أسوأ ما تكشف عنه قضية استيراد القمح وحكاية خطر »الأرجوت» هو هذا التضارب الخطير بين الوزارات المتصلة بالموضوع، وغياب جهة توحيد القرار، وبالتالي ضياع المسئولية، والدخول في أزمة بعد الأخري تستنزف جهد الدولة، وتبدد أي جهد للحكومة. بدأت الأزمة بقرار وزير الزراعة بعدم السماح باستيراد القمح إلا إذا كان خاليا تماما من خطر »الأرجوت» وأرجع ذلك إلي أن هذا الفطر سام ويهدد الصحة، وأن دخول القمح المصاب يهدد بنقل الفطر السام إلي القمح المحلي. وعلي هذا الأساس تم رفض شحنة من القمح الروسي بعد وصولها للموانئ المصرية، فكان الرد الروسي التهديد بعدم استيراد الخضر والفاكهة المصرية والتي تمثل حوالي ربع الصادرات من بعض الأنواع. وطوال الأيام الماضية تابعت حوارات صحفية وتليفزيونية حول الموضوع شارك فيها مسئولون من مختلف الوزارات المتصلة بالقضية. وكان الأمر للأسف الشديد يمثل »مسخرة» حقيقية.. المسئولون عن الزراعة يقولون ان قرارهم صحيح وأنه لا تراجع عنه ولا استسلام!! والمسئولون في وزارة الصحة يقولون إنه لا ضرر علي الاطلاق من دخول القمح وبه نسبة »أرجوت» إذا لم تتجاوز نسبة نصف الواحد في المائة المسموح به من منظمة الصحة العالمية. ومسئولو »التموين» يقولون إنهم مسئولون فقط عن تطبيق القرارات التي تصدر أيا كانت هذه القرارات. وأساتذة الجامعة المتخصصون منقسمون لأسباب لا يعلمها إلا الله. والنتيجة حتي الآن أن الغلابة من أمثالنا لا يعلمون لماذا دخل القمح بنسبة »الأرجوت» منذ 2010 ولماذا منع الآن؟ وأين الحقيقة في كل ما يقال؟ وهل كان علينا أن ننتظر أن تتخذ روسيا قرارها ضد استيراد الخضر والفاكهة المصرية لنبدأ النقاش حول الموضوع.. أم أن هذا النقاش كان لابد منه قبل اتخاذ القرار، وبمشاركة كل الوزارات المعنية، وبموقف موحد للحكومة يلتزم به الجميع؟ وهل يمكن بمثل هذا الأسلوب أن ندير قضايا السلع الأساسية، بدلا من التفرغ لضرب الفساد والاحتكارات التي تستشري في هذا الملف؟! اسئلة لا تجد إجابة. والأخطر ان الإدارة ب»الجزر المنعزلة» لا تقتصر علي هذه القضية. انها حالة عامة سوف نجدها في كل القضايا.. بدءا من مشاكل التعليم إلي أزمة الدولار، ومن لبن الأطفال إلي الضرائب!! الخلاف في الرأي شيء.. وغياب القرار الواحد والحاسم في القضايا الأساسية شيء آخر تماما!!