الثلاثاء: اتصل بي صديق اسباني عزيز، اختار مراكش موقعا لاقامته، سألني عما اذا كانت الاخبار القائلة بنزول سبعة عشر مليونا من البشر إلي الشارع صحيحة؟، قلت ان العدد يتجاوز ذلك بكثير، يقدره البعض بثلاثة وثلاثين مليونا، واقدره باكثر من خمسين، هناك مظاهرات صغيرة بين العمارات والشوارع، خاصة في الاماكن القصية وتلك لم تعرف طريقها إلي التحرير ولم تدخل في احصاء، قلت انني اقدر الذين خرجوا إلي الشوارع بخمسين مليونا علي الاقل، قال صاحبي عبر الهاتف انه سيأخذ بأقل التقديرات سبعة عشر مليونا، هل تعرف ماذا يعني ذلك؟، واصل حديثه، هذا يعني ان الشعب المصري قام بأعظم مسيرة في التاريخ، هذا حدث يشارف الاسطورة، عندما قام ماوتسي تونج بالمسيرة الكبري التي عبر فيها الصين سيرا علي الاقدام وانتهت الصين عام 1949، هذه المسيرة تكونت من مليون انسان واعتبرت من أهم المسيرات الشعبية في التاريخ، الشعب المصري قام بتلك المسيرة الاسطورية ضد الحكم الاخواني، هذا الموقف الجمعي نادر جدا في حركة المصريين، لم تخرج هذه الجموع لنقص البنزين أو السولار، أو الظروف الاقتصادية الحادة، يمكن الاجابة بالنفي، إذ عرف المصريون ظروفا أصعب في تاريخهم، وقعت مجاعات كانت مرتبطة بفيضان النيل ونقص المياه، لكن لم يلجأ أحدهم إلي رفض الحاكم بمثل هذه الحدة التي تجسدت عبر الاسبوعين الماضيين، إذن لماذا الاجماع الصارم علي رفض الحكم الاخواني؟، هنا يجب فهم مضمون الشروط التي يثور فيها الشعب؟، تؤكد لنا أحداث التاريخ ان المصريين يصبرون طويلا ويتحملون الظروف كثيرا، لكنهم اذا اهينوا فانهم ينتفضون إلي اقصي حد. ولا يعودون إلي ما كانوا عليه، بل يقدمون علي اقصي درجات العنف في مواجهة من اهانهم، هنا يجب مراجعة العلاقة بين جماعة الاخوان والشعب المصري، لقد اطلقت علي حكمهم احتلالا، وتعجب كثيرون من الوصف، الاحتلال في جوهره اخراج الامور عن سياقها، وهذا ما جري مع الاخوان، الذين حكموا لصالح الجماعة وليس الشعب. والادهي لصالح التنظيم الدولي للاخوان الذي يضم أجانب، انفصال الاخوان عن الشعب والتعالي المبالغ فيه علي الناس، حتي ان قادة هذه الجماعة مارسوا السلطة في اقصي مداها بدون ان يتحدث احدهم إلي الشعب الذي يحكمه، لكن الاخطر هو محاولة فرض ثقافة مختلفة علي المصريين، المصريون متحضرون بطبعهم وتكوينهم، يقبلون الاخر المختلف. يحترمون الانسان والحيوان وسائر المخلوقات، يؤمنون بالعدل والقيم الرفيعة التي اسهموا في ارسائها، تميل مواقفهم إلي الوسطية في كل شيء والنأي عن الحدة، هذه القيم ضد ما يبديه الاخوان نظريا وعمليا. مارس الاخوان توزيعا للغنائم، الاستيلاء علي المناصب من المتوسطة إلي العليا وتم ذلك بدأب وسرعة فيما عرف بالتمكين، ممارسة التعالي الشديد علي الناس، وبنفس اساليب النظام السابق، ولنا فيما جري في الصحافة أسوة ومثالا، وسوف أفرد يوما الحديث للتفاصيل التي عانيناها والتي مررنا بها جميعا خاصة مع تصرفات الصغار من زملاء المهنة والذين