سفير سنغافورة: نعد عناصر قيادية قادرة على بناء المستقبل وتمكين المرأة    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    رئيس الوزراء يُوجه بالاستعداد الكامل لإجازة عيد الأضحى    محافظ بني سويف يستمع لمشاكل أهالي قرية بني هانئ في ملفات الصرف والشباب والرياضة والصحة    البنك المركزي النيوزيلاندي يخفض الفائدة 25 نقطة أساس للمرة الثانية    الأمم المتحدة: صور توزيع المساعدات من النقاط الإسرائيلية "مفجعة"    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب في زيارة ثنائية    إندونيسيا مستعدة لإقامة علاقات مع إسرائيل حال اعترافها بفلسطين    الاتحاد الأوروبي يدين اعتداءات المستعمرين في الضفة والقدس ويطلب بعدم تسييس وعسكرة المساعدات الإنسانية    مصادر تكشف عن محادثات سرية مباشرة بين إسرائيل وسوريا لاحتواء التوتر على الحدود    تشكيل بيراميدز المتوقع ضد سيراميكا بالمواجهة الحاسمة في الدوري    ليلة الحسم.. مواعيد مباريات اليوم في الدوري المصري    تقارير أمريكية تكشف إمكانية انضمام رونالدو للأهلي    عبد الله الشحات: بيراميدز كان يستحق الدعم من رابطة الأندية وتأجيل لقاء سيراميكا.. وهذا سبب تقديمي شكوى ضد الإسماعيلي    علي فرج: قلبي مع فلسطين.. لن نسمح أن يكون الصمت جزءا من التواطؤ    بايرن ميونخ دون صفقات قبل كأس العالم للأندية    بعد إعلان تطبيقه العام الجديد.. ما هو البوكليت التعليمي وأهم مميزاته؟ خبير تربوي يوضح    أمين الأعلى للثقافة: المجلس المسئول عن وضع السياسة الثقافية للدولة المصرية    وفاة الفنانة المغربية نعيمة بوحمالة وسعد لمجرد ينعيها: ستظل خالدة في الذاكرة    الشركة المتحدة تفوز بجائزة أفضل شركة إنتاج بحفل جوائز قمة الإبداع    وفاة «تيتة نوال» تشعل مواقع التواصل الاجتماعي.. تعرف على أبرز المعلومات عن جدة الفنانة وئام مجدي    دار الإفتاء توضح أفضل الأعمال في أيام العشر من ذي الحجة.. ذكرٌ وصيامٌ وتهليل وأضحية    دار الإفتاء: التصوير سيلفي مع المتوفى أو المحتضر "حرام شرعًا" ويخالف الأخلاق والقيم الإنسانية    الصحة تنظم يوما علميا بمناسبة اليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد لتعزيز الوعي المجتمعي    «تمريض بني سويف» تستقبل لجنة الدعم الفني بمركز ضمان الجودة    ضبط 54 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    البليهي يرحب بالرحيل عن الهلال    قبل مواجهات حسم الدوري.. كواليس تحركات فريق بيراميدز فى المحكمة الرياضية الدولية    زيلينسكي يقترح عقد اجتماع ثلاثي مع ترامب وبوتين    الحوثيون: إسرائيل شنت 4 غارات على مطار صنعاء    محافظ المنوفية: تحرير 314 محضر مخالفات مخابز وأسواق وضبط 4 أطنان مواد غذائية    "أدهم ضحية بلا ذنب".. مقتل بائع متجول تصادف مروره قرب مشاجرة بسوهاج    إعادة فتح باب تلقي طلبات توفيق الأوضاع بمنطقة الحزام الأخضر ب 6 أكتوبر    نائب وزير الإسكان يتابع مشروع إنشاء محطة مياه منشأة القناطر    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    15 شهيدا وسط تصاعد استهداف الاحتلال لمراكز توزيع المساعدات فى غزة    هل نجح فيلم نجوم الساحل في تحقيق إيرادات قوية.. شباك التذاكر يجيب؟    