لم تهتم وزارة الداخلية طيلة العهد البائد سوي بالأمن السياسي.. كانت قيادات ورجال الوزير السابق حبيب العادلي لا تري إلا أمن النظام.. أمن الرئيس السابق.. أمن زوجته وأولادة وحاشيتة الذين نهبوا ثروات ومقدرات مصر.. وكنا نحن صغار الضباط مجرد أدوات أو عرائس متحركة تتدلي من حبال رفيعة يحركها حبيب العادلي في الاتجاة الذي يحلو له وكان دائما هذا الاتجاه هو اتجاه الأمن السياسي.. لقد كان الضباط دائما في صراع نفسي وعذاب مستمر وأفكار متضاربة بين القيم السامية والمعاني الرفيعة التي تعلموها في كلية الشرطة وبين وجودهم في مسرح عرائس العادلي وشتان الفارق!! دعونا نعترف وبصراحة أن غلاظة الأسلوب وقسوة المشاعر التي كان يستشعرها المواطن البسيط مع ضابط الشرطة لم تكن سوي وليدة أعراف وعادات ديكتاتورية قديمة منذ أن كانت كلية الشرطة هي مدرسة البوليس!!.. وتفاقمت هذه الاعراف في حدتها وسلطانها وجبروتها في عهد وزير الصدفة السابق حبيب العادلي حتي كاد مبدأ المواطنة يفقد مضمونة وهويتة في ذهن ووجدان المواطن العادي الذي كان دائماً يري ضابط الشرطة وكأنه لا ينتمي إلي نسيج هذا الوطن!!.. كان المواطن البسيط يري ضابط الشرطة وكأنه من أحفاد أسرة محمد علي فينادية بلقب الباشا ويتوجس منه خيفة ويخشي حتي الاحتكاك به!... لقد ظل البوليس السياسي هو الحاكم بأمرة طيلة العهد الملكي وحتي بعد قيام ثورة يوليو عام 25 ثم استفحل مع بداية الثمانينات ثم تسيد المشهد السياسي في مصر في عصر مبارك!. وقامت ثورة التحرير المجيدة وكان نصيب الأمن منها هو الأفظع والأشد وطأة ليس فقط بسبب سياسة العادلي ورجالة التي أراقت دماء الشهداء الأبرار ولكن أيضا بسبب سياسة الدولة البوليسية التي لم تستح حتي في ان تقنن ولاءها السياسي للنظام فراحت تؤازرة وتدافع عن سياسته وتحيد الأقلام الشريفة وتكتم الحريات وتزور إرادة الشعب وتتباهي باستعراض العضلات علي حساب المواطن المسكين الذي لم يجد دائما قوت يومة... واقولها وبصراحة ان النظم السياسية التي تعاقبت علي مصر هي التي أورثت وصدرت لشعب مصر هذا الفكر وهذا الإحساس تجاه رجال الشرطة.. إن هذه النظم هي التي أشعرت المواطنين أن الشرطة هي اليد التي يبطش بها النظام وليست هي اليد الحانية الأمينة علي حقوق وحريات المواطنين.. ان هذه النظم هي التي استخدمت الشرطة وحصرت دورها في الأمن السياسي فقط من أجل خدمة مصالحها وتحقيق أهدافها واستمرارية بقائها علي عرش مصر.. وبعد القرار التاريخي للواء منصور عيسوي بحل جهاز أمن الدولة فقد انتهت حقبة البوليس السياسي في مصر الذي صال وجال في الأرض فسادا وظلما وبهتانآ.. وحتي يعلم الجميع فإن غالبية ضباط الشرطة كانوا في عصر مبارك مجرد أدوات أو عرائس متحركة لا تملك من أمرها شيئاً!.. وأري أن اللواء عيسوي لن يسمح باستمرار العروض الهذيلة التي كان يقدمها مسرح العادلي والتي كانت تنصب دائماً في إضفاء اللذة والمتعة والرفاهية علي الحاكم وحاشيتة.