تولوا مواقع فضفاضة بالنسبة إليهم بقصد تدمير المؤسسات الكبري، اما التحكم عن قرب وبعد فكان يقوم به شخص يمتلئ بالغل والحقد علي الصحافة والصحفيين، ولولا وجود عناصر تحمل قيم المهنة وتنتمي إلي العناصر النقية الحقيقية. واخص هنا بالذكر الاستاذ محمد حسن البنا رئيس تحرير الاخبار لكنت غادرت المهنة منذ زمن طويل، لهذا حديث مفصل، وما تعرضت له الصحافة المصرية يجب الا يفلت بدون حساب،انه يمثل نموذجا مصغرا لما جري لمصر كلها. الاهانة، محاولة فرض ثقافة غريبة علي المصريين، سببان رئيسيان لخروج المصريين الصارم والذي لن يسمح بعودة الوضع إلي ما كان عليه خلال هذا العام الاسوأ في الزمن الماضي من تاريخنا. فجرا.. عاد محمد ابني من ميدان التحرير، طوال الليل بعد عودتي أواظب علي الاتصال به أصغيت إلي التفاصيل المبهرة، عناق السماء والارض عبر العروض الجوية المبهرة لسلاح الجو، والمتظاهرين، عن توحد الشعب بكافة طبقاته، لا فرق بين غني أو فقير، عن روح الدعابة التي لا تخفت ابدا عن أن الشرعية الوطنية التي تأسست، عن حركة الطواف داخل الميدان. طلبت منه تدوين ملاحظاته الهامة، كان ضوء النهار يبدو دليلا علي انقضاء الليل، كنت آمل ان انام ولو ساعتين، امامي كتابة اليوميات وعمود عبور، وهذا يعني جلوسي إلي المكتب حوالي ست ساعات علي فترتين، للكتابة وقت الازمات ظروف خاصة، قبل بدء محاولتي النوم ادرت المذياع لسماع نشرات الاخبار، فوجئت بما جري امام دار الحرس الجمهوري، التفاصيل تقول إن المؤامرة تتجسد بكل تفاصيلها، طار النوم من عيني، استيقظت تماما، لجأت إلي التليفزيون بكل انواعه، هنا يجب الاشارة إلي المصداقية التي بدأت تعود إلي القنوات المصرية بعد التخلص من الاخواني صلاح عبدالمقصود، هناك جهد يبذل، اما الجزيرة بقنواتها خاصة الانجليزية الموجهة إلي العالم فتمارس دعارة اعلامية لا علاقة لها بالمهنة، واضح ان نفس السياسة مستمرة مع الامير الابن، وازاء التخريب المتعمد الذي تقوم به هذه القنوات يجب اتخاذ موقف فيما يتعلق بالعلاقات نفسها، وقد سبق طرد قطر من ليبيا لما مارسته من تخريب، لقد ذكر التفاصيل بصراحة الدبلوماسي الليبي البارز عبدالرحمن شلجم وزير خارجية ليبيا ورئيس الوفد الليبي في الأمم المتحدة لسنوات، و أحد الذين لعبوا دورا اسياسيا في الثورة الليبية، وقد عرضت له في هذه اليوميات، اتخاذ موقف صارم من النظام القطري ومن حماس التي تحتل غزة قسرا يجب ان يعلن فورا، والدولة المصرية قادرة علي رد الصاع صاعين، إن سكوتنا سوف يشجع العناصر الارهابية في سيناء، وسيجعل الجزيرة تتمادي في دورها الحقير الذي لعب دورا في وصول الامور بسوريا إلي ما وصلت إليه، وعلي الجميع ان يتذكروا ان مصر ليست سوريا، اما عن المصالحة مع الافراد المعتصمين في رابعة العداوية، عن أي اعتصام تتحدث، هل تجري المصالحة مع الارهابيين محمد البلتاجي الذي يتحدث علنا عن العمليات الارهابية في سيناء وارتباطها بعودة مرسي، أم صفوت حجازي الذي يهدد بعمليات عسكرية خطيرة؟