تنسيق الجامعات 2025، آخر موعد للتسجيل باختبارات القدرات    قصة الانتخابات البرلمانية في مصر.. من 1976 الانتخابات التي غيرت وجه الحياة السياسية إلى 2025 "انتخابات الصفقات الغامضة".. شهادة صحفية تكشف المستور فى عصر السادات وتنذر بمخاطر كبرى    وكيل أوقاف الإسماعيلية يشدد على تثقيف الأئمة ويتوعد المقصرين ( صور)    تفاصيل اجتماع وزير التموين بقيادات "العامة للجملة" لمتابعة مخزون السلع الأساسية    رسميا، تراجع مفاجئ في سعر الدولار أمام الجنيه    منظمات إسرائيلية تتهم حكومة نتنياهو بارتكاب إبادة جماعية في غزة    الكرملين: عملية تطبيع العلاقات بين روسيا وأمريكا تسير في مكانها    حماس تدعو إلى تصعيد المظاهرات أمام سفارات إسرائيل وأمريكا.. واعتبار 3 أغسطس يوما لنصرة غزة    برنامج الأغذية العالمي: كميات المساعدات الإنسانية اللازمة لا تدخل إلى غزة    دياز يصل ألمانيا تمهيدًا للانضمام إلى بايرن ميونخ    تعرف على تفاصيل مفاوضات أليو ديانج وبيراميدز    إدارة ريال مدريد تفتح ملف التجديدات.. وتضع كارفاخال وروديجر ضمن أولوياتها    إحالة سارة خليفة و27 متهما آخرين للجنايات في قضية المخدرات التخليقية    الأرصاد: انخفاض تدريجي في درجات الحرارة يبدأ غدًا ويصل إلى 4 درجات    الأزهر يعلن جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية الأزهرية 2025.. البداية 18 أغسطس    انتشال جثة مسنة وإنقاذ نجلها في انهيار عقار سكني بطنطا    أبرزهم إليسا، نجوم الفن يتوافدون على مراسم ثاني أيام عزاء زياد الرحباني    بدء فعاليات اجتماع المجلس الأعلى للثقافة لتصويت على جوائز الدولة    فيديو ل "مركز معلومات مجلس الوزراء" يكشف جهود الدولة لتطوير المنظومة الصحية في مصر    خلال زيارة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يشدد على انتظام العمل وحسن استقبال المرضى بعيادة التأمين الصحي بجديلة..صور    أفضل وأسوأ المشروبات خلال موجات الحر الشديدة    مطروح: مصرع شخص وإصابة 59 في انقلاب أتوبيس رحلات على الطريق الدولي الساحلي    "الفجر" ترصد لحظة وصول محافظ الدقهلية لموقع كسر خط المياه لمتابعة تنفيذ أعمال الصيانه    «التضامن» توافق على إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    رئيس «جهار» يستقبل وفدا من منظمة دعم أداء النظم الصحية والابتكار العالمية    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    انتظار صدور حكم في قضية سرقة عملات ذهبية أثرية من متحف ألماني    رصيف محطة هاتشيسون رقم 1 بميناء السخنة يستقبل السفينة ZHEN HUA 36 المخصصة لنقل الأوناش