جامعة القاهرة تحتفل بتخريج دفعة جديدة من كلية حقوق السوربون ( صور)    سعر الدولار اليوم الأربعاء 28-5-2025 أمام الجنيه المصرى فى منتصف التعاملات    60 نصيحة من دار الإفتاء لاغتنام أكبر ثواب فى العشر الأوائل من ذى الحجة    أول أيام ذي الحجة 2025.. كيف نستعد؟    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    عبد الغفار يبحث مع وزير التجارة السويدي فرص الاستثمار في القطاع الصحي ودعم الجرحى الفلسطينيين    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    طريقة عمل قرع العسل، تحلية لذيذة بخطوات بسيطة    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    لطلاب الثانوية العامة.. رقم الجلوس ولجنة الامتحان متاحة الآن عبر هذا الرابط    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في انقلاب ميكروباص بأسيوط    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    مصر وتشاد تبحثان مستجدات إقامة مشروع متكامل لمنتجات اللحوم والألبان    بكام طن الشعير؟ أسعار الأرز اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 في أسواق الشرقية    محامي نوال الدجوي يروي تفاصيل محاولة الحجر على موكلته وطلب حفيدها الراحل الصلح    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    حزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء يبحث خطة العمل بأمانة التعليم (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورثة تالستوي أو الأدب الروسي الجديد

إذا كانت أجمل المداخل،‮ ‬إلي الحياة والكتابة،‮ ‬هي تلك التي تبدأ حلماً،‮ ‬فإن كتاب الكاتب والمترجم أحمد صلاح الدين‮: "‬ورثة تالستوي علي جسر كوزنيتسكي‮" ‬كتاب بدأ حلماً،‮ ‬أو من الحلم،‮ ‬وما لبث هذا الحلم أن تمثّل واقعاً،‮ ‬خالقاً‮ ‬الألفة بين‮ "‬الذات الكاتبة‮" ‬و"المكان‮"‬،‮ ‬حتي صار الاعجاب‮ "‬بالمكان عشقاً‮" ‬وهو ما‮ ‬يقوله الكاتب في كتابه هذا الذي وجدتُ‮ ‬فيه،‮ ‬وأنا أقرؤه،‮ ‬كتاباً‮ ‬غير تقليدي في تاريخ الأدب المعاصر‮:‬
فمن الافتتان بالمشاهد،‮ ‬إلي الألفة مع ما لهذا المكان من حياة عاشها الكاتب،‮ ‬أو لامسها،‮ ‬ونقلها شعوراً‮ ‬وإحساساً‮..‬
إلي البحث عن الثقافة متمثلة بأسماء وأعمال‮ ‬يجد أحمد صلاح الدين أن لها دورها في تشكيل الوعي وبنائه مجتمعياً‮...‬
‮ ‬يجدها مع ما‮ ‬يجد في شارع‮ ‬يتواصل مع هذا كلّه‮.. ‬وهي ثقافة تمتد‮ "‬علي نحو أفقي مركّب‮".‬
