ولكن بمجرد نزولنا من الطائرة فوجئنا بطقس مختلف عما سمعناه وقرأناه في الأيام السابقة.. صحيح انه تلقفتنا برودة شديدة ولكن لم تكن هناك أمطار أو ثلوج كما تصورنا ولذلك تفاءلنا خيرا بزيارتنا لبريطانيا ضمن الوفد الاعلامي المرافق للدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي رأس بعثة تجارية تضم عددا من الشركات المصرية المتخصصة في تصدير خدمات التكنولوجية بالاضافة الي بعض قيادات وزارة الاتصالات. الزيارة لم تكن سهلة.. والطريق الي العقول الانجليزية لا نجده عادة مفروشا بالورود.. فهم يبحثون دائما عن مصالحهم الخاصة فاذا قرروا وضع استثماراتهم في بلد ما فان قرارهم لا يأتي من فراغ ولكنه يجيء عادة بعد دراسات وتحليلات عميقة للأسواق التي يتجهون نحوها.. ومما زاد من مهمة الوفد المصري في العاصمة البريطانية صعوبة انها كانت "مهمة مزودجة" فنحن لم نذهب اليهم فقط طلبا لاستثماراتهم في مصر أو عرض حوافز الاستثمار التي توفرها الحكومة المصرية للمستثمرين الأجانب.. أو طرح المزايا التي تنفرد بها مصر سواء من حيث الموقع أو البنية الأساسية أو توافر الكوادر البشرية المؤهلة بأعداد ضخمة.. ولكننا في الوقت ذاته عرضنا عليهم خدماتنا ومنتجاتنا وحلولنا التكنولوجية المتقدمة.. عشر شركات مصرية بارزة ذات باع طويل في تصدير خدماتها لأسواق العالم طلبت من الشركات البريطانية المناظرة لها اقامة شراكة متبادلة تقوم علي الندية والتكافؤ.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. بل فاجأ المصريون الانجليز في لندن باستيراتيجية جديدة من شأنها تحفيز الجانب الانجليزي علي قبول مبدأ المشاركة.. هذه الاستراتيجية تقوم علي أساس الشراكة ثلاثية الأبعاد.. بمعني أن كل شركة مصرية ستوقع اتفاقية شراكة مع شركة انجليزية سيذهبان معا الي طرف ثالث في الشرق الأوسط وأفريقيا لاتمام الشراكة الثلاثية.. وفي هذه الحالة ستعم الفائدة علي جميع الأطراف ويكون النجاح مضمونا بدرجة مطمئنة. جهد وتفاوض 7 سنوات ومع بدء المباحثات المصرية الانجليزية شعرنا بالتفاؤل ولاحظنا ذلك الجهد المبذول مقدما للترتيب لهذه الزيارة واعداد أجندة مكثفة من اللقاءات المشتركة بين الجانبين.. وهذا الجهد شاركت فيه وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع سفارتنا في لندن وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات "ايتيدا" والجمعية المصرية لتصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات "ايتيك" ولم نندهش عندما قال د.محمد رضا رئيس الجمعية ان الزيارة نتاج جهد وعمل وعرق وكفاح وتباحث وتفاوض علي مدار 7 سنوات سابقة.. وفي أحد فنادق لندن الشهيرة وفي طقس بارد جدا بدرجة 4 تحت الصفر بدأت وقائع أول ملتقي حقيقي لرجال الأعمال المصريين والانجليز وشهده الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وأعضاء الوفد المصري جلست الشركات المصرية في الملتقي وفي مقابلها الشركات الانجليزية المناظرة لها.. حوالي 160 من كبار المستثمرين ورجال الأعمال وقيادات الشركات من البلدين دخلوا معا في حوار فعال ومثمر وبناء.. حوار بين طرفين وليس حوار أحادي من طرف واحد.. تحدث المصريون فاستمع الانجليز ثم تحدث الانجليز فانتبه المصريون.. عرضت كل شركة خدماتها وأفكارها وحلولها المبتكرة أمام باقي الشركات.. ثم طرح الانجليز تساؤلاتهم واستفساراتهم حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مصر.. سألوا عن كل شيء.. وأي شيء.. حتي عن أحوال المرأة المصرية ومهارات الشباب المصري ومدي استعداده للتعاون مع الشركات الأجنبية.. ولكن المدهش في هذا الحوار أن عدداً كبيراً من المستثمرين ورجال الأعمال الانجليز انتقلوا فجأة من مقاعد السائلين الي مقاعد المنوط بهم الاجابة عن هذه الأسئلة.. تباري هؤلاء في الدفاع عن مصر وطرحوا شهادات حية صادقة في مصلحة مصر من واقع تجاربهم الخاصة والعامة التي عاشوها علي أرض الواقع في مصر.. ورأينا كيف ساهم أيان جراي