الثقيلة    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء في شمال سيناء    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    دخول 9 شاحنات مساعدات إنسانية إلى معبر كرم أبو سالم تمهيدًا لدخولها لقطاع غزة    وزير التنمية المحلية: شركاء التنمية حليف قوي في دفع العمل البيئي والمناخي في مصر    وظائف قيادية وإشرافية شاغرة بمديرية التعليم في شمال سيناء (التخصصات والشروط)    ضياء رشوان: الأصوات المشككة لن تسكت.. والرئيس السيسي قال ما لم يقله أحد من الزعماء العرب    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    يوسف معاطي: سعاد حسني لم تمت موتة عادية.. وهنيدي أخف دم كوميديان    قناة الأهلي: عبد القادر يريد الرحيل عن الأهلي والانتقال للزمالك    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    غادة عادل vs صبا مبارك.. انطلاق تصوير «وتر حساس» الجزء الثاني    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    سعر السمك البلطي والمرجان والجمبري بالأسواق اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    «البيئة» تصدر 1742 ترخيصًا لإدارة المخلفات    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‮ ‬أشرف العشماوي‮: ‬نتراجع منذ‮ ‬60‮ ‬عاما‮ ‬‮ ‬وغالبية ما قيل عن فاروق وعصره أكاذيب

بداية؛ تغوص جميع أعمالك في التاريخ‮. ‬هل‮ ‬يمكن اعتبارك مؤرخا؟
لا علي الإطلاق؛ ولا أحب أن أكون كذلك،‮ ‬إذا ما صار الروائي مؤرخا أصبح مملا جافا،‮ ‬أنا لا أكتب تاريخا ولكنني أضعه في الخلفية وأتحرك بحرية،‮ ‬لا أخالفه وإنما أراه من خلال عيون أبطال رواياتي ولا أعتبر رواياتي تاريخية علي الإطلاق،‮ ‬فأنا أري مصر من زوايا كثيرة‮.‬
تناولت في‮ "‬تذكرة وحيدة للقاهرة‮" ‬أزمة تهجير النوبيين في الستينيات لبناء السد العالي‮. ‬في رأيك؛ هل كان هناك بديل للتهجير؟‮ ‬
في كل عصر كان هناك البديل،‮ ‬أعداد النوبيين كانت أقل والتكلفة أرخص،‮ ‬ومع كل وقت تزداد المشكلة تعقيدا،‮ ‬عبد الناصر بدأ دراسات السد العالي عام‮ ‬1957‮ ‬لكن الإعداد للتهجير بدأ في‮ ‬1963‮ !!! ‬لم‮ ‬يتم دراسة تهجير عائلات من موطنها الأصلي؛ اهتموا بالحجر علي حساب البشر،‮ ‬هؤلاء عانوا وماتوا من أجل نقطة ماء نشربها في بيوتنا بالقاهرة وسط أولادنا وهم‮ ‬يغرقون ويموت أطفالهم أمام أعينهم،‮ ‬بالمناسبة؛ توجد مقبرة لأطفال النوبة الذين‮ ‬غرقوا‮ ‬يمكنك زيارتها لتعرفي حجم المأساة التي صاحبت تهجيرا‮ ‬غير مدروس،‮ ‬فأنا لست ضد السد ولست ضد تهجير للمنفعة العامة،‮ ‬لكن بترتيب وتمهيد وإعداد‮. ‬وهو ما لم‮ ‬يحدث للأسف‮.‬
