لا نستطيع أن ننكر أن رمضان هذا العام شهد طفرة في مستوي الأعمال الدرامية المصرية التي قدمت ونستطيع أن نذكر أمثلة كثيرة «الجماعة»، «قصة حب»،«الحارة» «شيخ العرب همام» و«أهل كايرو» ولكن اللافت أن إحصاءات المشاهدة تنحاز أكثر إلي أعمال مثل «زهرة وأزواجها الخمسة» و«العار» و هو الأمر الذي يجعلنا في حالة دهشة تدفعنا للتساؤل عن الأسباب التي تجعل هذه الأعمال هي المفضلة لدي الجمهور الذي أصبح يلعب مع الدراما التليفزيونية بنفس منطق السينما.. فالأعمال التي ترضي قاعدته العريضة غالبا ما تكون أقل فنيا من أعمال أخري ينصرف عن مشاهدتها. في الوقت نفسه لا تستطيع أن تنكر أن هناك منتجين كثيرين يجيدون لعب المسألة بذكاء شديد، فهم يعرفون أن مؤلفا بعينه مع مخرج بعينه وفي وجود نجوم بعينهم يستطيعون أن يقدموا له الخلطة التي لا تخيب من حيث قدرتها علي إرضاء الذوق الشعبي في مصر. خلطة غالبا ما تشمل «الجنس» بكل أشكاله «الحرام» و«الحلال» إضافة إلي المخدرات ولكن يظل السؤال حائرا لماذا يقبل المصريون علي الأعمال التي تحتوي علي هذه الخلطات . في السطور التالية نطرح هذه الأسئلة علي عدد كبير من النقاد والكتاب والمخرجين والفنانين بل والمنتجين أيضا أملا في العثور علي إجابة منطقية: رؤوف توفيق: بعض النجوم يفضلون اللعب علي أوتار الجنس والمخدرات لإرضاء ذوق الجمهور الجمهور تعود علي تركيبة درامية مُعينة سواء في السينما أو التليفزيون بمعني أن الجمهور لا يتفق إلا علي نوع مُعين من القصص والأفكار، وهذا التعود نتيجة سنين مُشاهدة كثيرة تعود خلالها علي نوعية واحدة من القصص، لهذا. المُشاهد لديه شعور بأنه لا يُريد تغيير ما يراه لأنه لديه تخوف من أن يُغير القناة ليشاهد مُسلسلا آخر يحتوي علي تنظير أو أنه «بتاع النُقاد»، فلديه فهم مُسبق أن الأعمال الجديدة لن يفهمها.. لأنه لا يُريد أن يُغامر. كما أن النجم الكبير في أي عمل فني بالتأكيد له أولويته لدي المُشاهد، خاصةً لو كان يُرضي أذواق قطاع كبير من الجمهور، وبالتالي هذا النجم يحصل علي أجر كبير في مُقابل أن يُرضي ذوق الجمهور بلعبه علي المضمون «جنس - مخدرات .. إلخ»، والفن لا يُريد سوي المُخاطرة لأن المُشاهدين لدينا تعودوا علي موضوعات معينة شكلاً ومضموناً . أما بالنسبة لمسألة النميمة، وأن المُسلسلات تؤدي هذا الغرض، فهذا يعود إلي أن المُشاهدين يرون الأعمال الدرامية علي أنها نوع من التسالي، بمعني أن المُشاهدة غرضها التسلية لا التفكير، فلو كُنت تُشاهد فيلماً ضعيفاً لكنه يجعلك تضحك و«تاكل فيشار وأنت بتتفرج عليه» فهذا نجاح. هاني فوزي الجماعة ليس به نجمة في أنوثة غادة عبدالرازق إذا كان بالفعل الإقبال علي «زهرة وأزواجها الخمسة» أكبر من مُسلسل ك«الجماعة» فهذا لا يعني سوي شيء واحد هو أن الناس يُريدون مُتعة بسيطة لا مُتعة فكرية مُركبة تحتاج إلي بحث وتحليل، فهم يهتمون بامرأة يلهث وراءها الرجال لأنها جميلة وجذابة، فكيف تطلب منهم التفكير في «حسن البنا» وتحليلات سياسية.. إلخ؟ فكأنك هكذا تُعاقبهم!.. لأن «الجماعة» ليس Funny وليس لديه نجمة في أنوثة «غادة عبدالرازق». أما مُسلسل «العار» فهو نفس قصة الفيلم، والناس لديها نوع من «الكيف» في رؤية شيء سبق أن شاهدوه من قبل، مثل الطالب الذي يُحب أن يُعاد امتحانه في نفس الامتحان الذي خاضه من قبل، لا أن يدخل في امتحان جديد، وهو شيء غريب أن الناس لدينا لا يُحبون الشيء الجديد، بل يحبون أن يُقارنوا بين عمل ماضٍ ونفس العمل في الوقت الحاضر، بل تصل المُقارنة لأداء النجوم لنفس العمل قديماً وحديثاً . ثم إن رمضان هو موسم المُتعة البسيطة لدي البعض لأن التفكير بالنسبة لهم شيء مؤلم ومُزعج وعقاب لهم، فهم بعد الإفطار يُريدون أن يرتاحوا من التفكير، وهو شيء غريب، خاصةً أن مُعظم الناس في رمضان لا يعملون، إذن هم لا يُريدون سوي أن يرتاحوا من الراحة بمُتعة بسيطة. إبراهيم أصلان: استعراض مفاسد الطبقة الغنية شيء مشوق لجمهور الطبقات الفقيرة؟ نسبة المُشاهدة ليست هي معيار القيمة ولا يُمكن التعويل عليها عند الحُكم علي عمل فني، فذوق الجمهور جري له ما جري، ولم تعُد الجماهير مشغولة بالتفرقة بين ما له قيمة أو ليس ما له قيمة، فالدعاية والتركيز الإعلامي علي بعض الأعمال أو بالأصح علي بعض النجوم والنجمات نتج عنه حالة من الخداع العظيم، وليس معناه أن أكثر الأعمال تحقيقاً للإيرادات أو لنسب مُشاهدة عالية هو أفضلها. والنميمة تلعب دوراً كبيراً في مُتابعة الجمهور في الأساس للأعمال الدرامية، خاصةً أن شريحة كبيرة من الجمهور هم من الطبقات الفقيرة، وهناك إحساس عام بأن هناك طبقة أو فئة اجتماعية تعيش حالة من الاستمتاع الشديد في رغد العيش، ونفس الطبقة الفقيرة مُدركة أن الطبقة الغنية - إذا سميناها طبقة - ليست طبقة حقيقية لأنها لم تتوارث وضعها الاجتماعي، بمعني أنها تفتقد لتقاليد الطبقة الوسطي بسبب كثرة المفاسد، وبالتالي فلا بأس من أن يُتيح التليفزيون الفُرصة لاستعراض مفاسد هذه الطبقة، وهو شيء مشوق بالنسبة للجمهور من الفقراء في أن يعيش حيوات وأسرار هذه الطبقة، ولا بأس من فضح هذه الأسرار، وهذا النمط من الحياة يُكرس مشاعر لدي الجمهور بقيمة هذه الأعمال، وهو شيء غير حقيقي لأن معايير التذوق انتهي أمرها. سميحة أيوب: الجوع الجنسي والمادي يحركان الجمهور وراء أي عمل الآن لا يُمكن تفسير لهاث الجمهور وراء الغث وتركه للأعمال القيمة سوي أن هذا ليس سوي تعبير عن الجهل والاستسهال وعدم التفكير، لكن حينما نري أعمالاً مُميزة، تمت تنقيتها بعناية، وتُشاهدها بعقلك وعاطفتك كإنسان وليس كمُجرد مُتلقٍ، فبالتأكيد هذا سيكون له مردود كبير، والمُشكلة في رأيي أن العوامل مُتشابكة فيما يتعلق بلهاث الجمهور وراء الغث، إلا أن العاملين الأهم هما الجوع الجنسي والجوع المادي في رأيي، فإذا وجد الجمهور فنانة ترتدي مثلاً ملابس مُعينة في مُسلسل بشكل مُثير أو إكسسوارات و«آخر موضة» يجرون وراءها، سواء كان هذا الجمهور من السيدات أو الرجال، دون أي اعتبار لقيمة العمل