بداية تحول حقيقي، تقرير صادم عن سعر الذهب والفضة عام 2026    قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    نصف جيشهم من الجهاديين ولكن، نتنياهو يحدد موقفه من إقامة علاقات واتفاق سلام مع سوريا    ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز آرسنال وتعثر مانشستر يونايتد وتشيلسي    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    زيلينسكي يناقش مع ترامب تواجد قوات أمريكية في أوكرانيا    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    محافظ القاهرة: معرض مستلزمات الأسرة مستمر لأسبوع للسيطرة على الأسعار    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    المنتجين العرب يعلن دعمه وإشادته بمبادرة الشركة المتحدة للارتقاء بالمحتوى الإعلامي    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    قيس سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية يناير 2026    مانشستر يونايتد يسقط فى فخ التعادل أمام وولفرهامبتون بالدوري الإنجليزي    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    نتنياهو يزعم بوجود قضايا لم تنجز بعد في الشرق الأوسط    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    طرح البرومو الأول للدراما الكورية "In Our Radiant Season" (فيديو)    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    قرارات حاسمة من تعليم الجيزة لضبط امتحانات الفصل الدراسي الأول    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    غدًا.. محاكمة 3 طالبات في الاعتداء على الطالبة كارما داخل مدرسة    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    أمين البحوث الإسلامية يلتقي نائب محافظ المنوفية لبحث تعزيز التعاون الدعوي والمجتمعي    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيادة القانون.. أم قانون الغابة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 01 - 2010

القوانين، بدرجاتها، تحدد شكل الدولة وعلاقات المجتمع. وهى ليست ظاهرة حديثة، فمنذ وجدت التجمعات البشرية وهناك قواعد مكتوبة أو غير مكتوبة، متوارثة أو مستحدثة، تقوم على النصوص أو التقاليد أو الطقوس، كلها تحدد الخطأ من الصواب وتفرق بين المتاح والممنوع.. كان لابد من وجود تنظيم يحدد العلاقات والحقوق حتى لا يصبح الإنسان مثل حيوانات الغابة التى تفترس ما حولها بلا رادع ولا عقاب. هذه القواعد جاءت لقمع سيادة قانون الغابة الذى يقوم على القوة البدنية وسلطة العضلات التى إذا انتشرت لم يعد للقانون سيادة ولا للدولة هيبة ولا رسالة.
ومنذ وجدت القوانين، وجدت أيضا محاولات التحايل عليها وإهدارها وارتبطت مكانة المجتمع وتقدمه بدرجة احترام هذه القواعد مصدرها ومضمونها، ووسائل تطبيقها ومدى الالتزام بها وأسلوب تطويرها أو تعديلها.
****
وتنظيم العلاقات والمعاملات ليس بدعة حديثة، تشهد على ذلك قواعد سقراط وأرسطو وأفلاطون فى تنظيم الدولة وتطبيق «الديمقراطية». وقانون حمورابى فى بابل 1780 ق.م الذى يعد أول شريعة مكتوبة فى التاريخ.. اهتم بتنظيم المعاملات التجارية والصناعية، وحماية حقوق اليتامى والأرامل والفقراء، وحقوق المرأة ووضع أحكام الزواج والطلاق...
ويذكر التاريخ «سولون» السياسى والمفكر والشاعر الإغريقى من القرن السادس قبل الميلاد الذى سن قوانين اجتماعية تقرب بين الأغنياء والفقراء، وتؤكد حق الشعب فى الإشراف على مؤسسات الدولة، كما أسس المجلس القضائى وأقام المحاكم الشعبية.
أما مجموعة القوانين المدنية التى أمر بها جستنيان الأول إمبراطور روما الشرقية عام 527 م واستغرق تجميعها 48 عاما (من 527 إلى 565) فقد أصبحت أساسا للقوانين ونظم التقاضى فى كثير من دول العالم وكان اكتشافها فى العصور الوسيطة واهتمام الكنيسة بها ودراستها أحد عوامل تقلص السلطة الدينية والخروج من الظلمة إلى النور.
كان تنظيم العلاقات يقوم على المكانة القبلية أو السلطة البدنية، ثم خضع للسلطة الدينية أو رجال الدين، إلى أن استقرت مبادئ المساواة والحرية والمشاركة والمساواة والديمقراطية وأصبح الشعب مصدر السلطات، والعدالة هدف التشريعات والأنظمة.
لكن التشريع وحده لا يكفى، فالنصوص لا تطبق نفسها بنفسها. ولا يعتبر القانون سيدا إلا عندما تطبقه أجهزة مختصة ومتخصصة، ويطبق بالتساوى بين الأفراد. إذا اختفى هذان الشرطان سقط القانون وسيادته وكانت العودة لقانون الغابة الذى لا يعتمد على العقل والقانون والمبادئ إنما على ما يسمى اليوم «البلطجة».
****
فى برنامج تليفزيونى عبر مواطن بسيط بالشارع عن مدى سيادة القانون عندما سئل إن كان هناك ضرورة إلى «قانون تنظيم الأسرة»، قال «نعم هو ضرورى لكن لن يغير شىء لأن الناس هنا لا يهمها القانون» فماذا يقول الواقع؟
هناك قانون ينظم شروط للبناء، يتجاوزها الكثيرون ويفلتون بفعلتهم، وهناك ما يقتضى وجود جراج بالعمارات، لكن أغلبها لا يلتزم بذلك فتكتظ الطرقات بالسيارات ويتعطل المرور لأن هناك من لا يحترمون القانون وهناك من لا يحاسبوهم.. هناك قوانين تمنع إلقاء النفايات الصناعية وغيرها فى النيل والترع لكن بعض الترع تحول إلى مقلب قمامة ونهر النيل أصبح من أقذر أنهار العالم بعد أن كان الفراعنة يقدسونه. الضوضاء ممنوعة لكنها تحاصرنا بلا انقطاع.. وغير ذلك كثير. النصوص موجودة لكنها مهدرة لا تطبق. وتهدر القوانين أيضا عندما يقرر المواطن أن يأخذ القرار بيده ويوقع العقوبة على من يسىء إليه.