، أم عاصم عبدالماجد الذي يري رؤوسا قد أينعت، هناك نفر مضلل، وبالتحديد من شباب الاخوان، لا مانع من انصرافهم فورا، لكن كل من أسهم في الهجوم علي الابرياء من ضباط وجنود الجيش أو المدنيين، فلابد من قصاص، إذا عرف العالم حقيقة الاعتصام الذي يضم ارهابيين قتلة فسوف يتغير الوضع تماما، هل يتخيل أحد في الولايات المتحدة اعتصاما في التايم سكوبر يضم قتلة وارهابيين، ويتخلله هجمات علي معسكرات الجيش الامريكي؟ الحسم العاقل يجب ان ينهي هذا الوضع الشاذ في رابعة بمدينة نصر أو اي موقع آخر، للمظاهرات أصول وضوابط، اما مشاريع الحروب الاهلية فلها اساليب مواجهة لم نر منها شيئا حتي الآن. من ذاكرة الكتابة الاحتلال الإخواني قرأت ما اعلنه الدكتور سعد الدين ابراهيم في المصري اليوم أول أمس عن ميلاد جبهة انقاذ مصر من الاخوان بارتياح ولذلك اسباب عديدة، أولها ادراك حقيقة ما يجري في مصر منذ دخول جماعة الاخوان الانتهازي في مسار الثورة بعد بدايتها واستمرارها لمدة خمسة ايام، ثم دورهم الغامض في معركة الجمل وفي معارك التحرير والتي سيكشف عنها التاريخ اذا لم تزور الوثائق والادلة، لقد بدأ نفر من النخبة المصرية، سياسيين ومثقفين يدركون حقيقة الموقف الحالي والخطر الذي يتعرض له الوطن مع تمكن جماعة الاخوان من حكم مصر ومحاولة احكام قبضتها علي البلد العريق الذي أسس للحضارة الانسانية، رغم كل الدعاوي والمظاهر الخادعة منذ تأسيس جماعة الاخوان عام 1928، هذا التأسيس الذي تحيط به الشكوك القومية ولكن من الثابت أن الاستعمار البريطاني له دور اساسي في تأسيس هذه الجماعة التي ظهرت عقب انتصار الثورة العظمي في 1919 لاجهاض دور الشعب وتحويل القضية الوطنية إلي مسار مغاير تماما ومناقض للمبادئ التي تقوم عليها الحركة الوطنية، نحن في مواجهة جماعة اممية، غيرمصرية، لا وجود في ايديولجيتها للايمان بالوطن، من هنا كانت عبارة كبيرة »طز في مصر«، كان من الممكن ان تظل في مسارها الذي بدأت فيه، فكل مجتمع فيه من الحركات المتطرفة ما يثير العجب. ولكن تغير مسار الاحداث بعد ثورة يناير الكبري التي انتهت نهاية مأساوية بوصول الاخوان إلي الحكم يعني وقوع مصر في نوعية جديدة ومختلفة عن الاحتلال، مصر الآن بلد محتل فمن يتولي اموره لا يؤمنون بوطن، وولاؤهم للجماعة التي لا يعرف أحد مقرها وأسرارها وحقيقة انتماءاتها، لقد عرفت مصر انواعا عديدة من الاحتلال، كلها كانت قوي تجئ من الخارج، وجميعها باستثناء الغزو الفارسي حافظ علي هيكل الدولة، بل ان بعض الغزوات حافظ فيها الاجانب علي الدولة ومكوناتها واضافوا إليها حتي يحافظوا علي مصالحهم ويجنوا الثمار من ادارة البلاد، غير ان تمكن الاخوان من الحكم يعتبر أول احتلال من الداخل، وهذا اخطر انواع الاستعمار المدمر، خاصة ان الاف المصريين من البسطاء وذوي الايمان النقي مخدوعون بشعارات الجماعة الدينية، إن ميلاد جبهة انقاذ مصر من الاخوان بداية حركة وطنية تضع امامها هدفا واضحا هو تحرير الوطن