كان معجزة بلا شك ماحدث في السادس من أكتوبر في العام الثالث والسبعين من القرن الماضي علي ضفاف قناة السويس . التي سالت عليها واختلطت بمياهها دماء عشرات الألوف من المصريين منذ شارك اجدادنا في حفرها وحتي خاضوا الحروب حولها وفوقها مع المحتل الانجليزي وطلبا لجلائه ثم مواجهة مع العدو الاسرائيلي في الخمسينات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. سطر المصريون وجيشهم ملاحم علي ضفاف القناة وحولها.. بين معارك التحرير ومواجهة العدو والارهاب الاسود.. ثم اخيرا معارك البناء التي قدم فيها المصريون صورا رائعة من صور التضحية والبذل والعطاء . فغيروا بلا مبالغة كل خرائط العالم حين شقوا قناة ثانية.. أو قناة جديدة الي جانب القناة التي شقها اجدادهم.. ثم حين وصلوا بين ضفتها وتحت مياهها بأنفاق عملاقة ستنهي الي الابد عزلة الضفة الشرقية.. وسيناء الحبيبة عن الوادي. في 6 اكتوبر تجلت عبقرية الانسان المصري الذي يستطيع بالدأب والصبر ان يفوق فكر الآخرين.. فذلك الساتر الترابي الذي اقامه العدو علي الضفة الشرقية لقناة السويس.. ازالته فكرة بسيطة لضابط مهندس مصري.. ومقاتل شجاع.. كانوا يقولون ان هذا الساتر لن تزيله الا قنبلة ذرية.. وكانوا يقولون ان مياه القناة ستتحول الي نيران تشتعل بالنابالم اذا حاول المصريون عبورها.. كل هذا انتهي بأفكار عبقرية في منتهي البساطة ولكن وراءها عقل يفكر ويواجه الفكر الآخر.. اما مواسير النابالم فكانت مواجهتها بمنتهي البساطة.. سد هذه المواسير فلا تعمل عندما يراد لها ان تعمل.. فكرة اخري بسيطة ولكنها عبقرية.. انهت اسطورة خط بارليف دون الحاجة الي قنبلة ذرية.. الضابط المصري اللواء الذي رحل منذ اسابيع باقي زكي يوسف كان احد المقاتلين من المهندسين الذين عملوا في السد العالي اهم انجاز هندسي عالمي في القرن العشرين وكانوا يستخدمون ضغط الماء في رشاشات تقذف الماء مضغوطا علي التراب فتهيله.. ومضت في ذهنه الفكرة العبقرية.. بنت لحظتها ولماذا لانفعل ذلك مع خط بارليف؟.. الفكرة البسيطة.. والعبقرية معا . كانت احدي المعجزات التي حققها الجيش المصري.. والمقاتل المصري الشجاع.. قدم المقاتل باقي زكي يوسف فكرته الي قادته وتصاعدت الفكرة حتي وصلت الي القائد الاعلي للقوات المسلحة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فكان الامر بالتنفيذ واقامة سواتر ترابية مماثلة في الحجم والارتفاع ونوعية الرمال والاتربة في خط بارليف وتم التجريب ونجحت التجربة واصبحت النتائج سرا من اسرار الجيش المصري في اعداده لمعركة العبور وتم استيراد الرشاشات اللازمة ومضخاتها بمعرفة وزارة الزراعة كجزء من الخداع الذي نفذ لاخفاء الاستعداد والاعداد للحرب الفاصلة. فكرة اخري عبقرية في حرب اكتوبر.. شفرة الحرب.. كل الجيوش تستخدم شفرة معينة في ايصال تعليماتها الي وحداتها اثناء الحروب وقبلها وفي مراحل التحضير لها وتحاول جيوش العدو فك هذه الشفرة.. وبرزت في هذه الحرب فكرة عبقرية بسيطة من مقاتل مصري.. نوبي الاصل احمد ادريس.. هذا المقاتل البطل الذي كرمه الرئيس عبد الفتاح السيسي في اكتوبر الماضي.. اقترح استخدام اللغة النوبية كشفرة للجيش المصري خلال حرب اكتوبر وفوجيء العدو بما لا يعرفه من كلمات تصدر بها التعليمات الي قوات الجيش المصري البطل خلال الحرب ولم يستطع ان يفك الشفرة التي بطبيعة الحال استخدمت لمرة واحدة في حرب اكتوبر ولابد ان جيش العدو الآن قد عكف علي دراسة اللغة النوبية ربما نستعملها مرة اخري ولكن هذه الشفرة اصبحت سلاحا يستخدم لمرة واحدة والعبقري المصري الذي توصل الي استخدام هذه اللغة كشفرة للتواصل بين وحدات الجيش وقياداته قادر في اي معركة اخري علي الابتكار.. فعبقرية المصري حين يريد ان يبدع.. وحين يواجه التحدي.. قادرة علي انجاز المستحيل ..وكم من افكار اخري عبقرية اظهرتها حرب اكتوبر المجيدة التي لا تنتهي دروسها ابدا.. وليس ببعيد عنا ما فعله مهندسونا في تطوير الكثير من الاسلحة سواء الروسية أو الامريكية.. وستظل افكار هذا التطوير اسرارا من اسرار الجيش المصري البطل الذي وصل بحمد الله وبالارادة الصلبة وبالاصرار علي فعل المستحيل لمواجهة أي عدوان أو تهديد بالعدوان علي الوطن ومصالحه برا.. وبحرا.. وجوا.. وشرقا.. وغربا.. وشمالا.. وجنوبا.. لنا جيش يحمينا.. ويصون تراب الوطن ويذود عن مقدراته.. فتحية في اكتوبر المجيد لكل ضابط بطل ولكل جندي بطل.. وتحية لكل شهيد روي بدمائه تراب هذا الوطن.. لكي يعيش أبناؤه في سلام وامان.. وتحية لكل اسرة شهيد.. تحملت فقد الاب او الابن او الزوج.. وبذلوا من انفسهم ألما.. وحزنا.. وصبرا.. من أجلنا جميعا.. عاش جيش مصر البطل.. وتحيا مصر.