عرضت ملامح حياة النوبيين المهمشين والمقهورين بكثير من المشاعر،‮ ‬ويعتبر البعض بالمثل أن‮ ‬غالبية الشعب المصري‮ ‬وهم أضعاف‮ ‬في العصور الملكية كانوا مهمشين ومقهورين أيضا‮. ‬كيف تري الأمر؟‮ ‬
لا أراهم كذلك،‮ ‬أنا من المنحازين للعصر الملكي وأري أنه كان أفضل رغم سلبياته،‮ ‬كانوا مهمشين؛ ربما بعضهم كذلك،‮ ‬لكن مقهورين أشك كثيرا،‮ ‬هذا رأيناه في أفلام الخمسينيات مثل رد قلبي وغيرها،‮ ‬صورة بائسة للريف وإقطاعي فاسد‮ ‬يملأ بطنه طعاما وخمرا وعينه علي زوجة الفلاح التي تبرز عظامه من صدره،‮ ‬أنا شخصيا أشك في كل هذه الأمور ولا أصدقها،‮ ‬ولدي معلومات من كثيرين عاصروا تلك الفترة وأثق في رأيهم وكلهم نفوا تماما تلك الصورة الساذجة التي صدَّرها لنا عبد الناصر في الخمسينيات‮. ‬
هل تعتقد أن الإنسان‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يحدد مصيره بيده؟
سؤال صعب ليس من السهل إجابته هنا،‮ ‬أنا اكتب لأصل لهذه الحقيقة،‮ ‬أحيانا أظن أن الإجابة ستكون بنعم،‮ ‬واكتشف من خلال الحياة والروايات أن هذه الاجابة خاطئة،‮ ‬وأحيانا‮ ‬يحدث لي العكس‮. ‬أنا حائر امام هذه القضية الشائكة ولا أستطيع تقديم رد حاسم‮.‬
تعتبر البطل في روايتك مهمشاً‮ ‬ومجبراً‮ ‬لا‮ ‬يملك قراره،‮ ‬رغم أنه هو الذي اختار الرحيل إلي القاهرة،‮ ‬وأنه‮ ‬يساعد إقطاعيا ثم‮ ‬يسافر للإسكندرية وكذلك رحلته إلي سويسرا‮. ‬أليست كلها اختيارات؟
رحل للقاهرة لأنه لم‮ ‬يجد عملا بالنوبة وكان هناك‮ ‬غرق قبلها لبعض القري،‮ ‬والقاهرة فرصة جيدة للرزق،‮ ‬فأين الاختيار هنا؟ هو مجبر في أغلب الأحيان،‮ ‬وفي مساعدته لإقطاعي كان مجبرا أيضا،‮ ‬بعد تلفيق محضر سرقة له عاني علي أثره كثيرا في قسم الشرطة وفقد إحدي أسنانه،‮ ‬وأهين من الضباط والمخبرين وظل سيف محضر السرقة مسلطاً‮ ‬علي رقبته خوفا من تنكيل الإقطاعي السابق به،‮ ‬الإسكندرية كانت هربا مما لاقاه من أشور الجزار وفقد أصابع‮ ‬يده،‮ ‬أما سويسرا فنتيجة حماقته واستعجاله بحثا عن مسكة زوجته رمز النوبة التي‮ ‬غرقت مثلها،‮ ‬لا‮ ‬يمكن القول أن كلها اختيارات وإنما مزيج بين الاختيار والإجبار في تقديري،‮ ‬وربما أكون مخطئاً،‮ ‬لكن هذا ما رأيته وأنا أكتب الرواية‮.‬
هل هناك علاقة بين اختيارك لسويسرا وكونها ملجأ للصوص؟
لا علي الإطلاق،‮ ‬ولندن هي ملجأ اللصوص بالمناسبة،‮ ‬لكن كل ما هنالك أنني زرت سويسرا مرات عديدة وعشت في جنيف تحديدا لفترات متقطعة بلغت شهورا في كل مرة وأنا صغير،‮ ‬لذلك أعرفها جيدا،‮ ‬وكان من السهل الكتابة عنها‮. ‬