رئيس مجلس الأعمال المصري البريطاني في بث مشاعر الاطمئنان والارتياح داخل زملائه من المستثمرين ورجال الأعمال الانجليز عندما عرض خلاصة تجربته علي مدار عدة سنوات في مصر من خلال رئاسته لشركة فودافون مصر إحدي أكبر الشركات الانجليزية التي تعمل في مصر وانضمت اليه السيدة "دنيس ديليا" رئيس قطاع الخدمات الدولية بفودافون مصر وعرضت تجربتها الخاصة في مصر والتي وصفتها بأنها ناجحة جدا.. وحتي عندما سألها أحد رجال الأعمال الانجليز عن أوضاع المرأة المصرية ومدي جديتها في العمل خاصة مع ارتدائها للحجاب أجابت بقوة وثبات أن أكثر من 35% من العاملين تحت قيادتها في فودافون مصر سيدات.. وأكدت أنها لم تتعرض أبدا لأية مضايقات أثناء عملها في مصر.. ولم يحدث أن تعرض لها شاب مصري بالإيذاء خلال سيرها في شوارع مصر.. أكثر من ذلك قالت دنيس ديليا أنها قررت شراء بيت لها في مصر وأنها تفكر بجدية في التقاعد والاستقرار في مصر الي الأبد. تحديات ومزايا أما رئيس شركة اكستنشر أكبر شركة تعهيد في العالم. باولو كارزا فقال ان التحدي الرئيسي أمامنا هو كيف نجد شريكا مصرياً للعمل معنا في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا.. فرد الدكتور محمد رضا سريعا بأننا سنحتفل قريبا جدا بتوقيع اتفاقية شراكة بين اكستنشر وشركة مصرية رائدة في صناعة التعهيد. وسأل مارتن هارت رئيس الهيئة العليا البريطانية لتنظيم صناعة التعهيد: لماذا نذهب الي مصر.. وبماذا تختلف مصر عن الهند مثلا.. فرد محمود الهريدي رئيس قطاع التطوير في شركة "أي بي إم" قائلا: لدينا في مصر مقومات ومزايا تنافسية عديدة.. فنحن أقرب للعالم وأوروبا وأمريكا من الهند.. ولدينا منظومة لغات متعددة وليست لغة واحدة.. ومستوي جودة تقديم الخدمات في مصر أعلي وأفضل.. فضلا عن أن أسعارنا مقارنة بالمخرجات في الهند جيدة جدا. ويعتبر ملتقي رجال الأعمال بمصر وانجلترا الذي استضافته لندن هذا الأسبوع هو الرابع من نوعه بين الجانبين والثالث الذي تنظمه ايتيك مع الهيئة البريطانية للتعهيد. وأكد الطرفان أنهما يلعبان دور المحفز الرئيسي للدفع بعجلة التعاون المشترك في مجال تكنولوجيا المعلومات.. وتختار الهيئة البريطانية للتعهيد الشركات الانجليزية بعناية اعتمادا علي بعض المعايير منها أن تكون الشركات ذات موقف اقتصادي قوي ومحل ثقة.. بينما تفضل ايتيك اختيار الشركات التي لديها القدرة علي تنفيذ مشروعات وتقدمها للجانب البريطاني.. ثم تأتي الخطوة الثانية حيث تذهب الشركات المصرية الي انجلترا لعرض امكانياتها وقدراتها وأيضا طرح مطالبها من السوق الانجليزي. وحدد الجانبان 5 محاور رئيسية لانطلاقة التعاون المشترك وهي الصحة والتعليم والقطاع المالي وأمن المعلومات والخدمات الحكومية.. وذهبت الشركات المصرية الي لندن هذه المرة ولديها رسالة أساسية تقوم علي أن التعاون مع الشركات الانجليزية لابد أن يتجه الي نظرية جديدة وهي نظرية "ثلاثية الأبعاد" بحيث تذهب الشركات المصرية والانجليزية معا للبحث عن شريك ثالث في الشرق الأوسط وافريقيا وعندما يحدث التحالف الثلاثي يمكن للجانب المصري اعطاء مميزات تنافسية لشريكه الانجليزي مثل تخفيض تكاليف التشغيل مما يزيد من هامش الربح المتوقع للشركات الانجليزية.. ثم ان السوق المصرية مازالت صغيرة لا تستوعب طاقات الشركات المصرية مما يجعلها تتجه الي الخارج للبحث عن أسواق كبيرة وهنا لا تجد أفضل من السوق البريطانية التي لا تبعد عن مصر بأكثر من 4 ساعات طيران.. ومما يزيد من القيمة المضافة للشراكة المصرية الانجليزية أن لندن ستكون مدخل الشركات المصرية الي أسواق أوروبا.. وفي نفس الوقت تكون القاهرة مدخلا للشركات الانجليزية للعبور الي أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا وبذلك تتحقق المصلحة المشتركة في أبهي صورها. تعاون الأزمات اتفق الجانبان أيضا خلال حوارهما المثير في ملتقي الأعمال المشترك بحضور د.