كثيراً ما تفضل السينما المصرية تقديم أفلامها علي طريقة المسليات.. بحيث يقوم الجمهور بقرقشة الفيشار وتجرع الحاجة الساقعة ويردون علي الموبايلات.. وهي السينما الاستهلاكية بكل صورها بحيث لاتذكرنا بمشاكل الحياة والمجتمع لتصبح بالفعل أسوأ من المخدرات!! ولكن فيلم "678" في أول أعمال السيناريست محمد دياب كمخرج يجيء مغايراً عن المعتاد. ومغرداً خارج السرب والمألوف.. لأنه يتعرض ببساطة ودون فذلكة لقضية التحرش الجنسي للمرأة والفتاة الذي ينخر جنبات الشارع المصري أمام صمت وإهمال المسئولين.. وحتي صمت المواطنين العاديين الذين اختبأت نخوتهم أمام سيطرة الأنانية والحياة المادية وارتفاع الأسعار البشع!! ولأن الفيلم كما تقول تتراته مستوحي من قصص حقيقية تتكرر بشكل أو بآخر لفتياتنا ونسائنا علي قارعة الطريق وأمام حشود الناس المصابة "بالدهولة" أو "بالاستنطاع".. فإن الأسلوب المباشر لتناول هذا النوع من الدراما مطلوب.. لوجود رسالة عنيفة ومباشرة لا تحتمل التورية أو البلاغة.. فالتعبير عما يؤرق الروح الجمعي للمجتمع جدير بأن يتم طرحه فنياً بدون تزييف لوعي الناس أو حتي صياغة سردية شاعرية من التي تفرح المثقفين. ولا تحمل هماً حقيقياً يعبر عن الواقع الذي يعيشه الناس.. ويكفيه رشاقة الشجن وتألق العناصر الفنية المتنوعة كي يدلي بصوته برأيه لمشاهديه!! يقدم الفيلم ثلاثة نماذج صريحة لفتيات يتعرضن للتحرش بأشكال مختلفة. فالأولي فايزة "بشري" موظفة حكومية محجبة متزوجة ولديها طفلان.. ولأنها فقيرة فهي مضطرة لاستخدام الأتوبيس بشكل يومي خلال توجهها إلي عملها أو عودتها منه.. ولكنها في هذا الزحام المقيت تتعرض للتحرش يومياً تقريباً!! أما الثانية صبا "نيللي كريم" فرغم أنها فتاة ثرية مرفهة ومتزوجة من طبيب شاب إلا أنها تتعرض للتحرش خلال الزحام في احدي مباريات كرة القدم التي ينتصر فيها المنتخب الوطني "في رمز واضح لما يمكن أن يلاقيه المواطن بسبب حبه لمصر فينقلب إلي كاره لها!" وبسبب هذا الحادث تفقد زوجها السلبي. فتتحول إلي ناشطة في مجال حقوق النساء المتحرش بهن. وتعقد دورات تدريبية في كيفية وقاية أنفسهن لمواجهة المتحرشين.. وتجيء الثالثة نيللي "ناهد السباعي" التي يتم التحرش بها يومياً من خلال عملها في شركة بيع عن طريق الهاتف وبتشجيع من رئيسها في العمل. حتي يقع لها حادث تحرش مباشر في الشارع. لتقوم بعدها برحلة مواجهة مع المجتمع. بإصرارها علي رفع دعوي قضائية بصرف النظر عن "الفضائح" التي يدعيها البعض من أهلها!! هذه نماذج تم انتقاؤها ببراعة من فئات مختلفة لتعبر عن جموع المتحرشات بلا أية حماية.. وقد صبغ المخرج مشاهده بلون "الهم" الجاثم علي الشارع المصري. ويدين بوضوح الصمت المتعمد لجرائم قد يراها البعض "صغيرة" وهي كبيرة في تخريب النفس البشرية. وتحويل المسالمات إلي مجرمات وقاتلات مادامت حقوقهن ضائعة بهذا الشكل!! المعروف أنه من المستحيل اخراج فيلم جيد ما لم يكتب له السيناريو بعناية. وقد وفق المخرج المؤلف في طرح قضيته الشائكة والتي نالت اعجاب الرجال قبل النساء رغم توجهه لقضية نسائية صرف. كما كانت بصرياً متناغمة مع الموقف الدرامي وحساسية الموضوع.. حتي أنه لا يدين الفاعلين وحدهم في هذه الحوادث. بقدر إدانته لبعض "المشجعين" للفعل. مثل الكليبات الخارجة التي تهيج الشباب. ومثلها ملابس الفتيات الكاشفة أو المجسمة. ولا يقول أحد "كان وكان" لأن الزمن تغير فعلاً..! أما أطرف إدانة بالفيلم في مشهد لظل امرأة علي الأرض وصبي خلفها يغني "أجمل حاجة بحبها فيكي هي دي!" ليمسك بمؤخرتها. وهو ما يعني اختزان الشباب للصورة الغنائية حينما كانت عينا تامر حسني تتحرش بجسد زينة.. شوفتوا الكليبات بتعمل إيه؟! [email protected]