انتهت أمس واحدة من أفضل دورات مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة وهي الدورة ال 21 التي وصفها الناقد عصام زكريا رئيس المهرجان بأنها التي جعلت المهرجان يصل إلي سن الرشد وبعيدا عن الجوائز التي تم توزيعها أمس في حفل الختام فإن المهرجان قدم باقة من أجمل الأفلام سواء التي حصلت علي جوائز أو لم تحصل وهي أفلام تفوق في أهميتها الأفلام الروائية الطويلة التي تسلط عليها الأضواء طوال العام بينما الأفلام التسجيلية لم نعد نهتم بها الا خلال انعقاد مهرجان الإسماعيلية. يستحق الفيلم المصري الوثائقي الطويل "تأتون من بعيد" للمخرجة أمل رمسيس الاهتمام الإعلامي الذي صاحب عرضه بالمهرجان فهو دراسة سينمائية يقدم قصة حقيقية اكتشفت فصولها المخرجة أثناء تصوير الفيلم وقبل أي شيء فإن الفيلم يدين الحروب في كل زمان ومكان لأنها كانت السبب في تمزيق أسرة الفلسطيني نجاتي صدقي الذي كان يعيش مع زوجته وابنائه في بيروت ودخل السجن بسبب نشاطه السياسي وتم ترحيل زوجته وابنته الطفلة دولت إلي أحد ملاجيء موسكو وهناك تركتها الأم وحيدة وسافرت إلي اسبانيا والتقت بزوجها هناك وعاشت الأسرة مفككة في 3 دول وقامت الحرب العالمية الثانية لتجعل من المستحيل لم شمل الأسرة مرة ثانية وقد احتفظ الفيلم بعنصر التشويق وجذبت الأحداث المشاهد حتي آخر دقيقة بأسلوب أقوي من السينما الروائية لأن ما يشاهده علي الشاشة وقائع حقيقية وليست من نسج الخيال. ونفس الشيء حدث مع الفيلم الوثائقي المصري "اخوان النازي" للمخرجة جيهان يحيي ومادة علمية للباحث السياسي توحيد مجدي والذي أثبت تورط الإخوان وزعيمهم حسن البنا في تعاون صريح من المانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية واستطاع تجنيد 15 ألفا من مصر عاد منهم بعد الحرب 934 فقط وراح الباقون ضحايا لذلك التعاون مع هتلر وقد اعتاد الاخوان عبر تاريخهم الأسود الرهان علي الحصان الخاسر. الفيلم المصري الثالث يستحق الاشادة هو الفيلم الوثائقي "معجزة البقاء" اخراج حسن صالح وهبة الحسيني عن تاريخ وعالم الغجر في مصر الذين يعيشون في مجتمع خاص بهم في مناطق متفرقة من المحافظات المصرية ويعمل معظمهم في احياء الموالد والأفراح وتعمل المرأة كغازية مثل الراقصة خيرية التي تحدثت عن حياتها وعملها وأسرتها ونظرتها للحياة وبذلك استطاعت مصر أن تخطف الأضواء بالأفلام المتميزة التي شاركت بها الإسماعيلية هذا العام. وتجدر الاشارة إلي أهم المشاركات الدولية في الدورة 21 منها الفيلم الهندي "سونا الطفل الطائر" روائي قصير للمخرج كريشان كومار جذب انتباه جمهور المهرجان بقصته الإنسانية المؤثرة عن الطفل سونا الفقير الذي يحلم باقتناء حذاء من القماش ويعمل مع احدي الفرق الموسيقية الجوالة ولكن تأتي سيدة تتهمه بسرقة حذاء ابنها فتأخذ أم سونا حذاءه وتعيده إلي السيدة ويقرر الطفل الهرب من القرية كلها التي يعيش فيها.. ومن الهند أيضا عرض المهرجان الفيلم التسجيلي الطويل "احزان هندية" اخراج جواد شريف ويقدم رحلة مع الفرق الموسيقية الهندية في الأقاليم الريفية الفقيرة البعيدة عن العاصمة ونستمع إلي موسيقاهم وأغانيهم الحزينة وهم يتعرضون لمضايقات الجماعات المتطرفة التي تحرم الموسيقي.. وكذلك جاء فيلم "دلتا" من روسيا للمخرج الكسندر تشكينسكي ويتناول مقاومة للبشر هناك للحياة ذات الطبيعة القاسية حيث الجليد وموجات الصقيع ومن لبنان شاهدنا الفيلم الروائي القصير "بيك أب" للمخرجة ليال عقيقي وهو من الأفلام البسيطة التي تتحدث عن الحب الذي تنتظره الفتاة من زميلها ولكنه يأتي صادقا وحقيقيا من سابق الشاحنة التي يعمل معها. ومن اسبانيا شاهد جمهور مهرجان الإسماعيلية فيلم "الولد الذي أراد أن يطير" روائي قصير عن الطفل الذي يعاني من معاملة أبيه القاسية واهتمامه بالمولودة الجديدة ويفكر الطفل في الطيران من فوق سطح المنزل والهروب من مشاكله ومن بولندا تميز الفيلم التسجيلي القصير "القلعة" عن كواليس 6 من العاملين في متحف داخل قلعة أثرية وكيف انهم يتمتعون بشخصيات إنسانية جذابة رغم بساطة عملهم الذي يحبونه ويتفانون في ادائه علي الوجه الأكمل. وحتي أفلام التحريك استطاع المهرجان تقديم مجموعة متميزة منها للتنافس علي الجوائز منها فيلم "الراهب" من مقدونيا للمخرج زاركو ايفانوف والذي يتميز بشخصية فنية فريدة علي مستوي الشكل وجرأة واضحة علي مستوي المضمون وهو فيلم ضد الخرافات بأنواعها والتي تحد من قدرات الإنسان وأحيانا تتسبب في تحطيمه وكذلك فيلم الرسوم الاسباني "في مواجهة سانتا" اخراج ايتوري هيريور وراؤل كولدمير ويحكي عن طفل يستعد للاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة ويرفض هدايا بابا نويل لأن هديته الحقيقية هي عودة والده الطيار من عمله والاحتفال معه بالعيد. وشاركت مصر بفيلم التحريك "العرض الأخير" اخراج محمد الصالحي وله أيضا شخصية فنية واضحة بأسلوب العرائس المتحركة ويحكي عن مشاعر البلياتشو العجوز الذي فقد ساقه ويفكر في الانتحار ولكن حب الحياة كان أقوي ومن بولندا جاء فيلم التحريك "تانجو الجنين" المأخوذ عن شكل لوحات الفنان الفرنسي سيزان بأسلوب غاية في الابتكار والابداع وقد تميزت الافلام القادمة من بولندا بالمستوي الفني شديد الخصوصية والتألق. وقبل ختام المهرجان أعلن د.خالد عبدالجليل رئيس المركز القومي للسينما عن اطلاق قناة علي اليوتيوب متخصصة في عرض الافلام التسجيلية والوثائقية من انتاج المركز وجاء ذلك خلال ندوة انتاج وتوزيع الافلام التسجيلية في العالم وهي واحدة من ندوات المهرجان الناجحة إلي جانب حلقة بحث النقد السينمائي في السبعينيات والتي نظمتها جمعية نقاد السينما المصريين عضو الفيبريسي وكذلك ندوات تكريم عطيات الأبنودي وسعيد شيمي وبرهان علوية وأسامة فوزي وموازيه نجانجورا وندوة كتاب نجيب محفوظ بختم النسر الذي يضم الملف الوظيفي للأديب العالمي.