ثار في الآونة الأخيرة جدل حول استيراد مصر للقمح وهل يمكن استيراد قمح به إصابة بفطر الإرجوت لا تزيد عن نسبة محددة أم قصر الاستيراد علي قمح غير مصاب إطلاقا بفطر الأرجوت؟ ويستند أصحاب الرأي الأول علي أن القمح المستورد يستخدم فقط للاستهلاك الآدمي وليس للزراعة. ونظراً لأن دستور الغذاء العالمي (الكودكس) يقضي بأن القمح المصاب بفطر الأرجوت بنسبة لا تزيد علي 0.05 % يصلح للاستهلاك الآدمي وغير ضار بصحة الإنسان. بينما يستند أصحاب الرأي الثاني علي أن منظمة الصحة النباتية العالمية تعطي الدول الحق في حظر استيراد القمح المصاب بأي نسبة من فطر الإرجوت وقصر الاستيراد علي القمح الخالي تماماً من فطر الإرجوت ( صفر إرجوت ) إذا كان ذلك في صالح الحفاظ علي القمح المزروع محلياً. ويقضي قانون الحجر الزراعي المصري بعدم استيراد أية منتجات زراعية نباتية مصابة بأية فطريات أو أمراض غير متواجدة في مصر. ونظراً لأن مصر خالية تماماً من فطر الإرجوت فقد انتهي الحجر الزراعي المصري إلي حظر استيراد القمح المصاب بأي نسبة من فطر الإرجوت واشترط أن يكون القمح المستورد خالياً تماماً من فطر الإرجوت ( صفر إرجوت ). ومن المعروف أن قرارات الحجر الزراعي تعتبر قرارات سيادية. هذا بالإضافة إلي أن الدراسات العلمية والفنية التي أجرتها الجهات المتخصصة بمركز البحوث الزراعية ( قسم القمح بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، قسم أمراض القمح بمعهد بحوث أمراض النباتات، مركز معلومات تغير المناخ والطاقة المتجددة ) قد أيدت رأي الحجر الزراعي المصري. وليس هذا الأمر بجديد أو تطبقه مصر دون غيرها من الدول. فالاتحاد الأوروبي وجميع دوله علي سبيل المثال تشترط عند استيراد البطاطس المصرية والمنتجة من تقاوي مستوردة من أوروبا أن تكون البطاطس هذه خالية تماماً من مرض العفن البني وذلك رغم أن مرض العفن البني غير ضار بصحة الإنسان وإذا حدث أن اكتشف الاتحاد الأوروبي في أي موسم خمس حالات إصابة في البطاطس المصرية المصدرة إلي أوربا بمرض العفن البني يتم حظر استيراد البطاطس من مصر تماماً طوال الموسم. كما يشترط الاتحاد الأوروبي زراعة البطاطس في مصر في مناطق خالية من العفن البني حتي يمكن لأوروبا استيرادها. كل ذلك بسبب الخوف من تسرب مرض العفن البني بطريقة أم بأخري إلي التربة الزراعية في أوروبا مما قد يتسبب في إصابة البطاطس الأوروبية بمرض العفن البني. وبالتالي فمن حق مصر حظر استيراد أية أقماح بها أي نسبة إصابة بفطر الإرجوت وقصر الاستيراد علي الأقماح الخالية تماماً من فطر الإرجوت ( صفر إجوت ). وجدير بالذكر أن هناك دولا منتجة للقمح الخالي من فطر الإرجوت. كما أن الدول التي بها فطر الإرجوت يمكن زراعة قمح التصدير بها في مناطق خالية من فطر الأرجوت كما هو الحال في البطاطس المصرية. ومن الطبيعي أن يكون سعر القمح الخالي تماماً من فطر الإرجوت أعلي سعراً من القمح المصاب بفطر الإرجوت إلا أن ذلك لا يبرر استيراد قمح مصاب بفطر الإرجوت لأن هذا القمح قد يتسرب بطريقه أم بأخري إلي التربة الزراعية المصرية مما قد يتسبب في إصابة القمح المصري بهذا الفطر وقد يمتد إلي محاصيل مصرية أخري من العائلة النجيلية ويصبح الفطر بعد ذلك متوطناً في مصر. ومن الجدير بالذكر أن مصر رغم أنها اكبر مستورد للقمح في العالم فإنها لم تجد صعوبة في استيراد القمح الخالي تماماً من فطر الإرجوت طيلة السنوات الماضية. ورغم أن دستور الغذاء العالمي ( الكودكس) يقضي بأن القمح المصاب بفطر الإرجوت بنسبة لا تزيد عن0.05 % يصلح للاستهلاك الآدمي وغير ضار بصحة الإنسان إلا أنه تجدر الإشارة إلي أن متوسط استهلاك الفرد من القمح في مصر ( كغيرها من الدول النامية) يعتبر عاليا حيث يقدر بحوالي 180 كجم في السنة بالمقارنة بمتوسط الاستهلاك العالمي للفرد من القمح والذي يقدر بحوالي 75 كجم فقط في السنة وذلك نظراً لانخفاض مستوي الدخول في مصر واعتماد الفئات المحدودة الدخل في غذائهم أساساً علي الأغذية المالئة والنشوية وخاصة الخبز في حين يعتمد السكان في الدول المتقدمة في غذائهم أساساً علي الأغذية الأكثر حرارية وتنوعاً كالخضر والفاكهة والبروتين الحيواني.وبالتالي فقد تكون حساسية صحة الإنسان المصري لفطر الإرجوت أكثر منها في الدول المتقدمة. كما أن استيراد الغذاء لا يجب أن ينظر إليه فقط من وجهه نظر أثره علي الصحة العامة وإنما أيضاً من وجهة نظر أثره علي الصحة النباتية وكذلك علي البيئة وبالتالي فإن مسئولية استيراد الغذاء تعتبر مسئولية تضامنية لوزارات الزراعة والصحة والتموين والتجارة والصناعة والبيئة.