طارق كامل والسفير المصري في لندن حاتم سيف النصر علي أن توقيت اطلاق الشراكة المصرية الانجليزية مناسب جدا وقالوا إن زمن التعاون المثالي بين الدول والحكومات وأيضا الشركات هو زمن الأزمات وليس زمن الرخاء والانتعاش.. ولذلك حرصت 120 شركة انجليزية علي المجيء الي الملتقي للتحاور وجها لوجه مع 12 شركة مصرية واعدة في مجال تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات. لماذا صمت الوزير؟ الدكتور طارق كامل تابع الحوار المشترك باهتمام بالغ وأبدي مشاعر السعادة والارتياح وهو يستمع مع قيادات وزارة الاتصالات ورؤساء الشركات المصرية شهادات انجليزية رائعة تدعم مهمة الوفد المصري في العاصمة البريطانية.. فضل الوزير الاستماع ورفض التدخل في الحوار حتي نهايته فلم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يتحدث الانجليز عن مصر بهذه الصورة الرائعة. بينما كان المصريون يرتبون أوراقهم ويجهزون كلماتهم ومداخلاتهم وأيضا اجاباتهم علي سيل من التساؤلات المتوقعة من جانب الشركات البريطانية. تحدث من الجانب المصري عمرو أبو علم الرئيس التنفيذي لشركة القري الذكية ومدحت خليل رئيس شركة راية القابضة وعبدالرحمن الصاوي رئيس شركة SEE المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والمهندس طارق طنطاوي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة المصرية للاتصالات والمهندس ياسر القاضي الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات "ايتيدا" ود.طارق خليل رئيس جامعة النيل. وأكد د.طارق كامل في كلمته انه جاء الي المملكة المتحدة في زيارة رسمية علي رأس بعثة تجارية يشارك فيها عدد من المسئولين بوزارة الاتصالات مشيرا الي سعادته بالحضور والمشاركة في أعمال الملتقي المصري الانجليزي الذي شارك فيه نحو 160 شخصية وقيادة للشركات من البلدين حيث شاهدنا نماذج مختلفة قدمتها الشركات المصرية والانجليزية. عن رؤيته للسوق البريطانية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قال د.طارق كامل ان السوق الانجليزية واعدة في تصدير الخدمات التكنولوجية.. وجئنا الي لندن هذه المرة لعرض حزمة الحوافز التي تقدمها مصر وايضا المزايا التنافسية التي نوفرها للشركات الاجنبية والعالمية عموما. انتقل د. طارق كامل في حواره لملتقي الاعمال المشترك للحديث عن الابداع التكنولوجي وريادة الاعمال مؤكدا اهتمام مصر ممثلة في وزارة الاتصالات وتركيزها علي هذا المحور الهام في المرحلة المقبلة واشار إلي أنه لدينا في قطاع الاتصالات المصري قناعة بأن محور الابداع سيكون بمثابة قوة الدفع لصناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر. وأضاف الوزير اننا اعتدنا في السنوات السابقة علي التركيز علي دعم الصناعة وتصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات والتعهيد ولكن خطتنا الجديدة 2011/2014 ستركز أكثر علي الابداع والابتكار وريادة الاعمال مع استمرارنا في المجالات الاخري فلدينا العقول ولدينا مراكز التميز التي انشأتها الشركات العالمية والمصرية وينقصنا فقط الاحتكاك بالاسواق العالمية ولذلك جئنا الي لندن لزيارة المؤسسات والهيئات الخاصة والاكاديمية والحكومية لبحث اطر التعاون في هذا المجال. أوضح الوزير ان السوق المصري للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نشأ منذ فترة طويلة لكننا نعمل منذ 10 سنوات في اطار خطط تنظيمية واضحة بدأناها مع الدكتور أحمد نظيف عندما كان وزيرا للاتصالات ثم انتقلنا الي بناء مجتمع المعلومات المصري وفي مرحلة ثالثة خطة تصدير الخدمات التكنولوجية وفي يناير القادم سنعلن عن خطة مصر في الابداع وريادة الاعمال. أكد الوزير ان السوق المصري واعد وكبير واننا جئنا الي لندن برسالة اساسية للجانب الانجليزي وهي اننا لا نتطلع الي التهاون التقليدي فقط في مجال تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات ولكن نتطلع الي تعاون أكبر واعظم في مجال الابداع والابتكار التكنولوجي وريادة الاعمال.