تناولت بعض المراحل في الرواية بإسهاب ودقة والبعض الآخر بتعجل مما أثر علي الشعور بالتسلسل الزمني عبر‮ ‬50‮ ‬عاما وكأن الأحداث وقعت في فترة زمنية قصيرة لم تتطور معها روح وفكر عجيبة‮ (‬بطل الرواية‮) ‬كثيرا‮.‬
عجيبة لا‮ ‬يتعلم من أخطائه،‮ ‬يصدق الوعود دائما ويسير خلف مشاعره وقلبه،‮ ‬وما‮ ‬يراه‮ ‬يكون سرابا،‮ ‬فلو عاش‮ ‬100‮ ‬عام سيكرر نفس الأخطاء،‮ ‬قضية النوبة‮ ‬وهي رمز الرواية‮ ‬عمرها مائة وخمسة عشر عاماً،‮ ‬ولا‮ ‬يزال المسئولون‮ ‬يقولون نفس الكلام الذي قيل للنوبيين من أيام السلطان حسين كامل،‮ ‬والنوبي‮ ‬ينتظر ويصدق‮.. ‬ما الفارق؟‮!! ‬كل مرحلة سردية في الرواية كتبتها بالإيقاع المناسب لها في تقديري وتطور معها‮ ‬غالبية أبطال الرواية،‮ ‬أما عجيبة سر الختم فتطوره مختلف وإيقاعه دائما أبطأ،‮ ‬تلك هي شخصيته‮. ‬وبصفة عامة؛ السرد الروائي لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون كله بنفس الوتيرة،‮ ‬هناك مناطق‮ ‬يجب أن نهدئ فيها الإيقاع ويحدث المونولوج الداخلي لتعميق الشخصية وهناك مناطق أخري‮ ‬يكون السرد سريعا لتحريك الأحداث للأمام والوصول لنقطة محورية أخري وهكذا‮.‬
الرحلة التي مر بها البطل‮ ‬غير عادية ومن النادر أو المستحيل أن تحدث لشخص واحد‮. ‬هل تغازل بها الدراما التي تبحث عن الغريب والمثير؟‮ ‬
وهل مغازلة الدراما عيب؟ أنا شخصيا لا أراها كذلك،‮ ‬هذه مقولة‮ ‬يروجها كتاب الغرائبيات‮ ‬غير المفهومة حتي لمن كتبها منهم،‮ ‬لكن في ذات الوقت لم أكتب من أجل الدراما وإلا كان أسهل لي وأكثر ربحا ماديا أن أكتبها سيناريو،‮ ‬في الحقيقة؛ رحلة البطل‮ ‬غير عادية،‮ ‬لكنها ليست مستحيلة علي الإطلاق وهناك في الواقع ما هو أغرب من الخيال،‮ ‬والقارئ في أي بلد في العالم‮ ‬يحب الدراما والكتابة بهذه الطريقة،‮ ‬وهو أمر صعب،‮ ‬ولو صنفت كتاباتي بأنها تغازل الدراما وبعيدة عن الأدب فهذا‮ ‬يرضيني لأنني لم أدعِ‮ ‬يوماً‮ ‬أنني أديب،‮ ‬فأنا روائي‮ ‬يسرد حكايات،‮ ‬وتلك الزاوية‮ ‬يتم مهاجمتي منها كثيراً‮ ‬لكنني بصراحة راضٍ‮ ‬تماما عما أكتبه‮.‬
لماذا النهايات المفتوحة دائما في رواياتك؟
لأن الرواية حياة موازية وحياتنا نهايتها مفتوحة،‮ ‬النهاية المفتوحة أحب لي كقارئ وبالتالي فعلتها ككاتب،‮ ‬نحن دوماً‮ ‬نحتاج للتفكير في النهايات،‮ ‬ننتهي من سماع القصة وقراءة الحكاية أو مشاهدة الفيلم ثم نفكر،‮ ‬النهايات‮ ‬غير المفتوحة أقرب للتقرير وفرض رأي وحيد علي المتلقي لا أميل لها أبداً‮.‬
تمثل منظمات المجتمع المدني لغزا محيرا علي الساحة المصرية،‮ ‬وقد زادت الرواية الأمر‮ ‬غموضا عندما لجأ إليها البطل في النهاية‮. ‬ما رأيك في تلك المنظمات؟
