منذ أن وضع »حمورابي« حزمة قوانينه الشهيرة التي اصبحت جزءا لايتجزأ من مناهج كليات الحقوق في دراسة تاريخ القانون، والمجتمعات بشتي ألوانها وأشكالها واجناسها تحاول أن تحد من الجريمة وتمنع تطورها وتعاقب مرتكبيها، وقد نجح بعضها إلي حد لابأس به، ولازال البعض الآخر يحاول وفقا لما حدده حمورابي مرورا بعصور تاريخية ازدهرت فيها القوانين ووصولا إلي هذا الزمن الذي نعيشه وصارت فيه معظم المجتمعات تقاوم الجريمة بترسانة من القوانين! الجديد.. والغريب.. والمؤسف الآن.. أن بعض السلوكيات »هربت« من نصوص القانون فتسلح بها بعض ضعاف النفوس وعاثوا في الأرض فسادا.. فالقانون حدد للجريمة »توصيفا« وجعل لها عقابا.. ثم نص علي أنه لاجريمة بغير عقاب ولاعقاب بغير جريمة! لايوجد نص مثلا يعاقب علي الكذب، لكن اذا تولدت عن الكذب افعال مؤثمة قانونا كانت الجريمة والعقاب.. فالكذاب الذي يقلب الحقائق وينشر الشائعات والسموم ويخدع مرؤوسيه لاتتم معاقبته! ولايوجد نص يعاقب علي النفاق والمداهنة رغم خطورة هذه السلوكيات في حياتنا اليومية والعملية! ولايوجد نص يعاقب علي الحقد وقد عايشت قصة زميلين قبل سنوات كان من المفترض ان يحصل الاثنان علي علاوتين، فإذا بأحدهما يستخدم كل مواهبه الشريرة في منع علاوة زميله (!!) رغم انه كان سيحصل علي علاوته لامحالة، والغريب انه نجح في مهمته الشريرة لسبب واحد، ان زميله الذي حرم من العلاوة كان من اصحاب الخلق الرفيع والنوايا الحسنة والقيم الرفيعة! وما ينطبق علي الكذب والنفاق والحقد ينطبق علي قائمة طويلة عريضة من السلوكيات التي صارت سمة من سمات هذا العصر، فنحن ننام ونصحو ونعيش بين هؤلاء الكذابين والمنافقين والحاقدين والحاسدين والمشوهين خلقيا إلا من رحم ربي! ومن هنا كان العذاب الذي يعاني منه كثيرون.. وكانت الضغوط.. وكان التوتر.. وكان ضعف الانتاج وقلة الناتج القومي وتفكك العلاقات الانسانية، فالأفعال وردود الافعال تصب في النهاية علي الثمار التي يجنيها المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.. فالمرؤوس المقهور لن ينتج.. والمواطن المهزوم سوف يبخل بجهده.. والابن العاق لوالديه لن يكون بارا بوطنه.. والكذاب الذي نجح مرة سوف يكرر أكاذيبه.. والمدير المغرور لن يساعده مرؤوسيه علي التقدم.. وهكذا يصبح المناخ مهيئا للفاسدين وكدابي الزفة والمرتشين وامثالهم.. ويدفع المجتمع كله الثمن في النهاية، وتختلط الأوراق.. ويتظاهر الفاسدون بالشرف ويكيلون الاتهامات للشرفاء! السبب ببساطة أننا بالغنا إلي حد كبير في التعامل بالقانون.. واصبحنا نعتبر ان الجريمة التي تستحق العقاب هي فقط المنصوص عليها في القوانين كالقتل والسرقة والنصب وخيانة الأمانة.. وغيرها!.. ولم تعد المدرسة ولا المسجد ولا الكنيسة ولا حتي وسائل الإعلام تبرز خطورة تلك الجرائم التي تتم دون إراقة دماء.. لم نعد نركز علي أن الضمير الحي أقوي من كل النصوص القانونية، وان المواطن المثالي ليس هو الذي لايخالف القانون، وانما هو الذي لايخالف ضميره.. لأن الضمير كلما كان حيا خاف صاحبه من الكذب والنفاق والفساد والحسد والوقيعة بين الناس، فهو يعرف أنه إذا أفلت من القوانين فلن يفلت من عقاب السماء! ان ما يحدث ليس من طباعنا.. ولا اخلاقنا.. ولا حضارتنا.. وانما هو عارض يمكن ان تهزمه القيم المصرية الضاربة في جذور التاريخ.. كل المطلوب ان نعيد صياغة حياتنا ونركز علي ان الجرائم الاخلاقية التي لايعاقب عليها القانون قد تكون أشد فتكا بالمجتمع من تلك المنصوص عليها في القوانين!.. يجب ان تعمل كل الهيئات البحثية لتقرير أين موطن الداء وروشتة العلاج، فمن غير المعقول ان ينتقل الزحام من اشارات المرور إلي قاعات المحاكم.. ومن غير المعقول ان تقع خمس حالات طلاق كل دقيقة!!.. ومن غير المعقول ان يتصارع الناس ويتقاتلون علي الميراث رغم انه محدد شرعا وقانونا!.. ومن غير المعقول ان يفقد الناس مشاعر الحب ويتعامل كل منهم مع الآخر بوجهين.. يقابله بوجه أبي بكر وقلب أبي لهب!! امنيتي ان اعيش يوما واحد من أيام زمان.. ثم أموت! جهل ما بعده جهل! لا أعرف من هو هذا الجهبذ الذي كان وراء قرار منع ابراهيم حسن من دخول استادات الكرة اثناء المباريات! أنا لا أدافع عن ابراهيم حسن.. فالمخطيء لابد ان يتحمل العقاب، وانما ادافع عن ضرورة احترام عقول الناس، لأن هذا القرار يستطيع أي محام تحت التمرين الغاءه في قضاء مجلس الدولة.. والسبب لايحتاج إلي عبقرية، فمن الذي يستطيع حرمان مواطن من حقه الدستوري في ان يقطع تذكرة ويدخل لمشاهدة مباراة أو فيلم أو مسرحية! ثم من هو الذي سيطبق وينفذ القرار.. هل هي الشرطة؟! وهل يمكن للشرطة ان تتلقي أوامر من اتحاد الكرة!! أم أنها وفقا للقانون تنفذ أوامر النيابة العامة في ضبط المجرمين واحكام القضاء في القبض علي المحكوم عليهم، وفي احوال التلبس المحددة علي سبيل الحصر اذا لم يكن هناك أمر بالضبط والاحضار! الاغرب ان صحيفة قومية يومية شاركت في نفس الجهل ونشرت في الصفحة الأولي وفي مكان بارز صباح السبت الماضي ان ابراهيم حسن لو دخل أي ملعب كرة فسوف تلقي الشرطة القبض عليه وتحيله للنيابة!! الذين يريدون القضاء علي الشغب في اتحاد كرة القدم المصري هم انفسهم الذين يساعدون علي زيادة هذا الشغب بالتغاضي عن عقاب طرف علي حساب معاقبة طرف آخر وحده!.. فاتحاد الكرة في أزمة الزمالك والشرطة الاخيرة تغاضي عن الحديث عن اخطاء حكم المباراة وعن عقاب مدرب فريق الشرطةواكتفي بتوقيع العقوبات علي الزمالك فماذا سيفعل مع جماهير الزمالك اذا شعرت بالظلم في الأيام القادمة؟!.. أرجو ان يراجع اتحاد سمير »زاهر« ولا اعرف لماذا هو ارتبط في ذهني بسليمان غانم في ليالي الحلمية.. أرجو ان يراجع نفسه ويعاقب كل المخطئين!!