الفني نفسه، خاصةً لو أن هذا العمل يفتح الباب أيضاً «للقيل والقال»، لكن رغم هذا فالنجومية في رأيي لا تصنع نجاحاً لأي عمل فني لأن أي عمل فني في الأساس هو عمل جماعي، وهناك أمثلة كثيرة علي خوض نجوم ونجمات لأعمال لكنها فشلت رغم نجوميتهم الطاغية، لكن المُشكلة الأساسية في رأيي لهذا التخبط هو أننا حولنا الفن إلي «سلعة تجارية» دون إدراك أن الفن هو مرآة المُجتمع، ودون وضع إجابات عن أسئلة هامة مثل: ما نيتك من وراء تقديم هذا العمل؟.. وهل الجمهور يري نفسه في العمل المُقدم؟.. وهل يُلبي هذا العمل الفني احتياجات الشارع بمعني أنه يعكس ملامحه ونبضه؟.. وما الذي يُقدمه هذا العمل لي كإنسان ولأسرتي ولوطني؟ صفوت غطاس: أحلام الجمهور الجنسية وراء مشاهدته ل زهرة يُمكن تلخيص ما حدث ببساطة في أن الإقبال علي مُسلسل مثل «العار» سببه أن القصة معروفة والشعب يُحب أن تُعاد الحكاية التي يعرفها مُسبقاً، أما «زهرة وأزواجها الخمسة» فهي فكرة جديدة مثلها مثل «الحاج متولي»، والناس لديها فضول في رؤية «غادة عبدالرازق» وهي ترقص وتتمايل لأن هذا بالنسبة لهم حافز جنسي، وليس له علاقة باللغة المُباشرة في هذين المُسلسلين أو أن كل منهما يتصدره نجوم بعينهم. محمد فوزي: معايير اختيار الجمهور للأعمال الدرامية تختلف عن معايير النقاد لا يُمكن أن يكون هناك عمل فني بمستوي ضعيف يتكالب عليه الناس، يُمكن القول بأنه قد يكون هناك عمل عليه مُلاحظات فنية، وهو شيء يعرفه النُقاد أكثر، لكن مادام الجمهور وجد فيه شيئاً استمتع به أو كان مسليا ومضحكا بالنسبة له، فهذا يعني أنه كان مرضيا للناس، مهما اختلف عليه النُقاد في قيمته الفنية أو قربه أو بُعده عن القيم المصرية.. إلخ، لكن عموماً الناس تختار الأعمال الفنية بمعاييرها، ولا يوجد إجماع علي الأعمال الفنية بصورة مُطلقة، فمثلاً مُسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» لا أري أنه مُسلسل ليس ذا قيمة كما يقول البعض، فهو مسلسل لطيف يتناول مسألة تعدد الأزواج بشكل مُسلٍ، والمُسلسلات لا تنجح في رأيي بسبب النميمة أو لوجود نجم فيه.؟ ماجدة موريس التوابل لاتخيب أبدأ هناك مجموعة من الأسباب الواضحة في طريقة تعامل المُشاهد لدينا مع الأعمال الدرامية، يُمكن تلخيصها في ثلاث نقاط.. النقطة الأولي: جاذبية الشخصية وجاذبية تاريخها، فأي عمل فني له تاريخ قديم - مثل مُسلسل «العار» - يضعه المُشاهد في مُقدمة الأعمال التي يحرص علي مُتابعتها، وذلك ليُقارنه بالعمل القديم - وفي هذه الحالة الفيلم - وهذا يُشبع فضوله، وهو شيء يُمكن أن يتم إرجاعه للنميمة والفضول لمعرفة الحياة الشخصية، ف«العار» بحُكم تاريخه مع الجمهور بسبب فكرته الجريئة كفيلم، خاصةً وهو يُناقش تأثير المال الحرام علي أسرة مُثقفة ورب البيت الذي يعتقد أن الحشيش حلال، هو شيء يجعل المُشاهد حريصاً علي مُتابعة المُسلسل، خاصةً أن الأحوال تغيرت، وبالتالي الطرح في المُسلسل - في رأيه - سيتغير. أما النقطة الثانية: هي