الإعلام المصري جعل المصريين‮ ‬يكرهون المنظمات المدنية بعدما وصفها بالعمالة،‮ ‬وهذا كلام‮ ‬غير حقيقي علي الإطلاق وينم عن جهل قائله،‮ ‬ليسوا كذلك‮ ‬علي الأقل الآن‮ ‬،‮ ‬ربما في الستينيات والسبعينيات كانت هناك منظمات دولية تقوم بهذا الدور التآمري وخلف ستار آخر،‮ ‬لكن الآن لماذا‮ ‬يتآمرون علينا ونحن نفعل بأنفسنا ما لم‮ ‬يفعله المحتل بنا،‮ ‬أنا مع منظمات المجتمع المدني وأري ان وجودها وتشجيعها ضرورة حتمية،‮ ‬ولها فائدة كبيرة بالطبع تنعكس علي المواطن ‮ ‬بصورة سريعة وملموسة أكثر من إجراءات الحكومات البطيئة،‮ ‬لكنني علي وجه التحديد ضد المنظمات الدولية التي تتدخل في فرض تيار سياسي علي مواطني بلد ما في انتخابات أو في إظهار شعبية معينة لتيار معين أو تأليب طائفة علي أخري‮. ‬هذا أمر مرفوض عندي ولا أقبله،‮ ‬وقد حدث تحديداً‮ ‬في عام‮ ‬2011‮ ‬من منظمات أمريكية،‮ ‬وهو أمر مُجرم في كل دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا نفسها،‮ ‬بنفس العقوبة التي في القانون المصري والتي تصل للسجن‮ ‬5‮ ‬سنوات،‮ ‬لكنها عندما تحدث في الخارج نخرس هنا والعكس‮ ‬غير صحيح للأسف،‮ ‬فيما عدا ذلك أنا أؤيد فكرة وجود منظمات المجتمع المدني المصرية وأكن لها كل التقدير والاحترام وموقفي منها في قضية التمويل الأجنبي خير دليل عملي علي كلامي،‮ ‬أنا لم أتهم منظمة مصرية أو حقوقيا مصريا بأي اتهام بل دافعت عنهم وكأنني محاميهم‮. ‬
يرجع البعض التهميش والفساد إلي عجزنا علي المستوي الفردي بعيداً‮ ‬عن حجج دور الدولة الغائب،‮ ‬وأننا جميعا مسئولون بشكل أو بآخر عن أي خلل في مجتمعنا،‮ ‬ما رأيك؟
متفق مع هذا الرأي‮ ‬،‮ ‬نحن ننتقد دور الدولة‮ ‬الغائبة دوما بالفعل‮ ‬وتلك كارثة،‮ ‬لكن في المقابل نحن لا نفعل أي شئ ونساهم بسكوتنا وسلبيتنا في تفاقم المشكلة،‮ ‬وتلك هي المصيبة،‮ ‬كلنا مخطئون وأنا منهم،‮ ‬لا أحد منا مستثني،‮ ‬فنحن نتكلم أكثر مما نفعل‮.‬
أحيانا‮ ‬يكون السعي للماضي والتاريخ هروبا من حاضر مؤلم أو لا‮ ‬يستحق الاهتمام‮. ‬ما رأيك؟
مقولة صحيحة إلي حد كبير،‮ ‬أحيانا نحتاج للهروب من حاضر مؤلم،‮ ‬وأظن أن ذلك كان سببا رئيسيا في نجاح مسلسل جراند اوتيل هذا العام علي سبيل المثال،‮ ‬وربما بعض الروايات التي تدور في زمن مضي بعيدا عن هذا الزمن الردئ‮. ‬وهذا أيضا في تقديري ما سوف‮ ‬يدفع بعض الروائيين والمؤلفين والمخرجين من أنصاف الموهوبين في العام القادم لإغراق السوق بروايات ومسلسلات وأفلام عن نفس الفترة‮.‬
تصف فترة ما قبل ثورة‮ ‬يوليو بالزمن الجميل رغم أن‮ ‬غالبية الشعب المصري كان‮ ‬يعاني من المرض والفقر والجهل والقمع‮. ‬ألا تري أن مصر أكبر كثيرا من اختصارها في القاهرة بمساحتها الضيقة قبل عام‮ ‬1952‮ ‬لنعتبر أنها كانت أروع من أوروبا؟
