحسن وخلال هذه المرحلة تنقي القدرات السابقة وترهف، ويستع مدي التعرف علي الكلمات والمعاني، وتنمو القدرة علي التفسير. وبزيادة الحصيلة من المعرفة تتأكد القدرة علي التقييم الصحيح، والاستفادة من القراءة في تكييف الاتجاهات والسلوك إن لاقراءة في هذه المرحلة تزداد اتساعا وعمقا. القراءة والاهتمامات أثبتت الدراسة أن الاطفال يظهرون في مدارحهم الأول اهتماما بالحيوانات، وميلا الي الحكايات عن الاطفال الآخرين الذين هم في سنهم وقبيل المراهقة يظهرالاولاد ميلا الي قراءة المغامرات وطرق القيام بها والهوايات وعبادة الابطال أما البنات فيظهرن اهتماما بالبيت والحياة المنزلية، وبعضهن يملن الي قراءة المغامرات وقد لوحظ أن البنات يحببن كتب الاولاد، علي حين أن الاولاد لايحبون كتب البنات. وفي سن المراهقة ييدي الاولاد اهتماما يالمحهول وبالالعاب الرياضية ونواحي الترفيه، في حين يقبل البنات علي الروايات الغرامية والقصص التي تعالج مشاكلهن قبل سن العشرين.. أما اهتمامات البالغين فهي متنوعة ومعقدة. إن القراءة تنمي الفرد، والفرد ينمي المجتمع، ولن تكون تنمية بغير قراءة فالقراءة هي جهاز الاستقابل الذي يفتحه القاريء علي الدنيا فيغترف بعينيه مافيها من جديد ،والفرد الذي لايقرأ يوقف التيار الفكري الذي يريطه بالعالم، ويحكم علي نفسه بالعزلة، وعلي عقله بالجمود، وعلي ملكاته بالتحجر. إن القراءة هي التي علمت الناس كيف يحلقون ذقونهم بالشفرات ويغسلون أسنانهم بالمعجون والفرشاة، ويقطرون الدواء في عيونهم إذا أصابها التهاب أوألم بها غبار وهي أيضا التي نشرت بينهم عادات التدخين وشرب الخمور وسباق الخيل وغشيان الملاهي، لقد أصبحت القراءة معلم الجمهورالأول، حاتي ليتعذر تصور الحياة بدونها. فكيف يعرف الناس أن السير علي اليمين مطلوب إذا لم يقرءوا أن هذا يحقق مصلحة شخصية وعامة؟ وكيف يدركون القطارات والسفن والطائرات إذا لم يقرأوا مواعيد قيامها؟ بل كيف يتعاونون مع الهيئة الحاكمة ومع بعضهم بعضا إذا لم يقرءوا ويفهموا ماهومطلوب منهم في هذا الشأن؟ إذا الحكومات لاتستطيع أن تحصل من شعوبها علي التلبيات المطلوبة إذا لم تكن هذه الشعوب قارئةو حتي ليصبح القول بأن تكوين الدول صعب التصور بغير قراءة. إعداد :محمود الورداني