ولكن صلاح الدين لا‮ ‬يمرّ‮ ‬بهذا مرور السارد لوقائعه فحسب من خلال قطعه المترجمة،‮ ‬وإنما نجده‮ ‬يداخل الحالة بين‮ "‬السرد‮" ‬و"النقد‮"‬،‮ ‬متناولاً‮ ‬في الكتاب المواقف المتنوعة،‮ ‬ومتابعاً‮ ‬المسارات والمضامين‮. ‬فهو هنا مع‮ "‬حركة‮"‬،‮ ‬وللحركة تشكّل وتطور وتبدّل‮ ‬يخلق التعبير عنها،‮ ‬ويُميزه بما له من لغة أدبية التكوين‮.‬
هذا الكتاب ليس ككل الكتب التي أرخت للأدب الروسي فوقفت عند الأسماء التاريخية فيه،‮ ‬وإنما هو عملية تجاوز لذلك التاريخ إلي ما بعده،‮ ‬في ما ظهر من أسماء‮ ‬يجدها صلاح الدين قد‮ "‬أعادت‮ ‬الأدب الروسي مرة أخري إلي حلبة الابداع العالمي‮".. ‬فهو‮ ‬يجد‮ "‬ورثة تالستوي‮" ‬ورثة حقيقيين‮ "‬من جيل المعاصرين‮"‬،‮ ‬أبناءً‮ ‬وأحفاداً،‮ ‬منزلاً‮ ‬إياه منزلة‮ "‬الأب الروحي‮" ‬في الأدب الروسي في ما كان له من كلمات تركت صديً‮ ‬يتردد في نفسه ورأسه،‮ ‬أو بما اتخذ من سلوك مؤثر كان فيه منسجماً‮ ‬مع ما‮ ‬يقول به أو‮ ‬يدعو إليه،‮ ‬ويراه‮. ‬فهو‮ "‬صاحب رؤية وفلسفة تقوم علي إعادة تعريف الانسان بمفهوم جديد‮"(‬ص18‮)‬،‮ ‬إذ كان،‮ ‬هو نفسه،‮ ‬قد اعتبر‮ "‬الحقيقة‮" ‬بطله في ما كتب من أعمال روائية متميزة،‮ ‬إلي جانب ما‮ ‬يراه أحمد من أن هذه الحقيقة هي‮ "‬المفتاح لعالم تالستوي الابداعي‮."(‬ص20‮)‬
وقبل صلاح الدين كان الاعجاب بتالستوي قد صدر عن الشيخ محمد عبده‮ ( ‬1849‮ ‬‮ ‬1905‮) ‬الذي وصفه تالستوي بالرجل المتنوِّر‮. ‬فهو وإن لم‮ ‬يعرفه معرفة شخصية فإنه،‮ ‬كما‮ ‬يقول في رسالة بعث بها إليه،‮ ‬تعارف بروحه،‮ ‬وسطع عليه نور من أفكاره‮ (‬ص12‮)‬،‮ ‬ورأي أنه بقوله كان‮ "‬هادياً‮ ‬للعقول‮"‬،‮ ‬كما كان بعمله‮ "‬حاثّاً‮ ‬للعزائم والهمم‮."(‬ص22‮)‬
ومن هناك‮ ‬يتابع الكاتب والمترجم مسيرة الأدب الروسي من خلال العلاقات الثقافية التي ربطت أسماءه بعضها إلي بعض‮. ‬فكما أدرك‮ "‬تشيخوف‮" ‬في‮ "‬جوركي‮" ‬يوم التقاه‮ "‬أنه أمام موهبة كبيرة‮"‬،‮ ‬وجد جوركي في تشيخوف إنساناً‮ "‬يتمتع بهذا القدر من التعفف والحرية‮."(‬ص29‮)‬
وينعطف بعدها الكتاب نحو الأصوات المعارضة في الأدب الروسي‮ ‬السوفيتي،‮ ‬راصداً‮ ‬أثر ذلك في ما أنتجته تلك الحقبة‮: ‬فإذا كان القرن التاسع عشر‮ "‬العصر الذهبي لهذا الأدب‮" ‬سيكون القرن العشرون‮ "‬العصر الفضي‮". ‬أما أدب ما بعد ثورة أكتوبر‮ (‬1917‮) ‬فهو‮ "‬الأدب المحاصر‮" ‬الذي شهد،‮ ‬إلي جانب السجون والتصفيات الجسدية،‮ ‬فرار عديد الأدباء الي خارج روسيا،‮ ‬لينال أدبهم تسمية‮: "‬أدب المهجر‮".‬
وإلي جانب ما‮ ‬يستعيده الكتاب من مواقف تاريخية ربما لم‮ ‬يُدوّن التاريخ حقائقها الصغيرة كما قدمها كتاب‮ "‬ورثة تالستوي‮"‬،‮ ‬نجده‮ ‬يُعني بما‮ ‬يعتمد فيه المشاهدة الشخصية من قبله،‮ ‬متحرياً‮ ‬التفاصيل المتعلقة بها،‮ ‬بما‮ ‬يُغني القاريء بالمعرفة التفصيلية لطبيعة المرحلة‮. ‬ولعل ما‮ ‬يستوقف القاريء المتابع للكاتب،‮ ‬في ما‮ ‬يقرأ له في هذا المجال،‮ ‬يتمثّل في ما رصد من ظواهر،‮ ‬وعيَّن من حالات‮ ‬يجد