قطعا زمن جميل ليتني عشت فيه،‮ ‬اسمحي لي أن أختلف معك تماما،‮ ‬من قال أن‮ ‬غالبية الشعب كان‮ ‬يعاني من المرض والفقر والجهل والقمع؟ تلك أكاذيب روَّجها إعلام ما بعد‮ ‬1952‮ ‬وأغلب ما قيل لم‮ ‬يكن حقيقيا،‮ ‬فغالبية ما قيل عن فاروق وعصره أكاذيب،‮ ‬حتي لو كان الملك أحمق أو فاسدا،‮ ‬هذا شخص وليس نظاما بأكمله،‮ ‬كانت لدينا حكومة وأحزاب حقيقية،‮ ‬التعليم كان أفضل مائة مرة وكان الأطباء الأجانب‮ ‬يدرسون الطب في مصر وكلية الحقوق كان‮ ‬يتخرج منها الوزراء،‮ ‬الكتَّاب والصحفيون والروائيون كانوا لا‮ ‬يقلون عن نظرائهم في أي دولة أوروبية،‮ ‬أغلب الشعب كان محترما راقيا مثقفا متحضرا،‮ ‬وموظف الدولة له هيبة ويفهم وظيفته،‮ ‬والفلاح له احترامه،‮ ‬كنا دولة حقيقية بكل مقوماتها ومجتمعا متماسكا‮. ‬
أما القمع؛ فلا‮ ‬يمكن مقارنته بما حدث بعد‮ ‬يوليو وسجون عبد الناصر،‮ ‬اذكري لي تعذيبا كان‮ ‬يحدث في سجون الملك فاروق،‮ ‬حالة واحدة فقط؟ بينما‮ ‬يمكن أن أوثق لكِ‮ ‬أكثر من خمسين ألف حالة في عهد ناصر وحده،‮ ‬عائلتي علي سبيل المثال لا الحصر؛ تعرضت للتنكيل والسجن في عهده ولم توجه لهم تهمة ولم‮ ‬يُحقَق معهم،‮ ‬من البيت للسجن للتعذيب إلي آسفين‮ ‬يا باشا في نهاية المطاف،‮ ‬وكأنهم سائق تاكسي أنزله بعيدا قليلا عن بيته،‮ ‬لا عذبوه وأهانوه هو وأولاده وإخوته ثم صادروا ممتلكاته‮!! ‬هل هذا‮ ‬يعقل؟‮ ‬
هل‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوصف هذا النظام إلا بأنه نظام دموي استبداي ديكتاتوري سلطوي متخلف؟
‮ ‬أما موضوع الجهل فيكفي أن من بث الثقافة والفنون الراقية في مصر عبر سنوات الخمسينيات والستينيات هم الذين تعلموا أيام فؤاد وفاروق،‮ ‬والحقيقة أن الجهل‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوصف به آخرون ظهروا بعد‮ ‬يوليو وتسببوا في خراب مصر بجهلهم علي مدار سنوات طويلة،‮ ‬حتي الفقر كان محدودا مثله مثل أي دولة في ظروفنا وبعدد سكانها وقتها،‮ ‬لكن في المقابل كان هناك تكافل اجتماعي حقيقي،‮ ‬أما الإقطاع فكان من الممكن تداركه وضربه في مقتل بضرائب تصاعدية علي الأملاك الكبيرة لصالح الفقراء،‮ ‬وأنا منحاز لهم وليس العكس حتي لا‮ ‬يفهم كلامي خطأ،‮ ‬ولا‮ ‬اقول ذلك لأن عائلتي أضيرت،‮ ‬لكن بعيدا عني هناك آلاف عانوا كثيرا منذ‮ ‬يوليو بدون أي سبب،‮ ‬كل سلبيات‮ ‬يوليو كانت حكومة النحاس باشا قادرة علي حلها‮ ‬1951،‮ ‬لكن الجيش كان له رأي آخر،‮ ‬وبعد إلغاء معاهدة‮ ‬1936‮ ‬كان هناك