مسألة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في إطار ما هو مُشتهي وليس ما هو حقيقي، وهو ما يُحققه مُسلسل مثل «زهرة وأزواجها الخمسة»، ولتدعيم قولي فبعد عرض «الحاج متولي» قامت ال BBC بمُحاولة استقصاء رأي الشارع «العراقي» - لا المصري - حول رأيه في المُسلسل وفي نموذج «الحاج متولي»، وهو ما يعني مدي التأثير الكبير لمسألة العلاقة الجنسية، فهناك فجوة بين الاتجاهات وبين أماني الناس ووجهات النظر في مُجتمعاتنا، لهذا الكثير من الجمهور يرغب في رؤية «زهرة»، خاصةً أن بطلته «غادة عبدالرازق» استطاعت أن تخلق في ذهنهم شكل الأنثي مُنذ مُسلسلها الأخير «الباطنية»، والذي لا تفهم ما هي قيمته الفنية ليُعرض مُنذ رمضان الماضي حتي أوائل أيام شهر رمضان الحالي!.. ففكرة «الفريسة والقناص» بكُل أشكالها أحد «التوابل» التي لا تخيب مع الجمهور، هذا بجانب وجود التجانس الآن بين المؤلف والمُخرج - وفي هذه الحالة السيناريست «مصطفي محرم» والمُخرج «محمد النقلي» - واللذان يقومان بعمل «عصير توابل» لا يخيب، مع وجود نجمة تُحقق نجاحاً لهذه التركيبة. و رغم أن مُسلسل «ملكة في المنفي» في رأيي ليس ضعيفاً كُلياً، خاصةً من ناحية الصورة والديكورات والملابس - وهي النقطة الثالثة التي أراها مهمة في إقبال الناس علي بعض الأعمال - إلا أن عامل التاريخ هنا هو الأهم، خاصةً أن المُسلسل الذي سبقه «الملك فاروق» قد صنع رصيداً كبيراً للأسرة العلوية، وحكاية الملكة «نازلي» لم تُستكمل فيه، وعُرضَت علي الهامش، لهذا فهي شخصية موحية بكثير من الأفكار والمواقف التي لم تُقدم، وهو خيط التقطه المُنتج ليشتري كتاب «راوية راشد»، ويجب الاعتراف بأنه رغم سنوات ثورة يوليو مروراً بالاشتراكية.. إلخ، إلا أن حُلم الملكية لا يزال موجوداً، خاصةً أن الكثيرين يعتبرونه الزمن الجميل الضائع، وذلك لأن الأيام التي نعيشها حالياً في رأيهم أسوأ.. اضف إلي ذلك أن بطلته «نادية الجندي» والتي لها جمهور كبير، فرغم أنها بالنسبة للبعض مُستفزة، إلا أنها بالنسبة للبعض الآخر مُحفزة، وبالتالي حولها جدل كبير وهو ما يخلق للعمل الفني مزيداً من النجاح.؟ داودعبدالسيد: المسلسلات الأهم فنيا يتصدرها الموضوع وليس النجم المُلاحظ أن مُسلسلات «زهرة وأزواجها الخمسة» و«العار» و«ملكة في المنفي» هي مُسلسلات نجوم، بينما مُسلسلات «الحارة» و«الجماعة» و«أهل كايرو» مُسلسلات يتصدر فيها الموضوع عن النجوم، لهذا فرمضان هذا العام يُبرز شيئاً هاماً جداً في رأيي وهو أنه كان المُعتاد أن تنجح مُسلسلات النجوم، لهذا فمُسلسلات رمضان هذا العام اكتسبت نقطة في صالحها وهي أن النجاح لا يُمكن أن يُبني علي شعبية نجم، كما أن المُسلسلات ذات الموضوعات الجادة تمت صناعتها بشكل تدخل فيه التقنية السينمائية أكثر، لكن مُسلسلات النجوم مازالت موجودة، وبالمناسبة شيء طبيعي أن تري الرجال يتكالبون لرؤية «غادة عبدالرازق» لأنوثتها الطاغية وكذلك النساء لرؤية ما ترتديه من أساور وملابس، لكن هولاء ليسوا الأنجح.