لها أثرها في بناء الرؤية الأدبية الجديدة عند الكتاب الروس‮. ‬فإذا ما بلغ‮ ‬مع هذه المتابعة الأعمال الشعرية والقصصية،‮ ‬أو الروائية،‮ ‬وجدناه‮ ‬يستقصي ما فيها من منابع الوعي المكوّن لها،‮ ‬ليربط الأحداث والوقائع بالأشخاص،‮ ‬راصداً‮ ‬الكثير مما‮ ‬يحفّ‮ ‬بها من تفاصيل تشكل إغناءً‮ ‬للمشهد الذي‮ ‬يعمد لتكوينه من خلال إعادة تشكيله‮. ‬فنظرته النقدية،‮ ‬التي تُداخل هذا كلّه،‮ ‬تعتمد القراءة القائمة علي بُعدين‮: ‬ثقافي‮ ‬يتصل بالبنية الذهنية المنتجة للعمل الأدبي بما لها من تكوينات‮.. ‬ومجتمعي‮ ‬يُوجّه نظره في العمل الذي‮ ‬يقرأ في ضوء عوامل المحيط ومؤثراته علي الكاتب،‮ ‬بما في ذلك الحالات الاجتماعية والسياسية وما لها من انعكاسات علي العمل الأدبي،‮ ‬بما في ذلك رؤية الكاتب للعالم‮.‬
وهناك ما لا‮ ‬يعرفه كثيرون مما‮ ‬يتعلق ب"جيل جديد من الكتاب الروس‮" ‬في القرن الحادي والعشرين،‮ ‬وهو،‮ ‬بحسب ما عرضه أحمد في الكتاب،‮ ‬جيل‮ "‬يختلف كلياً‮ ‬عن نثر ما بعد الحداثة‮"‬،‮ ‬ما‮ "‬دفع النقاد للكلام علي الواقعية الجديدة التي دشنها الشباب‮" ‬وهم‮ "‬يكتبون عن الحياة اليومية‮"(‬ص59‮) ‬التي‮ ‬يعيشون ويمارسون وجودهم كتّاباً‮ ‬فيها‮.‬
ولكن،‮ ‬في مقابل هذا،‮ ‬تحوّل الروس من أمة تقرأ إلي‮ "‬التراجع في القراءة‮"(‬ص63‮)‬،‮ ‬ولكل من الحالتين أسبابها التي‮ ‬يأتي عليها الكاتب فيوثقها بما لها من معلومات حيّة تُغني رؤية القاريء المتابع بتفاصيلها‮.‬
في هذا‮ "‬المشهد المتراجع‮" ‬تبرز أسماء جديدة بابداعها،‮ ‬فيُعرّف بها أحمد بما‮ ‬يجعل من صورتها صورة واضحة التفاصيل،‮ ‬واضعاً‮ ‬كلاً‮ ‬منها في منزلته الأدبية التي‮ ‬يحاول من خلالها تدارك التراجع الحاصل،‮ ‬فنقرأ،‮ ‬من بين ما نقرأ،‮ ‬عن الروائي‮ "‬ساروكين‮" ‬المهموم بحرية الرأي،‮ ‬وعن‮ "‬فيكتور بليفين‮" ‬الذي وجد من‮ ‬يري فيه‮ "‬قاص هذا الزمان‮"‬،‮ ‬وعن‮ "‬فلاديمير شاروف‮" ‬الذي كتب رواية تحمل عنوان‮: "‬العودة إلي مصر‮".. ‬إلي جانب أسماء أخري‮ ‬يحفل بها المشهد الروائي الروسي اليوم،‮ ‬ومن بينها من‮ ‬يُقابله أحمد صلاح الدين فيسأله بشكل مباشر،‮ ‬وينقل ما‮ ‬يقول جواباً‮.‬
وفي هذا السياق نجد الكاتب‮ ‬يذهب إلي أن‮ "‬بيريسترويكا جارباتشوف‮" ‬كان لها‮ "‬تأثير عظيم علي الحركة الأدبية في روسيا‮"‬،‮ ‬مؤكداً‮ ‬أنها‮ "‬خلقت مساحات متسعة من الحرية سمحت بتواجد العديد من الأصوات الأدبية التي أثرت في الانتاج الأدبي الروسي‮"(‬ص139‮)‬،‮ ‬ماراً‮ ‬بعديد الأسماء التي‮ ‬ينسب إليها تحقيق ذلك‮.‬
وفي الآخر‮ ‬يأخذنا مع‮ "‬ابداعات ورثة تالستوي‮"‬،‮ ‬متوقفاً‮ ‬بنا عند نماذج شعرية،‮ ‬وقصصية،‮ ‬وتمحورات روائية،‮ ‬يصلنا من خلالها بأسماء‮ ‬يجد لها حضورها وأهميتها في حاضر الأدب الروسي‮...‬
وفي هذا كلّه،‮ ‬ومعه،‮ ‬نجد أنفسنا مع كتاب جديد في ما‮ ‬يُقدّم‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.