تعجيل بحريق القاهرة ومن بعدها حركة‮ ‬يوليو لإنهاء نظام الحكم الملكي والذي ساهم الملك بضعف شخصيته في التعجيل به،‮ ‬لكن في المجمل كان لدينا ذمة وضمير وإتقان للعمل،‮ ‬وقيم كثيرة للأسف تآكلت مع مرور الزمن،‮ ‬نحن نتراجع منذ ستين عاماً‮ ‬تقريباً،‮ ‬وأخيراً؛ أنا لم أختصر مصر في القاهرة علي الإطلاق،‮ ‬هذه جملة مقتطعة من سياق حديث،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن أختصر بلدي في عاصمتها فقط،‮ ‬أنا أصلا جذوري من الريف المصري بالدلتا وأعتز بذلك وأفتخر به‮.‬
تعتبر أن الرواية أكثر مصداقية من الوثائق التاريخية‮. ‬كيف وهي تخضع لوجهات النظر والإضافات الدرامية المختلفة؟ وإذا أخذنا كتابات نجيب محفوظ عن ثورة‮ ‬1919‮ ‬مثالا سنجد أن إيمانه بها كان عميقا إلي حد أنه لم‮ ‬يتحدث عن سلبياتها التي ذكرتها الوثائق مثلما تطرق إلي إيجابياتها‮.‬
الإشكالية تكمن في القراءة بعين الباحث والمدقق للروايات التي تضع التاريخ في خلفياتها،‮ ‬مثلما نقرأ رواية بمرجعية دينية أو أيدولوجية سياسية،‮ ‬هنا سنصل لنتائج خاطئة،‮ ‬لأن المقدمات لم تكن صحيحة،‮ ‬في رأيي؛ الرواية في حد ذاتها أشبه بالوثيقة،‮ ‬هذا ما كنت أقصده في حديثي عن الرواية والوثيقة،‮ ‬الرواية لها تأثير وجداني‮ ‬يفوق الوثيقة وتأثيرها قد‮ ‬يفوق ما‮ ‬يكتبه عشرات المؤرخين بوثائق،‮ ‬وفي أحيان كثيرة تنقل الروايات سيرة المهمشين والمنهزمين ورؤاهم التي لا تنقلها وثائق التاريخ،‮ ‬لأن الأخيرة‮ ‬يشرف علي إعدادها المنتصرون فقط،‮ ‬وهناك العديد من الوقائع والأحداث تجاوزها مؤرخو ثورة‮ ‬يوليو والحقبة الناصرية وما بعدها،‮ ‬فهل نسايرهم باعتبار أن التاريخ أهم؟ الحقيقة أن الأمر مختلف تماما،‮ ‬وما فعله نجيب محفوظ هو أنه تتبع رحلة الإنسان علي خلفية تاريخية،‮ ‬وهذه إحدي تقنيات كتابة الروايات التاريخية بدلا من الاعتماد علي الوثائق والحقائق الجافة،‮ ‬وقد برع محفوظ في هذا المجال،‮ ‬تكفي روايته‮ "‬الكرنك‮" ‬للتدليل علي ما أقوله،‮ ‬وهذا التكنيك في الكتابة‮ ‬في تقديري‮ ‬أفضل وأعمق ويتسق وروح الرواية كفن إبداعي،‮ ‬طالما لا نلوي عنق التاريخ أو نغير في الوقائع،‮ ‬وفي النهاية أنا لست فيلسوفا أو مؤرخا أو مفكرا،‮ ‬أنا روائي‮ ‬يكتب لإشباع هوايته لا أكثر ولا أقل‮.‬
لم تحتو رواياتك الأولي علي إسقاطات سياسية بالكم الذي تضمنته أعمالك الأخيرة‮. ‬هل‮ ‬يمكن إرجاع ذلك لتوليك منصبا سياسيا في‮ ‬2014‮ ‬كمساعد لوزير العدالة الانتقالية؟