****
يصبح الأمر خطيرا عندما يتعلق بالعدالة الجنائية التى تقوم على مبدأ أن من يرتكب جريمة تقوم الدولة بالقبض عليه، والتحقيق معه، ومحاكمته، وإصدار الأحكام ثم تنفيذها.. وتوقيع العقوبات المتساوية فى الحالات المتساوية دون تحيز.
هذا يعنى أنه إذا اعتدى أى شخص على آخر، فإنه يستحق العقاب بغض النظر عن جنسيته أو لونه أو عقيدته أو انتمائه السياسى أو مكانته الاجتماعية. والمقصود هنا العقاب القانونى القضائى الذى يصدر عن محكمة مختصة بعد ثبوت التهمة وليس العقاب الذى يوقعه الأفراد فيما يطلق عليه قضاء الغوغاء. والعقوبة القضائية توقع فقط على مرتكب الفعل وحده، التزاما بفردية المسئولية الجنائية، وليس على أسرته أو قريته أو ملته أو كل من ينتمون إلى عقيدته.
وبذلك فإنه إذا ارتكب شخص جريمة اغتصاب وهى جريمة منكرة تزداد بشاعة إذا كان المجنى عليه قاصرا فإن الجانى يستحق أقسى العقوبات بل الإعدام بغض النظر عن ديانة الجانى والضحية.
وإذا شهّر مواطن بأى امرأة فإن هذا تصرف وضيع يستوجب العقاب بغض النظر عن عقيدة الأطراف ولابد أن توقع أقصى العقوبات على جريمة التشهير والإعلان عن العقوبة لردع الآخرين.. هذا دور القانون ومفهوم سيادته. أما إذا اتجه أهل الضحية لأهل الجانى وأقربائه وأصدقاؤه وقتلوهم.. فذلك هو قانون الغابة.
وإذا اقتحم مسلحون دارا مسالمة وحرقوها أو أطلقوا الأعيرة النارية على من فيها فسقطوا قتلى دون أن يرتكبوا إثما فإن هذا بكل المقاييس وفى كل الدول جريمة بشعة لا يجوز إلا معاقبة من يرتكبها.. وعندما يتربص البعض بآخرين وهم خارجون من دار عبادة ليطلقوا عليهم الأعيرة النارية، لأنهم ينتمون لعقيدة معينة، فيسقطون قتلى، فإن المحاكمة والعقوبة أمور حتمية بغض النظر عن الانتماء الدينى حتى ولو كان القاتل يثأر لأمر ارتكبه المجنى عليه.
كل هذا يعنى أيضا أنه لو أن مسلم اعتدى على طفلة مسيحية فذلك لا يعطى أسرتها الحق فى الانتقام من كل أهالى الحى من المسلمين أو تدمير متاجرهم أو حرق منازلهم؟ وأنه إذا اعتدى مسلم على مسيحى فلا يجوز أن يجرى هذا إلى جامع يعتدى على المصليين بل عليه أن يذهب إلى القسم يبلغ ويشكو.
****
لقد تعاطفت، وبشدة مع مروة الشربينى لما تعرضت له، فقد عايشت الألم الذى يصاحب التمييز أو الإهانة أو الاضطهاد بسبب العقيدة الدينية، وأعجبت فى نفس الوقت بموقف القضاء الألمانى الذى رفض دعوى الدفاع باعتبار المتهم مختل عقليا، وحكم عليه بأقصى العقوبة، تلك سيادة القانون. ووجدت الذاكرة تسترجع أحداث كثيرة ومتعددة لا تقل شراسة عن مقتل مروة. جرائم وقعت منذ الخانكة والزاوية الحمراء فى المنيا والإسكندرية والأقصر وقنا والكشح.. وتساءلت ماذا حدث لهؤلاء الجناة؟ ما العقوبات التى وقعت عليهم كى تكون رادعا ودليلا على سيادة القانون؟ لماذا لا نمارس ما نطالب الآخرين به؟ هؤلاء الجناة أغلبهم وباستثناء جنايات قتل تجار الذهب أغلبها لم يقدم للمحاكمة، وتنتهى الجرائم عادة بصلح يتم بين طرف قوى وآخر مغلوب على أمره، يصدق عليها مصافحة الشيخ والقسيس.. ثم تعود الجرائم إلى الظهور.. وها هى تتكرر اليوم فى نجع حمادى، وفرشوط، وبهجورة و... و...
*****
هذا الواقع الذى نعيشه يعود بنا لقانون الغابة ليس فقط لأنه واقع ظالم مظلم إنما أيضا لأنه يشجع المجنى عليه أن ينتقم لنفسه، وبدوره يثأر لضحاياه. هذا الثأر المدنى أو «خصخصة القضاء والعقاب» أقسى أشكال قانون الغابة وتدهور دور الدولة. فهل هذا ما نريده لوطننا العزيز؟ هل هذا هو ما نسير نحوه؟ وكيف يمكن مواجهة ذلك الخطر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.