من الاحتلال الاخواني، هذا طريق صعب، وعر، والتضحيات فيه ستكون جسيمة لكن لابديل له اذا كنا نريد ابقاء هذا الوطن في مساره التاريخي والانساني. نشرت في الاخبار 6 أغسطس 2012 من ذاكرة الكتابة إحكام القبضة الاخوان المسلمون ليس حزبا يمكن تبادل السلطةمعه، والنموذج امامنا في غزة، حيث اجهضت حركة حماس القضية الفلسطينية لمجرد وصولهم إلي السلطة في مساحة ارض لا تتجاوز الثلاثمائة كيلو متر مربع، بدأوا تأسيس الامارة واضاعوا فلسطين، وصول الاخوان إلي ما تبقي من سلطة في مصر يعني دخول مصر النفق المظلم، إنهم يعملون من أجل تغيير هوية الدولة، تحويل المشروع الذي بدأ في بداية القرن التاسع عشر علي يدي محمد علي إلي دولة دينية، هذا خطير وخطر، ولذلك شرح سوف أخوض فيه قبل ظهور العنف وتصفية المثقفين والمبدعين، اتوقف اليوم امام حدث قد يبدو ضئيلا إلي ما ينشغل به الرأي العام بعد النتائج الرئاسية، يجتمع مجلس الشوري اليوم، اللجنة العامة لبحث اعادة تشكيل المجلس الاعلي للصحافة، طبعا بهدف اخراج بعض غير المرغوب فيهم، ولزيادة نسبة المنتمين إلي الجماعة، وايضا للنظر في وضع المؤسسات القومية، الاخوان يزحفون لتغيير هوية الدولة، سيطروا علي مجلس الشعب، وعلي الشوري الذي يرأسه صهر الدكتور محمد مرسي، وهو استاذ صيدلي أصبح مسئولا ومالكا من الناحية الفعلية طبقا لقانون المجلس الموروث من الحقبة الماضية، وكان وضعا تلفيقيا لتبرير السيطرة علي الصحافة حتي يضمن النظام السيطرة علي الرأي العام، الحجة ان الصحافة ملك الشعب، ومن يمثل الشعب مجلس الشوري، وهذه اصبحت نكتة سياسية، فوجود هذا المجلس مشكوك فيه، لأن وضعه ملفق، مع زحف جماعة الإخوان التدريجي واستيلائهم علي مؤسسات الدولة، واهتمامهم بالسيطرة علي مؤسسات متبقية، منها الصحافة، والداخلية التي يعدون لها مشروعاً لإعادة هيكلتها وبالطبع الهدف تصفية حسابات عمرها ثمانين عاماً أيضاً الجيش في فترة لاحقة بعد الوصول الي الرئاسة التي قطعوا إليها نصف الطريق بالفعل الهدف من اجتماع اليوم إحكام القبضة علي المؤسسات الصحفية القومية لإخراس الأقلام والأصوات المعارضة للإخوان، ويتم هذا في غيبة أي مقاومة من جانب الصحفيين والعاملين بتلك المؤسسات، أما النقابة فوضعها صعب، إذ أثبت اداء النقيب خلال الفترة الماضية انحيازه الي موقفه الفكري وعدم التزامه بالمصالح العامة للصحفيين في المواقف الحاسمة. وأحدث المواقف ما يجري الآن في مجلس الشوري، وتزايد تدخل الدكتور الصيدلي رئيس المجلس في شئون المؤسسات الداخلية تمهيداً للتغييرات المنتظرة التي ستتم من منظور يتسق مع الذراع السياسية للجماعة، حزب الحرية العدالة. وتتم هذه الخطوات الخطيرة في خطي سريعة. يقابلها صمت الجماعة الصحفية من صحفيين وعمال واداريين، ان الوضع الصحيح الذي يتسق الان مع ظروف مصر، اعادة طرح العلاقة بين مجلس الشوري والمؤسسات القومية، وليس تكريس الملكية المزعومة لاحكام قبضة الإخوان علي الصحافة. نشرت في الاخبار 27 مايو 2012