أنا مثل‮ ‬غيري؛ تأثرت بثورة‮ ‬يناير العظيمة وبالتحولات الهائلة التي حدثت لمصر والمصريين،‮ ‬ربما كان ذلك السبب الرئيسي،‮ ‬أما منصبي؛ فالحقيقة أنني تعاملت معه بمنطق القاضي من أول‮ ‬يوم وتعاملت مع ملفات النوبة وحقوق الإنسان والأقليات وأطفال الشوارع بنفس منظور القاضي،‮ ‬وربما هذا ما عجل باستقالتي التي رحبوا بها جدا،‮ ‬قد‮ ‬يكون الخطأ مني باعتبار أنه منصب سياسي كما تقولين،‮ ‬لكني اختلفت في رؤيته وتعاملت علي أنه تكليف بتحقيق عدالة اجتماعية وانتقالية ومساواة بروح العدل،‮ ‬حاولت وأصبت أحيانا وفشلت في النهاية،‮ ‬فكانت الاستقالة والعودة للقضاء،‮ ‬لكن علي وجه القطع؛ تعلمت درسا مهما هو أنني لا أصلح لمنصب سياسي حاليا،‮ ‬أنا أري الفارق جيدا بين الأسود والأبيض في عملي ولا أحب اللون الرمادي أبدا‮.‬
علي مستوي النشر وانطلاقا من تداول رواياتك بشكل كبير علي الانترنت‮ ‬PDF ‮ ‬هل أثر ذلك علي الكاتب‮ ‬من وجهة نظرك‮ ‬سلبيا أم إيجابيا؟
الأثر مزدوج؛ إيجابي لأنه‮ ‬يزيد من قاعدة القراء وهذا أمر‮ ‬يهم كل كاتب،‮ ‬وسلبي لأنه‮ ‬يؤثر علي دخل الكاتب ويهدد صناعة النشر كلها،‮ ‬هي ببساطة سرقة ثقافية،‮ ‬لذا نختلف قليلا حول مشروعيتها،‮ ‬لكن أنا ضد تزوير الكتب مطبوعة علي طول الخط،‮ ‬ولابد من تعديل القانون لمصادرة ماكينات الطباعة،‮ ‬هذا هو الحل الناجع من وجهة نظري،‮ ‬والعودة في ذات الوقت للطبعات الاقتصادية أو الشعبية،‮ ‬هذا أمر متعارف عليه في العالم كله،‮ ‬لن نخترع العجلة،‮ ‬لكننا متكاسلون،‮ ‬نتكلم ونشكو ثم لا نذهب لأبعد من ذلك‮.‬
ماذا تكتب الآن؟
‮ ‬بدأت منذ أسابيع قليلة‮ ‬وتحديدا في أول أغسطس‮ ‬في رواية اجتماعية بحتة،‮ ‬ما زلت في مرحلة رسم الشخصيات واستكمال البحث الروائي،‮ ‬بها تعدد أصوات‮ (‬4‮)‬،‮ ‬لكنني بالطبع لم أبدأ في تدوين السرد حتي الآن،‮ ‬أمامي شهور طويلة من الإعداد للرواية ومحاولات التدوين الأولية،‮ ‬ولا‮ ‬يزال عجيبة سر الختم في مخيلتي للأسف هو وصاحبه،‮ ‬وأحياناً‮ ‬أشعر أن اختياري ربما‮ ‬يكون خاطئا وربما تكون الفكرة سرابا لن تذهب بي أكثر من عدة فصول ثم تقف،‮ ‬فحتي هذه اللحظة لا أري من الرواية بوضوح سوي فصلها الأول الذي أقدم فيه شخصيات الرواة بالتفصيل معتمدا علي وقوع حادث‮ ‬غامض في مكان تواجدهم وكل منهم‮ ‬يسرده من وجهة نظره،‮ ‬أما الباقي فلم‮ ‬يكتمل بصورة ترضيني،‮ ‬فكرة الرواية العامة عن شرائح مختلفة في المجتمع المصري وتأثير الزمن عليها وردود أفعالها حتي وصلنا إلي ما نحن عليه الآن،‮ ‬وربما هي تجيب أكثر عن سؤالك بخصوص الزمن الجميل‮. ‬لا أدري إن كنت سأستمر فيها أم لا‮. ‬بشكل عام؛ لست متعجلا ولست‮ ‬ٍملزما بموعد‮ ‬معين،‮ ‬أنا أكتب ما أريد عندما أريد‮. ‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.